جاءت تغريدة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التي نشرها باللغة العربية وحاول فيها طمأنة مصر والسودان بأنهما لن تتضررا من الملء الثاني لسد النهضة لتثير مزيداً من التساؤلات حول أسباب تقلبات سياسة إثيوبيا تجاه سد النهضة.
ووجّه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الخميس 22 يوليو/تموز 2021، رسالة إلى دولتي المصب مصر والسودان، قال فيها إن "التعبئة الثانية لسد النهضة، التي أُعلن انتهاؤها قبل أيام، تمت بحذر لتجنيب الدولتين الفيضانات"، مؤكداً من جانبه أن "سد النهضة لن يلحق أي ضرر بهما".
الرسالة التي وجهها آبي أحمد باللغة العربية لدولتي المصب جاءت عبر تغريدة على موقع تويتر، وصف فيها مشروع سد النهضة بالمكسب والرمز الحقيقي للنمو والتعاون المشترك.
وحث مسؤول إثيوبي شعبي السودان ومصر على قبول حقيقة أن التعبئة الثانية للسد لم تتسبب في أي ضرر يذكر لدولتيهما، بل إنها ستعود بالكثير من الفوائد على دولتي المصب خاصة، والمنطقة عامة، على حد قوله.
هذا الخطاب الودي جاء بعد تعنت إثيوبيا وإفشالها لمحاولات التفاهم وعقد اتفاق حول سد النهضة قبل بدء الملء الثاني.
تقلبات سياسة إثيوبيا تجاه سد النهضة قديمة
وتقلبات سياسة إثيوبيا تجاه سد النهضة ليست جديدة، فمنذ بدايات الأزمة وأديس أبابا تتقلب ما بين التفاوض دون جدوى، وفرض الأمر الواقع خلال عملية التفاوض، ثم إرسال رسائل تهدئة شكلية أو على الأقل التقلب ما بين رفع سقف خططها ثم تخفيضها، تاركة مصر والسودان معلقتين بين اليأس والأمل.
فإثيوبيا عادة ترفع من سقف تصرفاتها، وعندما يبدو أن مصر والسودان سيحاولان الرد تعاود تخفيض مواقفها في الأزمة دون الوصول إلى اتفاق، ثم تعيد الكرة مرة أخرى.
وبذلك تضمن إثيوبيا استمرار سيطرتها على الموقف، والتصرف بشكل انفرادي دون إيصال مصر والسودان إلى الخط الأحمر، الذي قد يدفعهما إلى اتخاذ إجراءات حاسمة.
والنتيجة أن إثيوبيا تبدو هي الفاعل الرئيسي في الأزمة، ومصر والسودان في موقف سلبي، لا يستطيعان الرد في ظل الوضع الجغرافي الذي يجعل أديس أبابا المتحكم الرئيسي في مياه النيل، في وقت يبدو فيه أن محاولات تدويل الأزمة قد باءت بالفشل، مثلما ظهر في جلسة مجلس الأمن، وقبلها إفشال إثيوبيا للوساطة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
فعلت ذلك في الملء الأول لسد النهضة في صيف 2020، الذي أعلن عنه خلال قمة مشتركة ضم قادة البلدان الثلاثة.
بهذه الطريقة فإن رئيس الحكومة الإثيوبية يبدو أمام شعبه الممسك بزمام الأمور، متحدياً مصر والسودان، ومحققاً شعبية وهمية أمام شعبه المنقسم.
وفي الوقت نفسه فإنه يترك بوادر أمل لمصر والسودان، بأنه لن يلحق ضرراً جسيماً بهما، أو أنه على الأقل لن يغلق باب التفاوض الذي لا يبدو أن مساره سوف ينتهي يوماً.
هل يمكن لمصر والسودان الاطمئنان لرسائل آبي أحمد؟
المشكلة أن تقلبات سياسة إثيوبيا تجاه سد النهضة تجعل من الصعب على مصر والسودان أن يطمئنا إلى نوايا أديس أبابا في عدم الإضرار بهما كما تقول، كما أنها تواصل تحصيل المكاسب تحت ستار مسار التفاوض المتعثر.
الأخطر هو تقلبات المطالب الإثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة، سواء في التوسع في توليد الكهرباء أو التلميح إلى إمكانية استخدامه في الزراعة أو حتى بيع مياه النيل، كما سبق أن لمّحت.
ويعني ذلك أننا أمام عملية مماطلة، تهدف في الأغلب إلى رفع سقف المطالب الإثيوبية، وتقليل حقوق مصر والسودان في مياه النيل.
مسار التفاوض الحالي يوشك أن ينتهي، فهل ترفع أديس أبابا سقف مطالبها؟
وما يزيد هذا الوضع سوءاً بالنسبة للقاهرة والخرطوم هو إصرار إثيوبيا على الوساطة الإفريقية، التي لم يظهر لها أي جدوى، وهي تستند في ذلك إلى اتفاق المبادئ، الذي يلزم بأن إشراك أي وساطة جديدة تكون بناءً على موافقة البلدان الثلاثة.
وإذا استمر هذا السيناريو فإنه يعني في الأغلب عدم الوصول إلى اتفاق، واستمرار إثيوبيا في التقلب ما بين رفع سقف المطالب وإرسال رسائل الطمأنة غير المحددة إلى القاهرة والخرطوم.
بالنسبه لإثيوبيا يبدو التفاوض مساراً بلا نهاية، يهدف إلى تبريد الأزمة، ما يُتيح لها الوقت والمجال لتحقيق أهدافها وتحصين موقفها، مثل زيادة قدرتها العسكرية وقدرتها على حماية السد.
ولكن هذا السيناريو قد لا يعني فقط المماطلة، بل إنه يتيح الفرصة لإثيوبيا لتقديم مطالب جديدة خارج إطار التفاوض الحالي، عبر محاولة تغيير حصص مياه النيل بشكل دائم، وليس كما كان يجري التفاوض عليه حالياً، بتقليل حصتَي مصر والسودان فقط أثناء فترة ملء السد.
وفي الوقت الحالي فإن تنفيذ إثيوبيا الملء الثاني أدى إلى امتلاء خزان السد بشكل جزئي حتى الآن كما يبدو، دون إلحاق ضرر كبير بمصر والسودان، ودون رد فعل قوي من البلدين.
ومع الاكتمال المنتظر لملء خزان السد، فإنه لم يكن للتفاوض عليه في المسار الحالي للمحادثات فائدة، التي يفترض أنها تستهدف بالأساس تنظيم فتره عملية الملء، وتخفيض حصتي مصر والسودان من المياه أثناء هذه الفترة فقط.
وبالتالي فإن إتمام عملية ملء خزان السد يعني أن المفاوضات في إطارها الحالي ليس لها معنى، وقد تحاول إثيوبيا التفاوض على مطالب جديدة، منها الحصول على موافقة القاهرة والخرطوم على تحويل سد النهضة من سد لتوليد الكهرباء فقط إلى الزراعة أيضاً، وبالتالي تقليل حصص مصر والسودان بشكل دائم من مياه النيل، كما أنها قد تستخدم هذا المسار المتعسر لبناء مزيد من السدود، كما سبق أن لوحت.