تحت ستار تفتيش “الضحية” والكشف عليها.. “نيويورك تايمز” تعرض تجارب مفزعة لمصريات تحرشت بهن “السلطات”

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/07/06 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/06 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
صورة من تظاهرة مصرية في القاهرة ضد التحرش - رويترز

ضحايا أو شاهدات أو متّهمات، تواجه النساء اللواتي يتعاملن مع منظومة العدالة الجنائية في مصر خطر التجريد من ملابسهنّ وتحسّس أجسادهنّ، وانتهاكهنّ، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

ورصد تقرير الصحيفة الأمريكية حالات متنوعة لنساء مصريات، بعضهن كانت ضحية واقعة تحرش وأخرى كانت مجرد شاهدة وبعضهن كانت معتقلة للتعبير عن الرأي، تعرضن جميعاً لمعاملة ليست قانونية، دون أن تمتلك أي منهن فعل شيء تجاه تلك المعاملة في بلدٍ يحكمه نظام سلطوي ذكوري.

ووقعت تلك "الاعتداءات الجنسية"، بحسب وصف الضحايا لها في مقاطع فيديو تحدثت فيها هؤلاء النساء علناً للمرة الأولى، داخل مراكز شرطة وسجون ومستشفيات. وحسبما أشارت النساء، بعض هذه الاعتداءات حدث أثناء عمليات تفتيش روتينية تقوم بها الشرطة أو حرّاس السجون، في حين حدث البعض الآخر على يد أطباء تابعين للدولة طُلب منهم إجراء فحوصات جسدية من بينها ما يُعرف باسم كشوف العذرية.

غياب الإحصائيات عن وقائع "التحرش" الرسمي

لا توجد إحصائيات معلنة حول عدد هذه الوقائع التي تقول جماعات حقوقية إنها قد يجوز اعتبارها تعذيباً واعتداءً جنسياً، فنادراً ما تُقدِم النساء في مصر على الإبلاغ عن تلك الوقائع بسبب ما يتعرض له ضحايا الاعتداء الجنسي من نبذ ومهانة في كثير من الأحيان.

غير أن منظمات المجتمع المدني والخبراء والمحامين والمعالجين النفسانيين يقولون إنه توجد أدلة وافرة توحي بحدوث هذه الوقائع بكثرة. ووجدت الصحيفة الأمريكية ما لا يقل عن اثنتي عشرة امرأة روين أنهن مررن بتجارب مشابهة، واختار أغلبهن التحدث إلى الصحيفة دون الكشف عن هويتهن؛ خوفاً من الاعتقال أو الوصم المجتمعي الذي قد ينال أُسرهن.

ومن جانبهم، ينفي المسؤولون الحكوميون في مصر روايات الاعتداء الممنهج، مؤكدين أنهم يجرون عمليات تفتيش عادية يقرّها القانون وأنه لا غنى عنها إما لخدمة التحقيق أو لمنع دخول محظورات إلى السجون. ولم يرد المسؤولون في وزارة الداخلية، الذين يشرفون على الشرطة والسجون، وفي مكتب النائب العام على طلبات "نيويورك تايمز" للتعليق على ما ورد في التقرير.

25 يناير بمدينة المنصورة
مظاهرات ثورة 25 يناير في مصر / رويترز

لكنّ ضابط شرطة سبق له العمل سنوات في أحد مراكز الشرطة وأحد السجون قال للصحيفة إن الانتهاك الجنسي للنساء من قبل السلطات القانونية يحدث "في كل مكان"، وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته خوفاً من العقاب، إن الهدف من التفتيش ليس جمع الأدلة أو البحث عن المحظورات بل "إهانة إنسانيتك".

وهذه النقطة بالتحديد هي ما كشفتها رواية أسماء عبدالحميد، 29 عاماً، التي ألقي القبض عليها في القاهرة بسبب احتجاجها على رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وقالت للصحيفة إنها تعرضت لعمليات تفتيش جسدي ثلاث مرات.

