تتصاعد هجمات الميليشيات الموالية لإيران على الأهداف الأمريكية بالعراق وسوريا، بشكل يثير غضباً في الولايات المتحدة ويطرح تساؤلات حول أسباب عدم رد الرئيس الأمريكي جو بايدن عليها بشكل مناسب.
واستُهدفت القوات الأمريكية والدبلوماسيون في العراق وسوريا بست هجمات صاروخية وطائرات مسيرة، الأسبوع الماضي وحده، وضمن ذلك عندما سقط 14 صاروخاً على الأقل على قاعدة في العراق الأربعاء 7 يوليو/تموز 2021؛ مما أدى إلى إصابة اثنين من أفراد الخدمة الأمريكية.
في هذا السياق، جاء الهجوم الأخير على السفارة الأمريكية في بغداد، حيث أُطلق صاروخان على المقر الواقع بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة العراقية. فشل الصاروخ الأول في بلوغ هدفه كلياً، أما الصاروخ الثاني، فقد دمره نظام الدفاع الصاروخي بالسفارة ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات، بحسب وكالة Reuters.
يأتي الهجوم على السفارة الأمريكية بعد هجوم سابق وقع في 6 يوليو/تموز، وقد استهدفت فيه طائرات مسيَّرة محمَّلة بالمتفجرات مطارَ أربيل الدولي في كردستان العراق، على بُعد نحو 321 كيلومتراً شمال بغداد، حيث يتمركز مئات من القوات الأمريكية، وأصيب جنديان في هذا الهجوم.
هجمات الميليشيات الموالية لإيران على الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا، تأتي في إطار تصعيد ذهاب وإياب بين الولايات المتحدة وجماعات الميليشيات المدعومة من إيران، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ولكن اللافت أن هجمات الميليشيات الموالية لإيران قد تصاعدت على القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، على الرغم من هدف بايدن المعلن بالردع من خلال الضربات الجوية الانتقامية.
كانت الجيش الأمريكي قد اغتال قائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري قاسم سليماني مطلع العام الماضي في العراق بأمر من الرئيس السابق دونالد ترامب، وبررت واشنطن الضربة التي قتلت سليماني بأنها جاءت رداً على سلسلة متصاعدة من الهجمات المسلحة في الأشهر السابقة من قبل إيران والميليشيات على القوات والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط"، واللافت أنه بعد اغتيال سليماني لم يكن الانتقام الإيراني، قوياً كما كان يخشى الكثير من الأمريكيين.
من ينفذ هذه الهجمات؟
لم تعلن أي مجموعةٍ مسؤوليتها فوراً عن تلك الهجمات، لكن معظم المراقبين ينسبونها إلى وحدات تابعة لقوات الحشد الشعبي، وهي منظمة جامعة لميليشيات شيعية ترعاها إيران.
المتحدث باسم البنتاغون القائد. قالت جيسيكا ماكنولتي إن الولايات المتحدة تحتفظ بالحق في الرد "في الوقت والمكان اللذين نختارهما لحماية شعبنا والدفاع عنه في مواجهة هجمات الميليشيات الموالية لإيران".
واضطلعت وحدات الحشد الشعبي بدورٍ حاسم في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إقليمياً في الفترة من 2014 إلى 2017. لكن عندما ضغطت القيادة العراقية عليهم في أعقاب ذلك لتبني هيكلَ قيادة رسمياً داخل الجيش العراقي، قاومت كثيرٌ من المجموعات التابعة للحشد الشعبي هذا المطلب ورفضته.
لا يزال ما يقرب من 2500 جندي أمريكي منتشرين في العراق، ويواصل هؤلاء القتال في مواجهة تمردٍ منخفض المستوى ضد خلايا "نائمة" تابعة لتنظيم داعش. ومع ذلك، استغلت بعض الميليشيات داخل قوات الحشد الشعبي، لاسيما "كتائب حزب الله" المتحالفة مع إيران، الفرصةَ لشنِّ هجمات ضد القوات الأمريكية. وحتى الآن، استُهدفوا قرابة خمسين مرة منذ بداية هذا العام.
وقتما يُتاح لها، ترد الولايات المتحدة على هجمات الميليشيات الموالية لإيران على الأهداف الأمريكية مباشرة. فقد أودت غارة أمريكية قرب معبر "القائم" الحدودي بين العراق وسوريا بحياة 4 مسلحين مدعومين من إيران. ورداً على الغارة، أطلقت الميليشيات في 5 يوليو/تموز، صواريخ على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار غربي العراق.
وقال المتحدث باسم الجيش الأمريكي، الكولونيل واين ماروتو، إنه لم ترد أنباء عن وقوع إصابات خطيرة. لكن تقارير مجهولة المصدر جمعتها وكالة Reuters، أشارت إلى إصابة جنديين بجروح طفيفة في أثناء الهجوم.
من جهة أخرى، ينطوي الصراع منخفض المستوى في العراق على احتمالات بمزيدٍ من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في الفترة التي تسبق تولي إبراهيم رئيسي للرئاسة في إيران. وأدان قادة عراقيون الصراع والهجمات المتبادلة بشدة، معربين عن استيائهم من استخدام العراق ميدان معركة للصراع بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة.
مع ذلك، نفت إيران مسؤوليتها عن إصدار الأوامر للميليشيات الشيعية في العراق بشنِّ هذه الهجمات، إلا أن خبراء في الميليشيات العراقية بواشنطن سبق أن شككوا في هذه الادعاءات أكثر من مرة.
