يزداد المشهد السياسي والأمني تعقيداً في العراق مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويلعب عدد من الفاعلين أدواراً مختلفة في عدم الاستقرار الأمني في العراق، بدوافع يغلب عليها طابع التنافس السياسي بين الأحزاب للحصول على مكاسب أكبر في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى نشاطات لفصائل مسلحة حليفة لإيران تستهدف المصالح الأمريكية، ونشاطات أخرى لتنظيم "داعش" تستهدف البنى التحتية للطاقة الكهربائية.
ووفقاً لما نشرته مواقع إلكترونية محسوبة على داعش، فإن ما لا يقل عن 70 برجاً لنقل إمدادات الطاقة الكهربائية تعرضت للتدمير خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين وأطراف نينوى، وفي المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وكذلك خطوط الإمداد من إيران إلى العراق في محافظة ديالى.
وكان لعمليات تدمير أبراج الطاقة الكهربائية تداعيات على أداء المستشفيات وعلى السكان في عموم العراق الذين خرج الكثير منهم في عدد من المحافظات بتظاهرات احتجاجية على سوء الأداء الحكومي في تقديم الخدمات.
ويعاني العراق من نقص في تغطية حاجاته من الطاقة الكهربائية محلياً.
فساد مستمر منذ 2003
وإلى الفساد في عموم مؤسسات الدولة، فإن أسباباً أخرى أدت إلى أزمة الكهرباء، مثل اعتماده على استيراد الغاز من إيران لتشغيل محطات توليد الطاقة، إضافة إلى شراء كميات من الكهرباء عبر خطوط نقل الإمدادات التي تتعرض لاستهداف تنظيم "داعش".
ويحتل العراق المرتبة 21 من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية التي أشارت إلى اختفاء أكثر من 450 مليار دولار من الأموال العامة بعد عام 2003.
ويقدر مسؤولون حكوميون أن العراق بحاجة إلى إنتاج 20 ألف ميغاواط، بينما لا ينتج أكثر من 16 ألف ميغاواط يومياً في أفضل حالاته، أي هناك نقص بنسبة 25% من الحاجة التقديرية.
ووفقاً لتصريحات أدلى بها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فإن الحكومات السابقة أنفقت قرابة 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، إذ "كان الفساد عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بطريقة مستقرة".
ويلقي الكاظمي المسؤولية على "قوى" لم يذكرها بالاسم، قال إنها "تعمل على ألا يصل العراق إلى الاكتفاء الذاتي في الطاقة والغاز، وتحاول إعاقة هذه الجهود بكل وسيلة".
وتصف الحكومة العراقية الجهات التي تستهدف أبراج الطاقة الكهربائية بـ"الجماعات التخريبية"، في إشارة إلى جهات أخرى غير تنظيم "داعش".
لكن مسؤولين عراقيين، مثل النائب عبدالخالق العزاوي، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، يتهمون جهات ودولاً خارجية من دون ذكرها بالاسم باستهداف وتفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية.
وتواصل القوات الأمنية تعزيز قدراتها لحماية أبراج الكهرباء في محافظات عدة، وسط اتهامات لعناصر تنظيم "داعش"، أو جهات مستفيدة من تعهدات إصلاح ونصب الأبراج المدمرة. وهو ما أشار إليه مسؤولون عراقيون تحدثوا، أيضاً، عن سيطرة قوى متنفذة سياسية ومسلحة على الجزء الأكبر من قطاع مولدات الكهرباء الخاصة المملوكة للأهالي، والتي تدر أرباحاً إضافية، مع زيادة عدد ساعات تشغيلها.
لذلك، فإن تنظيم "داعش" قد يكون طرفاً في تدمير أبراج الطاقة الكهربائية. لكنه ليس الوحيد؛ إذ قلة من الأبراج استُهدفت في مناطق صحراوية، بينما تعرضت الكثير منها للتخريب في مناطق تخلو من أي وجود للتنظيم، ولم يسبق أن شن هجمات فيها، مثل المناطق القريبة من جرف الصخر جنوب بغداد، والتي تسيطر عليها المجموعات الشيعية المسلحة، أو مناطق أخرى عند مقتربات المدن، وهي مناطق تخضع لإجراءات مشددة من جانب القوات الأمنية.
