منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد، مساء الأحد 25 يوليو/تموز 2021، قراراته المفاجئة المتعلقة بالبرلمان والحكومة، انقسم التونسيون بين مساند ومعارض وداعٍ إلى تقريب وجهات النظر لحلحلة الأزمة والحفاظ على مكتسبات ثورة 2011. وإثر اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية أعلن سعيّد تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها.
البحث عن حل سياسي بين قيس سعيد ومعارضيه
وحول احتمالات إيجاد مخرج سياسي للأزمة المستمرة، يستبعد محللون تونسيون إمكانية إيجاد حلول توافقية للأزمة المندلعة، وأنه لا مجال لتقريب وجهات النظر بين سعيّد، الذي يبدو ماضياً في قراراته، وبين الأطراف المعارضة لها. إذ عاد سعيّد وقال الإثنين في مقطع فيديو نشر على صفحة الرئاسة التونسية في فيسبوك إن "قراراتي دستورية، وتطبيق لما جاء في الفصل 80 من الدستور، وتحملت المسؤولية التاريخية.. ومن يدعي أن الأمر يتعلق بانقلاب فليراجع دروسه في القانون".
ورفضت غالبية الأحزاب وأكبرها قرارات رئيس البلاد، واعتبرها البعض "انقلاباً على الدستور"، فيما أعربت أحزاب أخرى عن تأييدها لما أقدم عليه سعيّد، الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فترة رئاسية من 5 سنوات.
وجاءت هذه القرارات إثر احتجاجات في محافظات عديدة الأحد، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
ويقول الباحث في الجامعة التونسية، سامي براهم، إن "فريق الرئيس الذي نصحه بالذهاب في هذا الخيار غاب عنه أن كل الإجراءات التي تم اتخاذها فيها خرق صريح للدستور، فلا يمكن لأي متخصص في القانون أن يقر بصحة هذه الإجراءات".
وأضاف براهم لوكالة الأناضول، أن "سعيّد وضع نفسه خارج دائرة الشرعية برمتها، لذلك لا يمكن أن يكون لهذه الإجراءات أي شرعية قانونية أو دستورية". مشيراً إلى أن "حل هذه الأزمة متوقف اليوم على مؤسسات الدولة والطبقة السياسية والمنظمات الاجتماعية الوطنية ومدى قبولها بهذه الإجراءات".
هل تلعب المنظمات المدنية التونسية دور الوسيط في هذه الأزمة؟
وحول الحلول الممكنة للخروج من الأزمة، قال الباحث التونسي إن "الحوار بين الأطراف السياسية كان معطّلاً في السابق، إذ كان رئيس الدولة يرفض أن يكون الحوار تحت سقف مخرجات الدستور".
وأردف: "الرئيس منذ توليه الحكم كان يعبّر مراراً وتكراراً عن رفضه لكل المنظومة السياسية، بما فيها البرلمان ونظام الاقتراع (الانتخاب)، بل يرفض حتى دستور 2014، الذي يعلن اليوم أن قراراته مطابقة له، ودعا صراحة سابقاً إلى اعتماد دستور 1959".
واستطرد: "ليس هناك شروط مشتركة للحوار، المسألة اليوم متوقفة على موازين قوى، مَن مع الانقلاب ومَن مع الديمقراطية في البلد، ليس هناك جبهة واضحة معارضة للانقلاب".
وبشأن إن كانت المنظمات الاجتماعية قادرة على لعب وساطة لتقريب وجهات النظر، أجاب براهم بأن "اتحاد الشغل (أكبر منظمة عمالية) فشل سابقاً في مساعيه لتنظيم حوار بسبب رفض سعيّد لإجراء الحوار تحت سقف الدستور الحالي".
وطالب الاتحاد العام التونسي للشغل، بـ"ضرورة اتخاذ ضمانات دستورية ترافق التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، وفيما لم يتخذ البيان موقفاً واضحاً من خطوات الرئيس التونسي، فقد طالب بـ"ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيداً عن التوسع، وتحديد مدة تطبيقها، والإسراع بإنهائها، حتى لا تتحوّل إلى إجراء دائم، والعودة في الآجال إلى مؤسسات الدولة".
ومنذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، استمر خلاف بين سعيّد والمشيشي؛ بسبب تعديل وزاري أجراه الأول ورفضه سعيّد. واعتبر براهم أن "عسكرة البلاد قائمة على قدم وساق، والرئيس هيّأ لذلك عبر إجراءات عديدة، منها ترقيات وأوسمة في صفوف المؤسسات العسكرية والأمنية وكان يعدّ لهذا اليوم، والمسألة كانت نتاج ترتيبات دامت أشهراً حتى وصلنا إلى هذا الوضع اليوم".
دور الجيش التونسي في المشهد
من جهته، يقول الخبير العسكري التونسي مختار بن نصر، أن يكون "للاتحاد العام التونسي للشغل دور في تأطير المسار الجديد في البلاد"، لافتاً إلى أن "الاتحاد لطالما دعا الأطراف السياسية إلى الحوار، لكن كل الأبواب كانت موصدة". وأضاف بن نصر للأناضول أن "الاتحاد قادر على لعب دور التهدئة وضمان الاستقرار الاجتماعي في البلاد".
وتعليقاً على دور المؤسسة العسكرية في الأزمة، قال إن "مهام الجيش الوطني مضبوطة بالدستور، وهي حماية الوطن من أي عدوان داخلي أو خارجي ومعاضدة مجهود الدولة في حفظ النظام أو في المسائل التنموية والصحية وغيرها". واعتبر أن "من يتحدثون اليوم عن عسكرة الدولة هم لديهم حساسية مفرطة من الجيش".
مضيفاً أن "الجيش التونسي منذ الثورة (يناير/كانون الثاني 2011) إلى اليوم ساعد هذه التجربة على الاستمرار، وكان ضامناً لمسار الثورة، وقام بحماية الانتخابات، وحتى اليوم يقدم المساعدة في مجابهة الأزمة الصحية (كورونا)".
ويُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
ماذا يقول القضاء الأعلى التونسي؟
من جهته، كشف مجلس القضاء الأعلى في تونس، الإثنين 26 يوليو/تموز 2021، أنه أبلغ قيس سعيد رفضه لقرار ترؤس النيابة العامة ضمن مجموعة القرارات المفاجئة التي اتخذها الأخير، كما أكد المجلس استقلالية السلطة القضائيّة، وضرورة النأي بها عن كلّ التجاذبات السياسية، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية.
المجلس قال إنه التقى الرئيس التونسي بدعوة منه، ووفق بلاغ المجلس الذي نشر على الصفحة الرسمية له في موقع فيسبوك، فقد تمّ التأكيد خلال اللقاء على "استقلالية السلطة القضائيّة، وأن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويضطلعون بمهامهم في نطاق الدستور والقانون في حماية الحقوق والحريات".
كما شدّد المجلس على أنّ "النيابة العموميّة جزء من القضاء العدلي، يتمتع أفرادها بنفس الحقوق والضمانات الممنوحة للقضاء الجالس، ويمارسون مهامهم في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل". وورد في بيان للرئاسة حول الاجتماع أن سعيّد "يؤكد حرصه على احترام الدستور ومقتضياته، وفرض القانون على الجميع، وضمان استقلال القضاء في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس"، وهو ما يشير إلى استمرار إصراره على قراراته برغم موقف مجلس القضاء الأعلى الرافض لها.