"في المستشفى اللي بروحها قبل ما بدخل بوابة السجن، كان فيه أمين شرطة قالي: أنا آسف أنا عارف إن أنتِ هتتعبي نفسياً من اللي هتشوفيه دلوقتي. دخلت عنبر طويل لقيت دكتور مستنيني وفيه ضباط واقفين ورايا وعساكر. الدكتور قالي: اقلعي هدومك. كانت من أكتر التجارب المريرة المؤلمة اللي مرت عليا في حياتي".

وأضافت أسماء أن واقعة "اقلعي هدومك" حدثت المرة الأولى أثناء احتجازها في مركز الشرطة حيث أجبرتها إحدى المفتشات على التجرد من ملابسها وأمسكت بصدرها وتفرجت عليها وهي تتبول. أما المرة الثانية، فكانت داخل مستشفى عام أمام طبيب، لا يفصل بين جسدها العاري ومجموعة من الضباط سوى ستارة نصف مفتوحة. طلب منها الطبيب أن تنحني وتفتح ردفيها، ثم طلب منها أن تستلقي ونظر بين رجليها. قال إنه كان يكشف عما إذا كانت عذراء أم لا.

وحدثت المرة الثالثة في السجن وقت تسليمها، حيث أدخلت إحدى الحارسات إصبعها، الملفوف بكيس بلاستيكي التقطته من الأرض، في فتحة شرجها. "هما شايفيني، والعساكر شايفيني، أنا شايفة العساكر بيضحكوا عليا. ودي كانت أكتر حاجة قهرتني. يعني إنه؟ "أنتِ ست مخطئة وأنتِ لازم تتعاقبي. وإحنا هنعاقبك بطريقتنا ومحدش شايف".

عندما يكون "التفتيش" وسيلة للإهانة

كانت أسماء قد تعرضت للقبض عليها عام 2018 بسبب رفعها لافتة تحتجّ فيها على الأسعار الجديدة لتذاكر المترو، ووجهت إليها النيابة تهم "الانضمام لجماعة إرهابية وتعطيل الدستور وتعطيل المواصلات العامة".

وقالت أسماء للصحيفة: "وانا بحكي حاسة إني عريانة (عارية) دلوقتي. حاسة إني عايزة أنفجر في العياط. عايزة أصرخ، عايزة أمسك في أي حد عمل في كده. بس كنوع من التجاوز وكنوع من توثيق التجارب دي، قررت أن أنا أحكي معاكم وأنا فعلاً محتاجة أحكي عن اللي حصل لي".

وتقول جماعات حقوقية إن عمليات التفتيش هذه ممارسة وحشية وغير إنسانية يجرّمها القانون الدولي. وتقول السيدة روثنا بيغم، الباحثة الأولى في قسم حقوق المرأة في منظمة "هيومان رايتس ووتش": "قد تكون عمليات التفتيش الجسدي مقبولة في سياقات معينة وفي إطار الإجراءات الأمنية، لكن يبدو أن الهدف هنا هو الحط من قدر النساء".

أما في حالة أسماء عبدالحميد، فقد بدا واضحاً أن القصد أيضاً كان قمع المعارضة حتى في ظل احتجاج على مسألة بسيطة مثل تذاكر مترو الأنفاق. وسبق أن لجأت السلطات المصرية إلى استخدام العنف الجنسي لترويع المعارضة السياسية.

العلاقات الأوروبية مع مصر
وحدات من الشرطة المصرية/ رويترز

فبعد أن احتجز الجيش 18 امرأة على الأقل في أحد الاحتجاجات عام 2011، وأخضعهن لتفتيش ذاتي ولفحوص كشف العذرية، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي كان وقتها مدير إدارة المخابرات الحربية، إنه يدرك "الحاجة إلى تغيير ثقافة القوات الأمنية" ووعد "بحماية المعتقلين من سوء المعاملة". لكن الآن وبعد مرور عقد على هذه الواقعة، وسبع سنوات من توليه رئاسة الدولة، لم يتحقق ذلك الوعد بعد.