لماذا لا يرد بايدن على هجمات الميليشيات الموالية لإيران بشكل حاسم؟
ويتعرض بايدن لضغوط للرد على الهجمات المتصاعدة على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، حسب موقع Politico الأمريكي.
وانتقد بعض الجمهوريين مقاربته في التعامل مع الهجمات التي يُعتقد أنها مدفوعة من إيران باعتبارها غير كافية وغير فعالة، ووصفوا نهج بايدن بـ"الحد الأدنى"، مشيرين إلى أن ضربتيه الانتقاميتين فشلتا في ردع وكلاء إيران.
يختبر الصراع مرة أخرى تصميم بايدن على الابتعاد عن عقود الحرب الأمريكية في الشرق الأوسط؛ حتى تتمكن إدارته من التركيز على إنهاء الوباء وتوجيه العلاقات العدائية مع روسيا والصين.
بل إنه سعيد بتقليص الكونغرس قدرته على الرد
هناك توجهات بالكونغرس لتقليص سلطة الرئيس في شن الضربات بالمنطقة، حيث من المتوقع أن توافق لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على مشروع قانون لإلغاء تفويضين لاستخدام القوة العسكرية ضد العراق.
وستتلقى اللجنة إحاطة من كبار مسؤولي الإدارة حول كيفية تأثير الإلغاء على العمليات العسكرية الحالية، مع التركيز على الصراع المتصاعد مع الميليشيات المدعومة من إيران.
يؤيد بايدن إلغاء السلطات الممنوحة للرئيس في هذا الصدد، وقد وافق مجلس النواب بالفعل على جهود مماثلة.
لكن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وعدوا بالفعل بجعل العملية صعبة، بحجة أن إلغاء تصاريح حرب العراق لعامي 2002 و1991 من شأنه أن يبعث برسالة خطيرة مثل الميليشيات المدعومة من إيران والتي تواصل ضرب المواقع الأمريكية في العراق. كما يزعمون أن ذلك من شأنه أن يعيق الرئيس الأمريكي باعتباره القائد الأعلى دون داعٍ، على الرغم من أن تفويض عام 2002 كان يهدف إلى الإطاحة بحكومة صدام حسين، وأن تفويض عام 1991 عفى عليه الزمن فعلياً، لأنه تعامل مع حرب الخليج.
لماذا لا ينتقم من إيران مباشرة؟
بينما يعترفون بأن الوضع الحالي لا يمكن تحمُّله، يدافع حلفاء بايدن الديمقراطيون عن موقفه، قائلين إن الرئيس لا يملك السلطة لشن ضربات هجومية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، دون السعي للحصول على موافقة الكونغرس أولاً. ويقولون إن الرئيس يتصرف ضمن سلطات المادة الثانية التي يتمتع بها بموجب الدستور للدفاع عن أفراد الخدمة الأمريكية بالانتقام.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، عضو لجنة العلاقات الخارجية: "هذه الأعمال التي ينفذها الجيش الأمريكي داخل العراق مختلفة تماماً عن أي نوع من الهجوم على إيران". "الرئيس ليست لديه سلطة لمهاجمة إيران، وفي هذا الظرف من الواضح أنه سيتعين عليه الحضور إلى الكونغرس للحصول على إذن".
قارن ديمقراطيون آخرون الوضع بحرب منخفضة النطاق يمكن اعتبارها بشكل معقولٍ "أعمالاً عدائية" على النحو المحدد في قانون سلطات الحرب. إنهم يحثون بايدن على النظر في مطالبة الكونغرس بالموافقة على مواصلة ضرب وكلاء إيران، ولكن فقط إذا كان يعتقد أن ذلك سيردع الميليشيات حقاً.
غير أن فان هولين أشار إلى أن الولايات المتحدة بقيادة بايدن لم تبدأ بعد في الأعمال العدائية ضد الوكلاء الإيرانيين، و"من الواضح أن هذا خط لا يمكن تجاوزه" دون موافقة الكونغرس.
في غضون ذلك، دعا مسؤولون دفاعيون سابقون الرئيس الأمريكي إلى رد متسق على الهجمات.
وأشار ميك مولروي، الذي أشرف على سياسة البنتاغون في الشرق الأوسط خلال إدارة ترامب، إلى أن "إيران بحاجة إلى معرفة أنها لا تستطيع الاختباء وراء قواتها بالوكالة".
لكن خيارات بايدن محدودة لاحتواء الموقف. لقد وجه بالفعل مرتين ضربات جوية مستهدفة على منشآت تستخدمها الميليشيات في العراق وسوريا- مرة في فبراير/شباط 2021، ومرة أخرى في أواخر يونيو/حزيران 2021، رداً على سلسلة من هجمات الطائرات بدون طيار- ولكن دون تأثير يُذكر، حتى عندما تؤكد إدارته أن الضربات كانت تهدف لردع الهجمات المستقبلية.
ولكن توسيع الهجمات من شأنه المخاطرة بمزيد من تفاقم التوترات مع العراق، الذي أدان الغارة الجوية في يونيو/حزيران، على الأراضي العراقية باعتبارها "انتهاكاً صارخاً" للسيادة الوطنية.
صداع بايدن المتزايدُ هذا مألوفٌ بالنسبة له باعتباره سيناتوراً سابقاً ونائب الرئيس، حيث شاهد ثلاثة رؤساء أمريكيين متعاقبين قبله يواصلون خوض حروب لا نهاية لها على ما يبدو في المنطقة، باستخدام تفويضات الكونغرس المفتوحة.