جاءت الأنباء عن تقدم قوات تيغراي نحو إقليم عفار الإثيوبي، الذي يمر به خط النقل الرئيسي الذي يربط أديس أبابا بجيبوتي ليمثل لتطوراً خطيراً في حرب تيغراي، يهدد بتطويق أديس أبابا نفسها.
وتسعى"جبهة تحرير تيغراي"، خلال الآونة الأخيرة، للسيطرة على طرق السكك الحديدية بين جيبوتي وإثيوبيا بعد شن هجوم على إقليم عفار شرق البلاد؛ حيث تواجدت قوات داعمة لحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد في حربه ضد تيغراي.
ويبلغ تعداد سكان إثيوبيا قرابة 110 ملايين نسمة منقسمين إلى أكثر من 80 مجموعة عرقية.
وتسببت حرب تيغراي منذ اندلاعها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في نزوح مليوني شخص بمنطقة تيغراي، حيث أرسل آبي أحمد قوات لمحاربة السلطات الإقليمية التي هيمنت ذات يوم على الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا.
لماذا يكتسب إقليم عفار أهمية كبيرة لأديس أبابا رغم قلة عدد سكانه؟
يعتبر إقليم عفار واحداً من 9 أقاليم في إثيوبيا، ومن أصغرها حيث بلغ عدد سكانه نحو 1.7 مليون نسمة.
ولكنه يحظى بأهمية استراتيجية لهذا البلد الذي لا يمتلك أي منفذ بحري، إذ تمر في شرق الإقليم خطوط السكة الحديدية التي تربط إثيوبيا بجيبوتي ومن ثم إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، لذلك يعتبر شريان الحياة النابض لأديس أبابا، علماً بأن إثيوبيا دولة حبيسة، والدول الساحلية المحيطة بها تعاني من اضطرابات مثل الصومال أو دول معزولة مثل إريتريا، ولذا تكتسب جيبوتي بموقعها الاستراتيجي ومينائها الحيوي أهمية كبيرة لإثيوبيا.
ومن هنا فإن الطريق الذي يربط إثيوبيا بميناء جيبوتي الواقع شرقي منطقة عفار هو طريق شديد الحيوية لهذا البلد ما يثير مخاوف من نية لدى متمردي تيغراي بقطعه.
وقال مسؤول في الوكالة الوطنية الإثيوبية للاستجابة للكوارث إن الطريق "مفتوح" و"آمن للغاية"، مضيفاً أن أي ادعاء بخلاف ذلك هو "دعاية" تروج لها جبهة تحرير شعب تيغراي.
وكان مسلحو تيغراي قد شنوا عمليات في عفار نهاية الأسبوع الماضي، استهدفت القوات الموالية للحكومة والمحتشدة على طول الحدود المشتركة بين المنطقتين، بينما أفاد مسؤولون حكوميون بمقتل 20 مدنياً ونزوح عشرات الآلاف فراراً من القتال.
وبحسب وثيقة للأمم المتحدة اطلعت عليها وكالة فرانس برس، اندلع قتال عنيف بين قوات عفار الخاصة وجنود الجيش الفيدرالي ضد قوات جبهة تحرير شعب تيغراي الأربعاء الماضي في منطقتي أورا وإيوا.
تقع هاتان المنطقتان على الحدود الجنوبية لتيغراي وشمال منطقة أمهرة حيث تم نشر الآلاف من عناصر الميليشيات مؤخراً.
عفار تحمل السلاح، لماذا يمثل ذلك خطراً على آبي أحمد؟
دعا إقليم عفار الإثيوبي المدنيين إلى حمل السلاح ضد مقاتلي إقليم تيغراي المجاور.
وقال رئيس إقليم عفار آوول أربا في مقابلة بثتها وسائل إعلام حكومية: "على كل أبناء عفار حماية أرضهم بأي وسيلة متاحة، إن كان بالبنادق أو العصي أو الحجارة"، مضيفاً: "ليست هناك أسلحة يمكن أن تجعلنا نركع. سننتصر في هذه الحرب بتصميمنا القوي"، حسبما نقلت "فرانس برس".
وينذر توسع نطاق المواجهة بين جبهة تحرير تيغراي والجيش الإثيوبي، بحسب مراقبين، بتصعيد عسكري خطير وإطالة أمد المواجهة التي خلَّفت خلال الشهور الماضية آلاف القتلى ومئات الآلاف من النازحين.
