يهيمن الرئيس شي جين بينغ بصورة مطلقة على النظام السياسي والعسكري والاقتصادي في الصين، وبعد أن عدل الدستور كي يبقى في منصبه مدى الحياة إذا ما أراد، وعدم وجود خليفة له حتى الآن، يتردد سؤال ماذا لو "غاب" الزعيم فجأة؟
وكان شي قد صعد إلى قمة السلطة في الصين قبل ما يقرب من تسع سنوات، وأصبح الآن مهيمناً بشكل مطلق على النظام السياسي في البلاد، فهو يتحكم في عملية وضع السياسات الداخلية، والجيش، والدبلوماسية الخارجية. وقوة شي التي لا تُضاهى داخل الحزب الشيوعي الصيني تجعل منه شخصاً حصيناً مثل جوزيف ستالين أو ماو تسي تونغ، بعد عمليات التطهير الوحشية التي نفذها كل منهما خلال التطهير العظيم والثورة الثقافية، على التوالي.
وفي ظل غياب منافسين سياسيين مُقنِعين، سيعتمد أي قرار بالتقاعد يتخذه شي على تقديره والموعد الذي يحدده. والتعديل الذي أدخله على الدستور عام 2018 يتيح له الاستمرار في المنصب مدى الحياة، إن اختار ذلك، وحتى إن تخلى شي عن مناصبه القيادية الرسمية فيُرجح أن يحتفظ بالسيطرة الفعلية على الحزب الشيوعي الصيني وجيش التحرير الشعبي، فكلما طالت مدة توليه السلطة، زاد توافق الهيكل السياسي مع شخصيته وأهدافه ونزواته وشبكة عملائه. وشي بدوره تزداد أهميته للاستقرار السياسي في الصين في كل يوم له في المنصب.
ونشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية تقريراً بعنوان "أزمة خلافة الرئيس الصيني الوشيكة في الصين"، رصد سيناريوهات ما قد يحدث في حالة غياب شي بشكل مفاجئ لأي سبب من الأسباب.
ماذا يعني عدم وجود خليفة محتمل للزعيم؟
هذا التراكم للقوة الشخصية للزعيم الأوحد له تكلفته على الصين، إذ إن امتناع شي عن اختيار خليفة له يلقي بظلال الغموض على مستقبل نظام يعتمد بدرجة كبيرة على قيادته، ولا يعرف بخطط شي طويلة الأجل سوى عدد محدود من مسؤولي الحزب، وحتى الآن لم يتحدث أحدهم عن المدة التي ينوي الاستمرار فيها في الرئاسة، فهل سيتقاعد في المؤتمر العشرين للحزب عام 2022، أم سيتشبث بالسلطة إلى الأبد؟ وإذا مات فجأة وهو في منصبه، كما حدث مع ستالين عام 1953، فهل سيحدث انقسام في الحزب يتنافس فيه المتنافسون على القيادة؟ وهل سيتمكن المراقبون في الخارج من التنبؤ بما سيحدث؟
تُمكّن القيود القانونية والسياسية المحدودة في العديد من البلدان القادة من التمسك بالسلطة، وغالباً إلى أجل غير مسمى. أما في البلدان التي تكون بها الإجراءات القانونية أشد قوة يبادر القادة العازمون على البقاء في مناصبهم بتهميش المعارضين السياسيين أو حتى سجنهم، ورغم أن بعض الحكام المستبدين ينجحون في صد التهديدات التي تواجهها سلطتهم، فبعض جهودهم للاستمرار في الحكم مدى الحياة قد تؤدي أيضاً إلى حدوث أزمات في خلافة الرئيس أو في القيادة الرسمية أو حتى انقلابات.
ولكن في الوقت الذي تولى فيه شي الرئاسة أواخر عام 2012، بدا أن بكين قد استقرت على منظومة مستدامة وسلمية لانتقال السلطة، بل وذهب باحثون صينيون بارزون إلى حد الزعم بأن "خلافة الحكم أصبح في حد ذاته مؤسسة حزبية".
لكن شي نسف هذه الافتراضات مع اقتراب نهاية فترته الرئاسية الثانية. فأثناء المؤتمر الشعبي الوطني للحزب الشيوعي الصيني في ربيع عام 2018، فرض تعديلاً دستورياً يحذف بموجبه القيد الزمني لولايته، وما لا يقل عن ذلك أهمية هو أنه لم يعيّن مرشحاً ليحل محله، ولم يقدم لا الرئيس شي ولا الحزب الشيوعي الصيني أي إشارة على حدوث انتقال للسلطة في المستقبل القريب. ورغم إعلان بعض الوسائل الإعلامية التابعة للحزب أن شي لا ينوي الاستمرار في الحكم مدى الحياة، لم يصدر أي بيان رسمي عن مستقبله السياسي.
نهاية الرئيس شي
قد يخالف شي التوقعات ويقرر تسليم السلطة في المؤتمر العشرين للحزب نهاية عام 2022، ولكن في غياب مرشح لخلافته -شخص أثبت مصداقيته بالفعل واختاره الحزب- فهذا مستبعد. وما قد يحدث هو تقديم المرشحين عبر ترقيتهم إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، قمة السلطة السياسية في الصين. وهؤلاء المرشحون سيقضون بعد ذلك عدة سنوات في التنقل بين المناصب العليا لاكتساب الخبرة في الحكم وبناء المصداقية داخل النظام.
