"ما يحدث في تونس لا يمكن وصفه إلا بالانقلاب"، هكذا علقت صحيفة The Guardian البريطانية على تجميد الرئيس التونسي قيس سعيد عمل البرلمان، وعزل رئيس الوزراء.
واعتبرت الصحيفة البريطانية الأحداث التي تشهدها العاصمة تونس تشير إلى أن البلاد تواجه ثورة مضادة.
إذ أقال الرئيس قيس سعيد يوم الأحد 25 يوليو/تموز رئيس وزراء البلاد والحكومة وعلّق البرلمان.
وجمّد سعيد الحصانة البرلمانية للنواب، في تحذير موجه للمعارضين السياسيين. واقتحام القوات الأمنية لمحطات تلفزيونية ليس بعلامة جيدة على الإطلاق؛ إذ اندلعت تظاهرات، وخرج المتظاهرون إلى الشوارع، بعضهم لتأييد الرئيس، والبعض الآخر لمعارضته. وتحول دفء الربيع العربي دون شك إلى برد الشتاء.
ووصفت المعارضة- التي يقودها حزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي يتمتع بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان- أفعاله بأنها "انقلاب".
تعلق صحيفة The Guardian قائلة: "من الصعب ألا نتفق مع هذا القول".
ما سبب ما يحدث في تونس؟
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
كثيرون في تونس إما لا يبالون أو الأسوأ، ينجذبون إلى زعماء الدهماء والمتشددين الدينيين ومن يترحمون على النظام الديكتاتوري السابق الذي كان يحكم البلاد.
وميل قطاعات من السكان إلى اللامبالاة أو إلى المبادئ غير الليبرالية يعود إلى أن الحرية والديمقراطية في تونس لم تحققا الاستقرار السياسي والاقتصاد المزدهر. بل لا يزال الفساد والتضخم والبطالة في ازدياد. وخلال السنوات القليلة الماضية، نزل التونسيون إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم، بطريقة عنيفة في بعض الأحيان.
كشفت الجائحة أيضاً عن مدى القصور الذي أصبحت عليه الدولة التونسية؛ إذ توصلت دراسة استقصائية أجراها المعهد الوطني للإحصاء في تونس إلى أن ثلث الأسر التونسية كانت تخشى نفاد الطعام العام الماضي.
على أن الحكومة، وفقاً لوثائق مسربة، كانت تستعد لإلغاء دعم الخبز للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهو الرابع خلال 10 سنوات.
النظام الرئاسي السابق انهار لنفس الأسباب
ولم يفاقم غضب الناس إزاء تعامل الحكومة مع الجائحة إلا مستوى الدين الوطني؛ فقد وصلت مدفوعات القروض الآن إلى ستة أضعاف حجم ميزانية الصحة في البلاد.
ومن السهل هنا أن يتذرع البعض بأن المؤسسات الديمقراطية في تونس لا تقدم ما يحتاجه الشعب، لكن النظام الرئاسي الديكتاتوري انهار قبل عقد من الزمان؛ لأنه ثبت أنه عاجز عن تلبية مطالب الناس.
وقد نجح هذا النظام الديكتاتوري في الاستمرار من خلال القمع الوحشي، حسب الصحيفة البريطانية.
إعجاب قيس سعيد بالسيسي، وعجزه عن التعاون مع المشيشي يظهر أنه غير مؤهل
ما تحتاجه تونس هو أن يتبنى الساسة منظوراً أكثر واقعية عما تحتاجه البلاد؛ فالعودة إلى الاستبداد لن تضمن استقرار النظام. والرئيس سعيد تحدى الدستور ليعلق البرلمان. وعجزه عن التعاون مع رئيس وزراء اختاره بنفسه يشير إلى أنه ليس مؤهلاً لنظام حكم مدني معقد. وثناؤه على النظام الديكتاتوري العسكري المصري لا يساعد كثيراً في بث الثقة.
لقد كانت الديمقراطية التونسية انتصاراً لسياسة التوافق. لكن الحكومة الائتلافية تؤدي في كثير من الأحيان إلى تأجيل القرارات خوفاً من انهيار التحالفات. وقد أدى ذلك، خاصة بعد انتخابات 2019، إلى زيادة الدعم للأحزاب الجديدة الأكثر تطرفاً بعدما لم تجد مطالبات تحسين مستويات المعيشة والعدالة الاجتماعية آذاناً مصغية.
ويبدو أن الممثلين المنتخبين قد شجعوا، بتقاربهم، غياب الاستقرار السياسي الذي أرادوا تحاشيه. على أن البلاد لا تخلو من الساسة المحنكين؛ إذ أنقذ راشد الغنوشي، الرئيس الحالي للبرلمان والمؤسس المشارك لحركة النهضة، التحول الديمقراطي المبكر في تونس من الانهيار مرة من قبل عام 2013. وتونس في أزمة لن ينزع فتيلها إلا رؤية حالة الطوارئ على حقيقتها ومعالجة أسبابها، وليس بالإصرار على الحجج المناهضة للديمقراطية التي عفا عليها الزمن.