ولكن الأمر قد يكون أخطر من ذلك، فحتى لو نجحت القوات الإثيوبية الفيدرالية والقوات المحلية في عفار في صد هجوم التيغراي، فإن هذا ستكون له آثار كبيرة.
فحمل عفار للسلاح سيعطيهم قوة في مواجهة الحكومة الفيدرالية التي يتزايد السخط عليها في البلاد، وينظر لها أنها تتحول لاستبداد مجامل للأمهرة تحت حكم آبي أحمد.
ورغم أن عدد سكان منطقة عفار ضئيل حيث يبلغ 1.7 مليون نسمة أي أقل من 2% من سكان إثيوبيا، ولكن يجب ملاحظة أنها تحتل موقعاً بالغ الاستراتيجية، كما أن شعب عفار مسلم في أغلبيته الكاسحة "عكس أغلب الإثيوبيين"، ومرتبط إثنياً بجيبوتي وبالتالي فمن السهل أن تعلو لديه التوجهات الانفصالية التي ترى أنه ليس جزءاً تقليدياً من إثيوبيا بل تم ضمه لها بالقوة.
بطبيعة الحال، فإن قلة عدد سكان الإقليم لا تجعله يمثل خطراً على وحدة البلاد، ولكن موقعه الاستراتيجي وتركيبته السكانية البعيدة عن بقية البلاد، يمكن أن تمثل مشكلة مع انتشار السلاح لمواجهة التيغراي، وإذا تزامن ذلك مع تدهور عام في أرجاء إثيوبيا على غرار ما حدث في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا السابقة.
ويبدو أن هذا قد بدأ يحدث بالفعل بشكل أو بآخر، فقد ذكرت السلطات في إقليم الصومال الإثيوبي المجاور لعفار أن متظاهرين أغلقوا طريقاً حيوياً يربط العاصمة أديس أبابا بميناء جيبوتي البحري.
وأظهرت صور على منصات وسائل التواصل الاجتماعي صخوراً على خط للسكة الحديد، وأذكى إغلاق الطريق حالة قلق كبير، نظراً لأن غالبية واردات إثيوبيا غير الساحلية تأتي من جيبوتي عبر هذا الطريق.
وقال مصطفى محمد عمر، رئيس إقليم الصومال الإثيوبي، لوكالة رويترز للأنباء أمس الأربعاء، إنه تم إغلاق طريق حيوي وشريان تجاري للسكك الحديدية يربط العاصمة غير الساحلية أديس أبابا بميناء جيبوتي البحري.
وقالت حكومة عمر يوم الثلاثاء إن ميليشيات من منطقة عفار المجاورة هاجمت بلدة تابعة لها ونهبتها، في أحدث تصعيد لنزاع محلي على الحدود، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات في الدولة الواقعة في القرن الإفريقي.
لماذا تتجه تيغراي إلى عفار بدلاً من أمهرة؟
اللافت أن قوات التيغراي توجهت لمحاربة إقليم عفار، بدلاً من تركيز معركتهم مع الأمهرة أعدائهم الألداء، ومن الواضح أن ذلك ينم عن تغير استراتيجي لدى تيغراي.
فرغم عداء تيغراي للأمهرة، واتهام تيغراي لهم بأنهم قد احتلوا جزءاً من أراضيهم، فإن التوغل في إقليم الأمهرة الوعر، والكثيف السكان يمثل خياراً صعباً، حيث يبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة مقابل 5 ملايين لإقليم التيغراي، وتمثل منطقة الأمهرة القلب الصلب التاريخي للدولة الإثيوبية "الحبشة".
ولذلك قررت جبهة تحرير تيغراي على ما يبدو التوغل في أطراف منطقة الأمهرة الشرقية الأقل وعورة وإقليم عفار القليل السكان، ولذلك في محاولة لقطع الطريق الرئيسي الذي يربط العاصمة أديس أبابا بجيبوتي، وهو ما قد يؤثر على تجارة البلاد بشكل كبير.
وبالنسبة لتيغراي، فحتى لو لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، فإن إثارة الاضطرابات في الأقاليم الطرفية الإثيوبية التي تضم قوميات مسلمة مثل العفار والصوماليين من شأنها فتح المجال لإضعاف سيطرة الحكومة المركزية التي سيزداد اعتمادها في هذه الحالة على الميليشيات المحلية، التي لا يمكن ضمان ولائها.
