أعلنت مصر، الأسبوع الماضي، نجاحها في تصنيع ملايين الجرعات الأولى من اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد. ويقول تقرير لشبكة Deutsche Welle الألمانية، إن هذه خطوة تعتبر مهمة بالنسبة إلى 104 ملايين شخص في مصر، لم يُلقَّح منهم بالكامل إلا 1%، لكن يمكن اعتباره أيضاً تقدماً نحو أهداف السياسة الخارجية للبلاد، حيث تشتد وتيرة "دبلوماسية اللقاحات" في الشرق الأوسط.
ما هي دبلوماسية اللقاحات، وكيف تُحدث منافسة على النفوذ في الشرق الأوسط؟
تشير دبلوماسية اللقاحات إلى استخدام لقاحات "كوفيد-19" لتعزيز المصالح الدولية للبلدان. وربما استُخدِم المصطلح كثيراً للإشارة إلى محاولات روسيا والصين وغيرهما لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس في أجزاء من العالم حيث كان طرح اللقاح أبطأ.
وعلَّقت ياسمينة أبو الزهور، الباحثة في مركز بروكنغز الدوحة، لشبكة DW: "استخدمت [الصين وروسيا] اتفاقيات رفيعة المستوى لتوريد اللقاحات إلى دول مختلفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وترخيصها، لتحقيق مكاسب في المنطقة. ومن الواضح أن توريد اللقاحات إلى المنطقة له أهداف سياسية وكذلك تجارية". وقالت ياسمينة إنه مع بدء دول الشرق الأوسط في تصنيع لقاحات بنفسها، فإنَّ "دبلوماسية اللقاحات تأخذ أيضاً بُعداً إقليمياً".
خلال الأيام القليلة الماضية، تبرّعت الإمارات العربية المتحدة وتركيا والجزائر والمملكة العربية السعودية، أو أعلنت عن خطط للتبرع، بما مجموعه نحو 1.75 مليون جرعة من اللقاحات التي كانت لديها بالفعل لتونس، التي تعاني حالياً من زيادة مدمرة في عدد الإصابات. وقالت ياسمينة: "ستُعزِّز هذه التبرعات الأهداف الدبلوماسية لأبوظبي وأنقرة والجزائر والرياض".
مصر تسعى لتكون "مركزاً للقاحات في إفريقيا".. كيف سيساعدها ذلك في أزمة سد النهضة؟
تقول DW يمكن أيضاً استخدام دبلوماسية اللقاحات لتعزيز أهداف السياسة الخارجية طويلة المدى في الشرق الأوسط وإفريقيا.
يمكن أن يُنتِج التعاون بين الشركة المصرية القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات "فاسيرا"، وشركة Sinovac الصينية، 80 مليون حقنة، ويسهم في تطعيم 40% من السكان بحلول نهاية هذا العام. ومع ذلك فإنَّ الإنتاج المحلي سيساعد مصر أيضاً على أن تصبح مركزاً للقاحات في القارة الإفريقية، حسبما قالت هبة والي رئيسة شركة "فاسيرا" لوسائل الإعلام.
وهناك حاجة إلى مزيد من اللقاحات في إفريقيا، إذ تشير الأرقام الصادرة في يوليو/تموز إلى أنَّ أقل من 2% من 1.3 مليار شخص في جميع أنحاء القارة حصلوا على جرعة لقاح.
من الممكن أن تستخدم مصر الوعد بتوريد اللقاحات للدول الإفريقية التي تعاني من نقص في الإمداد مقابل دعمها في إحدى أهم وأصعب قضايا السياسة الخارجية لمصر، وهي أزمة سد النهضة الإثيوبي.
تعتمد مصر اعتماداً كبيراً على تلبية احتياجاتها من المياه العذبة من نهر النيل، الذي يمر عبر تسع دول إفريقية أخرى. وكانت الدولة العربية مشغولة بتوقيع اتفاقيات حول التنمية العسكرية والاقتصادية مع دول إفريقية مختلفة خلال الأشهر الأخيرة، وحدث كل ذلك على خلفية المخاوف المصرية من خطط إثيوبيا لسد النهضة على النيل، وقد تمنح اللقاحات مصر فرصة أخرى لدفع أجندتها بشأن قضية النيل.
وهكذا ستساعد "دبلوماسية اللقاحات" المغرب على الوصول لأهدافه بقضية "الصحراء الغربية"
أعلن المغرب عن خطط للبدء في إنتاج لقاح خاص به، واستثمر نحو 500 مليون دولار في شراكات مع شركة Sinopharm الصينية وشركة Recipharm السويدية. وتلقى حوالي ثلث سكان المغرب البالغ عددهم 37 مليوناً جرعة واحدة على الأقل من لقاح "كوفيد-19″، لكن إمكانات الإنتاج الجديدة ستسمح أيضاً للمغرب في النهاية بتزويد جيرانه في إفريقيا باللقاح.