هكذا يتم الكشف على ضحايا الاغتصاب في مصر

لكن عمليات التفتيش الجسدي لا تقتصر في مصر على المشتبهين في قضايا جنائية أو النشطاء السياسيين، إذ تحدثت الصحيفة الأمريكية إلى امرأتين ومحامية عن امرأة ثالثة قلن إنهن بعد تقدمهن ببلاغات عن تعرضهن لاعتداء جنسي، تعرضن للانتهاك على أيدي أطباء تابعين للدولة.

وقالت واحدة منهن، طلبت عدم الكشف عن وجهها وقامت الصحيفة بتغيير صوتها حتى لا يتم التعرف عليها، إنها تعرضت للاغتصاب، وعندما أمرتها النيابة بالتوجّه إلى مصلحة الطب الشرعي، وهي الجهة المسؤولة عن الكشف الطبي في القضايا الجنائية، استجابت للأمر.

وقالت السيدة إن الغرفة التي جرى فيها الكشف كانت تضم 5 أفراد وطلب منها أن تخلع ملابسها خلف ستارة مهترئة لم تكن تخفي شيئاً، وكانت طريقة السيدة التي طلبت منها خلع ملابسها سيئة للغاية "اخلعي بسرعة انتِ هتعملي فيها مكسوفة ولا إيه؟".

مصر باحثين أكاديميين ملاحقة
السلطات المصرية تضيّق على باحثين وأكاديمين داخل البلاد – رويترز

"وكان فيه واحد منهم بيسألني أنا عملت كام علاقة جنسية قبل الاغتصاب. ظني عشان يعرفوا لو الاغتصاب كان الطريقة اللي فقدت بها عذريتي ولا لأ".

كان يوماً صيفيّاً شديد الحرارة؛ وظل الباب مفتوحاً لدخول مزيد من العاملين الطبيين للانضمام إلى الحشد الصغير الذي تجمع حول النصف السفلي من جسدها. كان الغطاء الذي يفترض أن يغطي جسدها في منتهى القذارة، ففضلت أن ترقد عاريةً.

وقالت إن الطبيب طرح عليها أسئلة تفصيلية عن حياتها الجنسية. ومن دون أن يشرح لها أحد شيئاً أخذوا يُدخلون أدوات داخل مهبلها ثم طلبوا منها أن تنقلب وأن تجثو على ركبتيها وأجروا لها فحصا شرجياً.

ومع انتهاء الفحص، كانت تتصبب عرقاً حتى إنها وجدت صعوبةً في سحب بنطالها إلى الأعلى على جلدها المبتل. وبينما كانت على وشك مغادرة المكان، دخل طبيب آخر وطلب منها أن تخلع ملابسها مرةً أخرى لأن نتيجة الفحص، على حد قولهم، لم تكن حاسمة؛ ثم أعادوا الكرّة.

وبحسب تقرير الصحيفة، تحجم النساء في مصر في كثير من الأحيان عن الإبلاغ عن الاعتداءات الجنسية خشية إلقاء اللوم عليهن، وها هي منظومة العدالة تعطي لهن سبباً آخر: أنهن سيتعرضن للانتهاك مرة أخرى.

"يعني الموضوع كان مقرف ومرعب ومش مريح وصعب. وفي نفس الوقت مكنتش هعرف أتكلم ولا أقول أي حاجة. وعايزة أخلص، يعني عايزة القضية تمشي. أي حد هناك مش هيعمل حاجة غير إن هو يسمع الكلام ويسكت يعني".

"كشوف العذرية" في مصر عرض مستمر

هناك أسباب وجيهة لإجراء فحوص جنائية بحثاً عن الأدلة على وقوع الاعتداء. ووفقاً للبروتوكولات المقبولة، يجب إجراؤها على يد أخصائيين مدربين على تخفيف الصدمة النفسية ومع موافقة الضحية في جميع المراحل.