وقد يكون أحد أهداف تيغراي في التوغل داخل عفار محاولة الاقتراب من الإقليم الصومالي، الذي يسكنه أغلبية صومالية مسلمة وهو متاخم لعفار، وكان لدى سكانه تاريخياً رغبة في العودة لأحضان الصومال، وكذلك إقليم أورومو أكبر أقاليم البلاد سكاناً، والذي يشهد نقمة على حكم آبي أحمد.
ومن شأن انتقال أنشطة تيغراي إلى هذين الإقليمين ونجاحها في الاتصال بالعناصر الساخطة في الإقليمين تغيير شكل حرب تيغراي تماماً، وتحويلها من حرب تيغراي إلى حرب إثيوبيا برمتها.
آبي أحمد يلعب بورقة قوات الأقاليم
في المقابل، فإن حكومة آبي أحمد تحاول بدورها الزج بقوات الأقاليم في حرب تيغراي.
فلقد شهدت الساحة الإثيوبية مؤخراً عمليات حشد لقوات خاصة وميليشيات من عدد من المناطق إلى إقليم تيغراي لدعم العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية بعد هزيمتها.
وأثار هذا الأمر الكثير من المخاوف حيال اتساع رقعة الصراع في الإقليم المضطرب ودفع البلاد إلى هاوية حرب أهلية كاملة.
وتحارب قوات نظامية من منطقة الأمرة المتاخمة لجنوب تيغراي، إلى جانب القوات الحكومية منذ أن بدأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد العمليات العسكرية في تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
لكن الآن تنضم قوات نظامية وغير نظامية من ست مناطق أخرى إلى صفوف القوات الحكومية، رغم أنها لم تكن منخرطة من قبل في الصراع في تيغراي.
ويثير هذا الأمر تساؤلات حيال عدد الميليشيات المحلية التي ستدخل ساحة المعارك في تيغراي. وفي هذا الصدد، يقول شيتل ترونفول، أستاذ دراسات السلام والصراع في كلية بيوركنيس في النرويج، لموقع دويتش فيله الألماني إنه تم تزويد عناصر الميليشيات الإقليمية "ببنادق كلاشينكوف وربما حصلوا على تدريب بدائي للغاية".
وأضاف ترونفول: "لقد تم استدعاؤهم بسبب أن الحرب في تيغراي قد أنهكت القوات الفيدرالية، لكن المأساة أن أفراد هذه الميليشيات ربما يُنظر إليهم باعتبارهم وقوداً للحرب. لذا يمكن أن نتوقع معدلاً كبيراً من الضحايا إذا لم ينشقوا أو يستسلموا بأعداد كبيرة".
وأشار البروفيسور ترونفول إلى أن نقاشاً حاداً قد دار في بعض الأقاليم حيال الاستجابة لدعوة آبي أحمد بالزحف إلى تيغراي. وأضاف أن هذا الطرح لاقى معارضة؛ إذ طالب البعض بعدم الانجرار إلى حرب ليست "حرباً تخص هذه الأقاليم"، مشيراً إلى أنه يُنظر في الغالب "داخل إثيوبيا إلى الصراع الحالي باعتباره صراعاً بين الأمهرة والتيغراي".
تجري شيطنة تيغراي مثلما حدث في رواندا
من جانبه، يحذر يوهانس ولد مريم، المحلل الإثيوبي المستقل المقيم في الولايات المتحدة، من تداعيات انخراط ميليشيات محلية جديدة في الصراع.
وأضاف: "الوضع يتطور بشكل خطير للغاية؛ إذ إن هناك العديد من الجماعات تقاتل، لكن يجب الإشارة إلى أن قضايا وأجندات هذه الجماعات تتباين".
وشدد على أن "هذا الوضع قد يمهد الطريق أمام وقوع كارثة حقيقية قد يزيد ضحاياها على ما وقع في رواندا.. هذا هو خوفي"، في إشارة إلى أعمال العنف التي وقعت في رواندا عام 1994 بين قبائل الهوتو والتوتسي أسفرت في حصيلتها عن مقتل نحو 800 ألف شخص في غضون مئة يوم فقط.
وقد أدت تصريحات آبي أحمد مؤخراً إلى تغذية هذه المخاوف؛ إذ استخدم كلمات مثل "المخدرات" و"السرطان" و"المرض" في الإشارة إلى جبهة تحرير تيغراي. وفي تعليقه على هذا التصعيد الكلامي، قال ترونفول إن هذه اللغة "تمثل خطاباً خطيراً للغاية يرقى لخطاب الإبادة الجماعية".