ولكن حتى لو عين شي واحداً أو أكثر لخلافته عام 2022 وهو يفكر في التقاعد رسمياً في المؤتمر التالي، فقد لا يعني ذلك نهاية سيطرته غير الرسمية، إذ يظل بإمكانه الاستمرار في إدارة الأمور من وراء الكواليس، مثلما فعل دينغ وجيانغ زيمين بعد انتهاء فترتهما في الحكم.
وهذا الاتجاه في الصين يتوافق مع نسق تاريخي أكبر، فنادراً ما يتنازل الحكام المستبدون عن كرسي السلطة، وإن فعلوا ذلك فغالباً ما يظلون محتفظين بنفوذهم. وفي الوقت الحالي تحرم هيمنة شي الحكومات الأجنبية من فرصة بناء علاقات مع خلفاء محتملين له، وإذا لم يعلن مرشحيه المفضلين لخلافته عام 2022، فهذا يشير على الأرجح إلى أن أي شخص مؤهل ليصبح خليفته ليس بارزاً في الوقت الحالي بدرجة كافية ليرصده المراقبون.
ورغم إحكام الرئيس الصيني المبهر لقبضته على الحكم، فحتى أقوى القادة يعتمدون على دعم مجموعة من الجهات الفاعلة والمصالح. وهذا الدعم مرهون بشروط، وقد يتراجع مع تغير الظروف المحلية والدولية، ولا يعرف المراقبون الخارجيون طبيعة الاتفاق بين شي وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية والعسكرية على وجه الدقة.
ولكن لا شك في أن أي تراجع كبير في النمو الاقتصادي أو سوء الإدارة المتكرر لأزمات السياسة الخارجية قد يزيدان من صعوبة مهمة شي في موازنة المصالح المتنافسة ويضعف من سيطرته.
ولكل تحالف نقطة ضعف، ولهذا بالطبع يقابل القادة محاولات الانقلاب برد عنيف، فهم يريدون ردع المنافسين المحتملين، وهذا ما عبر عنه الرئيس الغامبي يحيى جامع بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2014، حين حذر بالقول: "أي شخص يخطط لمهاجمة هذا البلد فليستعد للموت". على أن شي تخلص من قواعد الحزب الشيوعي الهشة المتعلقة بتقاسم السلطة ونقلها.
مخاطر محاولة الانقلاب على شي
إطاحة زعيم في المنصب -خاصة الزعيم الذي يتمتع بقبضة حديدية على دولة حزب واحد- ليست سهلة، فأي شخص يطمح لتنفيذ انقلاب تواجهه عقبات هائلة، تبدأ بضرورة كسب دعم الأعضاء البارزين في المنظومة العسكرية والأمنية، دون أن ينتبه الرئيس أو الجهاز الأمني المحيط به.
وبالنظر للإمكانات التكنولوجية التي يتمتع بها الجهاز الأمني للحزب الشيوعي الصيني، الذي يرأسه شي، تصبح هذه المحاولة محفوفة بمخاطر تعرضها للكشف أو انشقاق المشاركين الذين يعدلون عن رأيهم. وصحيح أن لشي مجموعة من الأعداء في الحزب، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن الحواجز التي تحول دون التآمر عليه تكاد تكون لا تقهر، ففي غياب أزمة في النظام تتضاءل فرصة انقلاب خصوم شي.
لكن تعرض شي للموت أو العجز فجأة سيقضي على حكمه، بغض النظر عن الوقت الذي ينوي فيه إنهاءه، وشي يبلغ من العمر 68 عاماً، وكان مدخناً، وزائداً في الوزن، ويعمل في وظيفة مجهدة، ووفقاً لوسائل إعلامية حكومية: "يجد سعادته في التعب". ورغم غياب أي علامات واضحة على أن شي يعاني اعتلالاً في صحته، فهو لا يزال بشراً.
والآن بعد أن ألغى قواعد خلافة الحكم في الصين، فسينتج عن غيابه فراغ في السلطة وقد يؤدي إلى صراع داخلي في الصفوف الأولى للحزب الشيوعي الصيني. وقد ينقسم أعضاء تحالف شي إلى مجموعات متنافسة، يدعم كل منها خليفته المختار. وقد يسعى من تعرضوا للعقاب أو التهميش في عهد شي إلى انتهاز هذه الفرصة النادرة للاستيلاء على السلطة.
وحتى لو لم يمت شي، وأصيب بالعجز بسبب سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو أي مشكلة صحية خطيرة أخرى فستدخل الصين في مأزق سياسي، وسيُضطر مؤيدو النظام والمنتقدون له إلى تشكيل تحالفات جديدة، تحوطاً لتعافيه وانتهاء فترته على السواء، والعواقب المترتبة على السياسة الداخلية والخارجية ليست واضحة.
وتوجد سيناريوهات أخرى محتملة بطبيعة الحال، على سبيل المثال قد يختار شي التقاعد عام 2035، أي منتصف الفترة بين الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني هذا العام والذكرى 2049 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ولكن بغض النظر عن كيف ومتى يغادر منصبه، يثير غياب خطة واضحة أسئلةً لا مفر منها عن قدرة الحزب على نقل السلطة بطريقة سلمية وواضحة المعالم.
وفي العقود التي أعقبت وفاة ماو عام 1976، بدا النظام السياسي متجهاً نحو الاستقرار، رغم بعض الاضطرابات التي تنشأ بين الحين والآخر في القيادة العليا. ولكن في يومنا الحاضر يكتنف مستقبل الصين السياسي حالة من الضبابية، ومشكلة خلافة الرئيس ليست من المشكلات التي يناقشها المسؤولون الصينيون علناً، لكنهم لا يستطيعون تجاهلها أيضاً، فهي مشكلة ستحتاج إلى حل عاجلاً أم آجلاً.