ولكن في مصر، وحسبما يشير المحامون والخبراء، فإن أخصائي الطب الشرعي ليسوا مدربين بما يكفي للتعامل مع ضحايا الاعتداءات الجنسية، ويعتمدون بدلاً من ذلك على ممارسات فقدت مصداقيتها مثل "كشوف العذرية".

تتضمن كشوف العذرية فحص غشاء البكارة لدى المرأة لمعرفة تاريخها الجنسي، وهي فحوص لا تستند لأي أساس علمي. وتدين منظمة الصحة العالمية هذه الممارسة، مؤكدةً أن "الشكل الخارجي لغشاء البكارة ليس مؤشراً يعتد به على حدوث الجماع". لكنّ الأطباء الشرعيين الذين يعملون ضمن وزارة العدل المصرية يعتبرونه كذلك.

اتصال بين السيسي وبينيت
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – رويترز

وفي عام 2011، قضت محكمة مصرية بأن كشوف العذرية القسرية تشكل "انتهاكاً لحرمة جسد الإناث وعدواناً على كرامتهن الإنسانية"، ولكن في شهر أغسطس/آب الماضي أفادت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأن كشوف العذرية القسرية لا تزال تستخدم في مصر.

وقالت ماجدة عدلي، مديرة مركز النديم وهو منظمة مصرية توفر الدعم والتأهيل لضحايا التعذيب، للصحيفة الأمريكية: "مصر موافقة على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق النساء ولدينا قوانين ومواد دستورية زي الفل، لكن مقفول عليها في الأدراج، والانتهاكات على كل شكل ولون".

وقال طبيب قديم في مصلحة الطب الشرعي، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه ليس مخولاً لإجراء المقابلة، إن هذه الاختبارات أجريت حتى في حالات وقعت فيها الجريمة المفترضة قبل شهور أو سنوات وإنه لم يكن من الوارد العثور على أي دليل مادي. لكن العثور على دليل على الجريمة ليس دائماً هو الهدف.

إذ قال مصطفى فودة، رئيس سابق لمصلحة الطب الشرعي، إن الغرض هو: "التأكد البت دي هل هي تم اغتصابها ولا هي متكررة الاستعمال". وكلمة "متكررة الاستعمال" هي الصفة التي تطلقها المصلحة على أي امرأة نشطة جنسياً. وقال إذا كانت الضحية نشطة جنسيّاً فإن الدعوى على الأرجح لن ترفع إلى المحكمة. وأضاف فودة: "مش هتاخد حاجة. دي هتفرقي بينها وبين المومس إزاي؟"

"يبقى دي واحدة تستاهل أي حاجة وحشة. لما واحدة بتطلع تبلغ عن اغتصاب، الناس بتبدأ تهتم جداً بحياتها الشخصية وتبقى عايزة تعرف كل حاجة عنها. هي بتشرب خمرة؟ هي بتشرب سجاير؟ هي بترجع البيت الساعة كام؟ هي محجبة ولا لأ؟ هي بتصلي؟ وفي ناس بالنسبة لها لو هي مثلاً مش متجوزة بس كان ليها علاقات جنسية تانية خلاص هي بتعمل كده يبقى ده حصل بمزاجها. القيمة بتاعت الست كلها في عذريتها".

ورغم دفاع فودة عن اختبارات العذرية، إلا أنه يقرّ بأن موظفي المصلحة يفتقرون إلى التدريب والموارد اللازمة للتعامل مع ضحايا الاعتداءات الجنسية. وقال أيضاً إن الثقافة "المحافظة والشرقية" التي تحكم المنظومة تبين لماذا يعامل الأطباء الشرعيون ضحايا الاعتداء الجنسي باحتقار. يقول فودة: "هم بيكونوا مقروفين منهم".

تحميل المزيد