يقول الاقتصاديون إنَّ هذا قد يكون وسيلة للمغرب لكسب المزيد من الدخل من الصادرات الطبية، إضافة إلى أنه سيدعم الطموحات السياسية الخارجية للمملكة.
وفي هذا الصدد، قالت ياسمينة أبو الزهور: "سيعزز المغرب صورته لاعباً إفريقياً رئيساً، ويمكن أن يقوي علاقاته مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهما هدفان يسعى وراءهما سعياً حثيثاً منذ 2016".
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد الحملة الطويلة للبلاد في الوصول لأحد أهداف سياستها الخارجية الغالية؛ وهي اعتراف المزيد من أعضاء الاتحاد الإفريقي بسيادة المملكة على الأراضي المُتنازَع عليها في الصحراء الغربية.
"دبلوماسية اللقاحات" تتجاوز حتى نطاق الشرق الأوسط بالنسبة للإمارات
قد يكون للمنافسات الإقليمية أيضاً دورٌ في طموحات صناعة اللقاحات في الإمارات أيضاً. فقد تعاونت شركة التكنولوجيا G42، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، مع شركة Sinopharm الصينية لبدء إنتاج لقاح خاص بها يسمى "حياة". وفي مايو/أيار، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تصنع لقاح "كوفيد-19".
وكان لنجاح الإمارات في مجال اللقاحات تأثير اقتصادي إيجابي. وجذبت معدلات التطعيم المرتفعة الأجانب، الذين غادروا بأعداد كبيرة في بداية الوباء، للعودة مرة أخرى إلى دول الخليج للعمل أو الإجازة. وقالت الحكومة الإماراتية كذلك إنَّ هذا يوفر للدولة فرصة لتنويع صناعتها بعيداً عن إنتاج النفط.
لكن إنتاج اللقاحات له أيضاً بُعدٌ مميز في السياسة الخارجية الإماراتية. وفي هذا السياق، كتبت صوفي زينسر، الباحثة في "تشاتام هاوس" التي تركز على دور الصين في الشرق الأوسط، في مقال افتتاحي في مارس/آذار، في صحيفة The South China Morning Post: "لا ينبغي أن يُنظَر إلى دبلوماسية اللقاحات الصينية في الإمارات على أنها طريق ذو اتجاه واحد، بل هي تعاضدية، مع تبني الإمارات استراتيجية طويلة المدى لتطوير التصنيع وتعزيز رأس المال السياسي. وسيكون لخيارات التبرع الخاصة بها تداعيات سياسية في جميع أنحاء المنطقة".
وفي أبريل/نيسان، أعلنت الإمارات عن احتمالية مشاركتها في بناء مصنع لإنتاج اللقاحات في إندونيسيا -أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم- حيث تدخل في صفقات تطوير بمليارات الدولارات منذ عدة سنوات.
إلى جانب ذلك، وافقت الإمارات هذا الأسبوع على مساعدة صربيا في إنشاء مرافق إنتاج لقاحات. وكان الإماراتيون من أكبر المستثمرين في دولة البلقان خلال العقد الأخير أو ما يزيد.
ومن خلال دعم صربيا، "تكتسب الإمارات موطئ قدم في منطقة على مفترق طرق بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، وتسنح لها فرصة مراقبة منافستها تركيا، التي تنشط أيضاً في منطقة البلقان"، حسبما أوضح معهد الشرق الأوسط -ومقره واشنطن- في تقرير نشره الأسبوع الماضي.
التردد بشأن اللقاحات الصينية أو الروسية المنتجة محلياً
يقول إيكارت فيرتز، مدير معهد GIGA Institute لدراسات الشرق الأوسط، إنَّ أياً من تلك الجهود لن يَهُم إذا كان الناس في إفريقيا أو الشرق الأوسط لا يريدون تطعيمهم بما تنتجه هذه الدول، مشيراً إلى أنه لا تزال هناك بعض التساؤلات حول فاعلية اللقاحين الصيني والروسي.
وفي العام المقبل، قد يتبرّع المُصنِّعون في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالمزيد من اللقاحات للدول المُحتَاجة. وحذَّر فيرتز من أنه "بحلول عام 2022، قد يصبح الوضع في البلدان النامية أنَّ السكان لديهم خيارات مختلفة من اللقاحات، لكنهم قد يعزفون الصينية أو الروسية الأصل منها".