تبعات الفساد
ويتعدى الفساد وتداعياته قطاع الكهرباء إلى قطاعات أخرى، مثل القطاع الصحي الذي يعاني من نكسات متتالية ناجمة عن حرائق المستشفيات المتكررة، وتراجع الخدمات المقدمة للمواطنين في ظل تفشي جائحة كورونا.
وفي حوادث حرائق متكررة، تعرض جناح الحجر الصحي للمصابين بفيروس كورونا في "مستشفى الحسين التعليمي" بمدينة الناصرية جنوب بغداد لحريق بسبب سوء تخزين أسطوانات الأوكسجين أودى بحياة ما لا يقل عن 92 شخصاً في ثاني حادث خلال ثلاثة أشهر.
وكان ما لا يقل عن 82 شخصاً قُتلوا وأصيب 110 آخرون في حريق مماثل اندلع في مستشفى "ابن الخطيب" ببغداد أواخر أبريل/نيسان الماضي، بسبب تخزين أسطوانات الأوكسجين بشكل غير آمن.
وأحبطت قوات الأمن أكثر من محاولة إحراق لمستشفيات أخرى.
وتكتفي الحكومة العراقية بتشكيل لجان تحقيقية، ووقف أو اعتقال عدد من مسؤولي القطاع الصحي ودفع وزير الصحة إلى تقديم استقالته.
وأثارت فاجعة "مستشفى الحسين التعليمي" سخطاً عاماً لدى العراقيين ضد الحكومة والطبقة السياسية، ما يمكن أن يلقي بظله على الانتخابات المقبلة التي تعرضت هي الأخرى لانتكاسة جديدة بعد إعلان التيار الصدري عدم المشاركة فيها، والتخلي عن دعم المنتمين للحكومة الحالية واللاحقة من أعضاء التيار.
وليس من المؤكد حتى الآن أن رئيس التيار الصدري سيتمسك بموقفه حتى موعد الانتخابات.
وبموجب قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن قرار انسحاب التيار الصدري لا يعد سارياً طالما أنه اتُخذ بعد 20 يونيو/حزيران، وهو موعد إغلاق قبول طلبات الانسحاب.
وسبق للتيار الصدري ورئيسه أن أعلن أكثر من مرة انسحابه من العملية السياسية وحل التيار وإغلاق جميع مكاتبه، لكنه سرعان ما تراجع عن موقفه، كما حدث في الأعوام 2007 و2013 و2014.
واستباقاً لزيارة الكاظمي للبيت الأبيض، زار بغداد وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي الذي أكد أن بلاده تولي أهمية كبيرة لأمن العراق واستقراره.
والتقى علوي الرئاسات الثلاث، إضافة إلى قادة فصائل مسلحة، وفق وسائل إعلام محلية تحدثت أنه حثّهم على التهدئة مع الولايات المتحدة في العراق مع التأكيد على رغبة إيران بإخراج القوات الأمريكية من العراق.
القوات الأمريكية في العراق تحت دائرة الضوء
ولا يزال الجدل في الأوساط العراقية دائراً حول مصير الجنود الأمريكيين البالغ عددهم نحو 2500 جندي ومدرب ترى إيران ضرورة إخراجهم من العراق استجابة لقرار مجلس النواب في 5 يناير/كانون الثاني 2020، أي بعد يومين من اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس بغارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي.
ويرى مختصون أن قرار مجلس النواب لن يكون ملزماً إلا بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليه، وهو ما لم يتم حتى اليوم.
ولا تزال القوات الأمنية بحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل على يد مدربين أمريكيين لتنمية قدراتهم على مواجهة تهديدات تنظيم "داعش".
كما أن الولايات المتحدة تدرك حقيقة عجز القوات الأمنية عن حماية مصالحها وأرواح مواطنيها في العراق، بعد استمرار استهدافهم من المجموعات الشيعية الحليفة لإيران والتي تبدو حكومة الكاظمي تبذل جهوداً للحد من نفوذهم وقدراتهم على تهديد الأمن والاستقرار في العراق.
لكنها، أي حكومة الكاظمي، عاجزة تماماً عن مواجهة تحدي سلاح تلك المجموعات الذي تحذر الأمم المتحدة من مخاطره وتأثيره على نتائج الانتخابات.
وستجرى الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر؛ استجابة لإرادة الأمم المتحدة ودول أخرى مثل الولايات المتحدة وإيران وقوى سياسية تصر على عدم تأجيلها.