يبدو من المبكر معرفة هل هناك أطراف خارجية وراء انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على مؤسسات الشرعية أم لا، ولكن المؤكد أن هناك أطرافاً خارجية سعيدة بما يحدث باعتباره نهاية الربيع العربي.
إذ ما يحدث في تونس ليس بعيداً عما حدث في بلدان عربية أخرى خلال السنوات الماضية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
نهاية الربيع العربي وقعت في مهده
ففي العشر سنوات التي تلت الربيع العربي، أصبح المكان الذي ولدت فيه ثوراته هو نفسه الذي وُئدت فيه نهاية الربيع العربي.
إذ ظلت تونس ومصر وليبيا، حيث بدأ كل شيء منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول عام 2010، محوراً مهماً في ما حدث حين انهارت الأنظمة الاستبدادية في مواجهة الشوارع المضطربة. وأصبحت الدول الثلاث الواقعة في شمال إفريقيا مركزاً لصراع أكبر على النفوذ بين أصحاب النفوذ في المنطقة.
واصطف على أحد جوانب هذا الصراع ما يسمى بالدول البوليسية العربية، بقيادة الإمارات والسعودية ومصر التي أعادت تنظيم صفوفها بعد الانقلاب الدموي عام 2013 في مصر، حيث تلقت القاهرة الدعم من أبوظبي والرياض، وعلى الجانب الآخر، وقفت قطر وتركيا وفلول جماعة الإخوان المسلمين، الذين أطاحهم الزعيم المصري عبدالفتاح السيسي بوحشية، وحمتهم الدوحة وأنقرة، حسب وصف التقرير.
وشكل مصير الإخوان نقطة خلاف قوية بين المحورين؛ إذ سيطر حزب النهضة، وهو حزب ذو جذور إخوانية، على الشؤون التونسية طوال الجزء الأكبر من السنوات العشر الماضية. ومطلع هذا العالم، تشكلت حكومة في ليبيا بموافقة تركيا، العدو اللدود للإمارات، التي تدعي أنها تراقب وتنتظر.
ومع ذلك، بعد خوض أبوظبي تحديداً حروباً مكلفة بالوكالة في ليبيا وإنفاقها ببذخ لدعم مصر، يبدو أن لها مصلحة في تحديد مصير تونس أيضاً، حسب الصحيفة البريطانية.
ويبدو أن إطاحة قيس سعيد بالحكومة التونسية مساء يوم الأحد 25 يوليو/تموز جاءت نتيجة مجموعة من الأحداث؛ الزحف البطيء المؤلم نحو مبادئ الديمقراطية، والاقتصاد المنهار، وتواني المجتمع الدولي الذي لم يقدم الكثير من التشجيع لبلد على وشك تغيير كبير.
وفي الواقع، كان رد الفعل على الانقلاب- الذي صدم معظم دول المنطقة- هادئاً على الجبهة الداخلية. وفي حين بدت سياسات الانقلاب شأناً داخلياً، يظل موقف الأطراف الإقليمية، ومنها الإمارات، غير واضح في الوقت الحالي.
وكانت تونس قد تلقت دعماً قوياً من الزعيم التركي، رجب طيب أردوغان، الذي لا يزال قادة الإمارات مستائين بشدة من تدخله في سياسات العالم العربي، ويعتقد بعض هؤلاء القادة أن الاستثمار السياسي في ليبيا لم تكن عوائده كبيرة ويخشون توطد الإسلام السياسي.
دوافع محلية للإنقلاب ولكنه قد يكون له تداعيات إقليمية
وقد تعهد قيس سعيد، الحاكم المستبد الجديد في تونس، بمواجهة حزب النهضة صاحب أكبر كتلة برلمانية. وبعد أن تخلص سريعاً من رئيس وزراء البلاد، الذي كان قد عيَّنه في الأصل، يبدو أنه يواجه عقبات قليلة- في الوقت الحالي- لتعزيز سلطته الجديدة.
وفي شوارع تونس، كانت الدوافع وراء الإطاحة بالحكومة دوافع محلية إلى حد كبير؛ شعب منهك، كثير منه فقد الثقة في وتيرة التغيير ونجاح التجربة الديمقراطية التونسية المتعثرة.
وإذا كانت الظروف المحلية بالفعل هي المحرك الوحيد لمثل هذه الخطوة المعادية للديمقراطية، فستحرص دول النفوذ في المنطقة على مراقبة الوضع عن كثب، والعديد منها ستفعل دون تأنيب ضمير.
في أول رد فعل خارجي، أعلن المتحدث باسم الحكومة التركية إبراهيم قالن، رفضه لما وصفه بـ"تعليق المسيرة الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب في تونس".
وأكد قالن، في تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي بموقع تويتر، "ندين المبادرات التي تفتقر إلى الشرعية الدستورية والتأييد الشعبي، نعتقد أن الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذه العملية".
في المقابل، جددت السعودية، في بيان صدر أمس الثلاثاء، ثقتها في القيادة التونسية لتجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي الشقيق وازدهاره، ودعت المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية والاقتصادية.
موقف الاتحاد الأوروبي
على أنه ساد اعتقاد في بعض العواصم الأوروبية بأن بعض نظرائها في المنطقة ليست غير راضية عن هذه التطورات.
وطالب الاتحاد الأوروبي في بيان له الرئيس التونسي برفع الحصار عن البرلمان، وأكد ضرورة المحافظة على ترسيخ الديمقراطية واحترام سيادة القانون والدستور والإطار التشريعي مع إيلاء أهمية لرغبات وتطلعات الشعب التونسي، ودعا إلى إعادة الاستقرار المؤسساتي في أقرب الآجال، ولا سيما استئناف النشاط البرلماني واحترام الحقوق الأساسية وتجنّب جميع أشكال العنف.
وأعربت الحكومة الألمانية عن "بالغ قلقها" بشأن تطورات الأوضاع التونسية، مضيفة: "نعتقد أنه من المهم الآن العودة بسرعة حقاً إلى النظام الدستوري"، مطالبة بضرورة استعادة قدرة البرلمان على العمل بسرعة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبهر، إن برلين قلقة من الاضطرابات السياسية المتصاعدة في تونس، وتدعو إلى إعادة البلاد إلى حالة النظام القانوني الدستوري، ومع ذلك ترى أن ما حدث ليس "انقلاباً".
وطالبت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية جميع الأطراف بـ"ضمان الامتثال للدستور في تونس وتطبيقه"، مشدّدة على ضرورة "الالتزام بالحقوق والحريات".
من جانبها، بدا موقف باريس أقل حزماً في رفض ما حدث من ألمانيا؛ إذ دعت فرنسا إلى احترام سيادة القانون في تونس في أسرع وقت ممكن، كما دعت الخارجية الفرنسية كل الأحزاب السياسية في تونس، إلى الامتناع عن العنف والحفاظ على الإنجازات الديمقراطية.
وأعربت الخارجية عن أملها "بعودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي" في تونس "في أقرب وقت"، وذلك بعد قيام الرئيس سعيد بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء.