اختبار كورونا من خلال التنفس.. كيف أصبح هذا الحل السحري واقعاً وليس خيالاً علمياً؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/07/12 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/13 الساعة 06:57 بتوقيت غرينتش
تجربة فحص التنفس للكشف عن كورونا/ رويترز

لا يزال اكتشاف الإصابة بفيروس كورونا واحداً من أبرز التحديات التي تؤخر الوصول لنهاية ناجحة للحرب على الوباء، فماذا لو أصبح اكتشاف العدوى بسهولة التنفس؟

المقصود هنا هو وجود اختبار لفحص الإصابة بعدوى كورونا من عدمها عبر إجراء بسيط تماماً مثل التنفس، وهو ما تناولته صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير لها بعنوان "فحص لكوفيد بسهولة التنفس"، رصد قصة الاكتشاف الذي ربما يغير تماماً معادلة التصدي للوباء الذي غير تفاصيل الحياة على الكوكب منذ تفشيه قبل أكثر من عام ونصف العام.

ومنذ تفشي وباء كورونا أواخر عام 2019 في الصين ثم تحوله لجائحة عالمية في مارس/آذار 2020، كان الكشف المبكر عن حالات الإصابة بالعدوى يمثل خط الدفاع الأول في محاولة الاحتواء وكبح الانتشار السريع لكورونا. لكن عدم ظهور أعراض في بعض الحالات وتأخر ظهور نتيجة الفحص التقليدية كتحاليل PCR أو تحاليل الدم، لا يزال يمثل تحدياً هائلاً أمام جهود محاصرة الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 4 ملايين شخص حول العالم حتى الآن.

فحص التنفس.. تطور هائل في حرب الوباء

قال بول توماس، أستاذ الصيدلة بجامعة لوبورو في إنجلترا، لنيويورك تايمز: "من الواضح، على ما أعتقد، أنه أصبح ممكناً اكتشاف هذا المرض من خلال اختبار التنفس. وأن هذا ليس خيالاً علمياً".

وترجع قصة هذا الكشف إلى مايو/أيار الماضي عندما توجه مطربون من عشرات البلدان إلى مدينة روتردام الهولندية للمشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية. واستعد المتسابقون للمنافسة على الفوز باللقب، ولكن قبل أن يُسمح لهم بالصعود على المسرح، كان عليهم اجتياز فحص آخر: فحص التنفس.

عرض اختبار التنفس للكشف عن كوفيد في سنغافورة

فحين وصلوا إلى المكان، طُلب منهم التنفس في جهاز بحجم زجاجة مياه يسمى SpiroNose، وهو جهاز يحلل المركبات الكيميائية في أنفاسهم للكشف عن علامات الإصابة بفيروس كورونا. وإذا جاءت النتائج سلبية، يُسمح لهم بالدخول.

وجهاز SpiroNose، الذي تصنعه الشركة الهولندية Breathomix، واحد من ضمن العديد من فحوصات كوفيد-19 التي تعتمد على التنفس والتي يجري تطويرها في عدد من بلدان العالم.

ففي مايو/أيار، منحت وكالة الصحة السنغافورية تصريحاً مؤقتاً لاثنين من هذه الفحوصات، من صناعة شركتي Breathonix وSilver Factory Technology المحليتين. ويقول باحثون في جامعة ولاية أوهايو إنهم تقدموا بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للحصول على تصريح طارئ لجهاز تحليل للتنفس للكشف عن كوفيد-19.

كشف المرض من خلال التنفس

لطالما أثار اهتمام العلماء صناعة أجهزة محمولة يمكن من خلالها فحص الشخص بسرعة ودون ألم لاكتشاف المرض عن طريق نفحة من أنفاسه فقط. ولكن ثبت أن تحقيق هذا الحلم ليس سهلاً. فقد تُسبب أمراض مختلفة تغيرات مماثلة في التنفس. والنظام الغذائي يؤثر على المواد الكيميائية التي يزفرها شخص ما، وكذلك التدخين والكحول، وهو ما يزيد من صعوبة اكتشاف المرض.

لكن العلماء يقولون إن التقدم في تكنولوجيا الاستشعار والتعلم الآلي، إلى جانب الأبحاث الجديدة التي شجع عليها ظهور الجائحة، تعني أن لحظة استخدام أجهزة تحليل التنفس قد حانت أخيراً.

تقول كريستينا ديفيس، المهندسة في جامعة كاليفورنيا: "أعمل في مجال أبحاث التنفس منذ ما يقرب من 20 عاماً. وخلال هذه الفترة، رأينا أنه يتقدم من مرحلة وليدة إلى شيء حقيقي أعتقد أنه قريب من الانتشار".

آلية التنفس في البشر معقدة. فعندما نزفر، نطلق مئات الغازات المعروفة باسم المركبات العضوية المتطايرة، أو .VO.C.s، والنواتج الثانوية للتنفس، والهضم، والتمثيل الغذائي الخلوي وبعض العمليات الفسيولوجية الأخرى. والإصابة بمرض ما قد يعطل هذه العمليات، ويغير مزيج المركبات العضوية المتطايرة التي يصدرها الجسم.

كورونا بريطانيا
فحص الأطفال لاكتشاف ما إذا كان لديهم كورونا أم لا/ رويترز

فمرضى السكري، على سبيل المثال، قد تحمل أنفاسهم رائحة الفواكه أو الحلويات. وهذه الرائحة تصدر عن الكيتونات، وهي مواد كيميائية تُفرَز حين يبدأ الجسم في حرق الدهون بدلاً من الغلوكوز للحصول على الطاقة، وهي حالة استقلابية تعرف باسم الكيتوزية.

تقول الدكتورة كريستينا: "فكرة أن نَفَس الزفير قد يساعد في اكتشاف الأمراض كانت حاضرة لبعض الوقت. إذ توجد إشارات في النصوص اليونانية والصينية القديمة إلى استعانة الأطباء بالرائحة لتوجيههم في مسار علاج المرض".

وبإمكان التقنيات الحديثة اكتشاف المزيد من التغييرات الكيميائية الدقيقة، وبإمكان خوارزميات التعلم الآلي تحديد أنماط معينة في عينات التنفس المأخوذة من الأشخاص المصابين بأمراض معينة. وفي الآونة الاخيرة، استعان العلماء بهذه الأساليب لتحديد "آثار التنفس" الفريدة لسرطان الرئة وأمراض الكبد والسل والربو ومرض التهاب الأمعاء وأمراض أخرى. 

بيولوجيا عملية التنفس

وقبل انتشار كوفيد، كانت شركة Breathomix تطور أنفاً إلكترونياً للكشف عن العديد من أمراض الجهاز التنفسي الأخرى. تقول ريان دي فريس، كبير مسؤولي التكنولوجيا والعلم في الشركة: "نمرّن نظامنا على تعرُّف طبيعة أنفاس كل مرض، (حسناً، هذه رائحة الربو، وهذه رائحة سرطان الرئة)، حتى نبني قاعدة بيانات ضخمة تضم الكثير من الأنماط".

والعام الماضي، بدأت الشركة- والعديد من الباحثين الآخرين في هذا المجال- العمل على تحديد آثار تنفس كوفيد-19. فخلال الموجة الأولى من حالات كوفيد في ربيع عام 2020، على سبيل المثال، جمع باحثون في بريطانيا وألمانيا عينات تنفس 98 شخصاً مصاباً بأمراض تنفسية (طُلب من المشاركين التنفس في أنبوب؛ ثم استخدم الباحثون محقناً لاستخراج عينة من أنفاسهم).

وتبين أن 31 مريضاً مصابون بكوفيد، بينما كان البقية مصابين بأمراض أخرى مختلفة، مثل الربو والالتهاب الرئوي البكتيري أو قصور القلب. وكانت عينات التنفس المأخوذة من الأشخاص المصابين بكوفيد تحوي مستويات أعلى من الألدهيدات، والمركبات الناتجة عن تلف الخلايا أو الأنسجة بسبب الالتهاب، والكيتونات، والتي تتوافق مع الأبحاث التي تشير إلى أن الفيروس قد يضر البنكرياس ويسبب الكيتوزية.

كانت مستويات الميثانول قليلة في مرضى كوفيد أيضاً؛ مما قد يكون علامة على أن الفيروس قد تسبب في التهاب الجهاز الهضمي أو قتل البكتيريا المنتجة للميثانول التي تعيش فيه. يقول الدكتور توماس، أحد المشاركين في الدراسة، إن هذه التغيرات في التنفس "تعطينا إشارة على الإصابة بكوفيد-19".

iStock/ ويوصف التنفس بأنه
iStock/ الزفير يحمل روائح قادرة على الكشف عن الأمراض

وفضلاً عن دراسة المركبات العضوية المتطايرة المنبعثة من مرضى كوفيد، تحلل الدكتورة كريستينا وزملاؤها ما يُعرف باسم مكثِّف نفس الزفير، وهو عبارة عن محلول مركز للقطرات الدقيقة، أو الهباء الجوي، الموجودين في النَفَس. وهذا الهباء الجوي يحتوي على جميع أنواع الجزيئات البيولوجية المعقدة، مثل البروتينات والببتيدات والأجسام المضادة وعلامات الالتهاب.

وهم يأملون في العثور على مؤشرات حيوية تساعد الأطباء على اكتشاف مرضى كوفيد-19 الأكثر عرضة للإصابة بدرجة خطيرة من المرض. تقول كريستينا: "أعتقد أن هذا سيكون جزءاً من ترسانة إكلينيكية لا تمكّن الأطباء من إجراء تشخيص سريع فحسب، وإنما فهم مسار المرض في مريض بعينه".

وتعكف فرق أخرى على ابتكار فحوصات أخرى قائمة على التنفس تكتشف الفيروس نفسه. على سبيل المثال، يعمل الباحثون في جامعة واشنطن في سانت لويس على تطوير جهاز استشعار حيوي مغطى بأجزاء دقيقة من الأجسام المضادة، أو أجسام نانوية، ترتبط بفيروس سارس-كوف-2. فإذا ما زفر أحدهم جزيئات فيروسية في أنفاسه، فيفترض أن تتصل بهذه الأجسام النانوية، وبالتالي ينشط المستشعر.

على أن بعض الباحثين يقولون إنهم لا يتوقعون أن تحل هذه الفحوصات التي تعتمد على التنفس محل الاختبارات التشخيصية الأخرى بالكامل. تقول الدكتورة أودري أودوم جون، خبيرة الأمراض المعدية في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا: "هل أرى أن أجهزة تحليل التنفس ستستخدم في عيادة طبيب الأطفال؟ لا أظن. أرى أن اختبار التنفس مفيد كثيراً لفحص مجموعة كبيرة من الأشخاص بسرعة. فهل يمكنك فحص كل طفل في المدرسة في أحد أيام الإثنين بهذه الطريقة؟ هل يمكنك فحص الناس قبل دخولهم مركزاً تجارياً؟".

تحميل المزيد