قد يكون فوز رئيس السلطة القضائية الإيرانية السابق إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مقدمةً لمزيدٍ من الانقسامات داخل النظام الإيراني وتحديداً المعسكر المحافظ، الذي يستعد الآن للسيطرة على جميع فروع السلطة الثلاثة.
وأُعلِنَ فوز رئيسي بنسبة 61.95% من الأصوات في التصويت الذي أُجرِيَ 18 يونيو/حزيران، وهي نتيجةٌ مُتوقَّعةٌ إلى حدٍّ كبير بعد منع العديد من الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل من الترشُّح.
وبلغ معدل إقبال الناخبين نسبة 48.8%، من أكثر من 59 مليون ناخب مؤهَّل للتصويت، وهي نسبة قياسية منخفضة في الانتخابات الرئاسية في ظل الجمهورية الإسلامية التي كانت تتميز عادة بنسب إقبال مرتفعة.
ويقول محافظون ومطلعون من داخل النظام إنَّ الكثير سيقع على عاتق الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، المرشح المفضل لخامنئي في الانتخابات، والخليفة المحتمل الذي يأمل المرشد الأعلى أن يكون قادراً على جلب حالة من النظام إلى نظامٍ منقسم، عبر الهيمنة الكاملة للمحافظين على السلطة بعد انتهاء ولاية الرئيس المعتدل حسن روحاني، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
لكن الواقع قد يكون مختلفاً، فرغم الانتصار السياسي الذي حقَّقه المتشدِّدون، يعتقد بعض المراقبين أن الواقع السياسي الجديد سيؤجِّج الخلافات في معسكرهم، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
فمن المُتوقع أن يندلع أول صراع من هذا القبيل بين رئيسي ورئيس البرلمان المحافظ محمد باقر قاليباف، الذي انخرط في حربٍ خفية ضد رئيسي قبل الانتخابات الرئاسية.
هكذا ظهرت الانقسامات داخل النظام الإيراني قبل الانتخابات
قبل أقل من شهرين، لم يكن من الواضح مَن كان يخطِّط للترشُّح لمنصب الرئيس. انقسم المحافظون إلى قسمين، كلُّ مجموعةٍ تحاول التغلُّب على الأخرى.
أراد قادة مجلس الائتلاف الانتخابي لقوى الثورة الإسلامية، المُكوَّن من ساسة متشدِّدين بارزين، أن يكون قاليباف هو المُرشَّح الوحيد للائتلاف، بينما أراد مجلس الوحدة، وهو معسكر انتخابي محافظ منافس، تمهيد الطريق لرئيسي، بحسب مصادر موقع Middle East Eye.
وعملت الكتلتان بجدٍّ من أجل بلوغ أهدافهما. لكن منذ أن حصل رئيسي على 16 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، وازدادت شعبيته خلال فترة توليه رئاسة السلطة القضائية في السنوات الأخيرة، كانت شعبيته وقبوله داخل المعسكر المتشدِّد أعلى بكثيرٍ من شعبية قاليباف، حسب الموقع البريطاني.
كان قاليباف مُصِراً على الترشُّح، وإدراكاً منه لوضع رئيسي، حاول منعه من ترشيح نفسه في الانتخابات. ومن أجل ذلك، لجأ قاليباف إلى سلسلةٍ من الإجراءات التي تشمل نشر تقارير وشائعات تنتقد رئيسي.
وقال ناشطٌ سياسي متشدِّد لموقع Middle East Eye، اشترط عدم الكشف عن هويته: "بَذَلَ فريق قاليباف قصارى جهده لإثناء رئيسي عن الترشُّح، أو على الأقل لوضع عقبة كبيرة في طريق ترشُّحه".
وأضاف: "على سبيل المثال، نشروا مؤيدو قاليباف شائعاتٍ عن عدم احترام رئيسي للمرشد الأعلى، من خلال ترشُّحه في السباق الرئاسي، بعد أن عيَّنه المرشد لرئاسة القضاء عام 2018".
ومع دخول رئيسي حلبة المنافسة أخيراً، ظلَّ قاليباف -الذي كان يعلم أنه لا يحظى بفرصة الفوز على المعسكر المتشدِّد بأكمله- في منصبه كرئيس للبرلمان، بينما وجَّه ائتلافه الانتخابي بسرعةٍ لإعلان دعمه لرئيسي.
ولكن اللافت أن أنصار قاليباف ورئيسي لم يوافقوا على الترشُّح على بطاقةٍ مشتركة في انتخابات مجلس مدينة طهران، حيث فاز فريق قاليباف.
ومع اقتراب أنصار قاليباف من تولي رئاسة المجلس البلدي في طهران رسمياً في سبتمبر/أيلول، سيكون انتخاب عمدة جديد لطهران على رأس أولوياتهم.
وقال الناشط المتشدِّد إن مجلساً بلدياً مؤيِّداً لقاليباف لن يقبل أن يصبح أيُّ شخصٍ مُقرَّب من رئيسي عمدةً للعاصمة، خاصةً أن قاليباف فَقَدَ فرصته في الترشُّح للمنصب في يونيو/حزيران. لكنه أضاف أن "الأمور قد تزداد سوءاً إذا لم يتم التوصُّل إلى اتفاق، لأن رئيسي لديه أكثر من 200 من المؤيِّدين في البرلمان الذين قد يكونون قادرين على الإطاحة بقاليباف".
القاعدة المتشدِّدة قد تستغل مواقف رئيسي الإيجابية من الاتفاق النووي الإيراني
في عام 2015، وقَّع الرئيس الإصلاحي حسن رواني اتفاقاً مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) بشأن القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية، مقابل تخفيف العقوبات.
ومنذ ذلك الحين، هاجم المتشدِّدون روحاني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، واتهموهما بالتفاوض على اتفاقيةٍ "ضعيفة"، وقالوا إنها تشكِّل "خيانةً" من خلال إرغام طهران على منح الكثير من التنازلات للولايات المتحدة مقابل أمورٍ بخسة.
في ذلك الوقت، نظَّمَت نسبةٌ ملحوظةٌ من القاعدة المحافظة احتجاجاتٍ ضد توقيع الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشامل المشتركة، ووصفها المفاوض النووي السابق سعيد جليلي، الذي تقدَّم باعتباره مُرشَّحاً متشدِّداً في انتخابات يونيو/حزيران، بأنها تتعارض مع المصالح الوطنية الإيرانية. وفي عام 2018، خرج الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب من الصفقة، إلى أن تولى خليفته جو بايدن السلطة وقرر بدء محادثاتٍ جديدة غير مباشرة في أوائل 2021 وإدارة روحاني المنتهية ولايتها من أجل إحياء الاتفاقية النووية.
وخلال المناظرات الرئاسية الشهر الماضي، أعلن رئيسي دعمه لخطة العمل الشاملة المشتركة، مشيراً إلى أنه يحترم المعاهدات والاتفاقيات الحكومية، وأن إدارته "القوية" ستكون قادرةً على جعل الاتفاقية مثمرة. لكن تعليقاته أثارت غضب عددٍ كبيرٍ من حلفائه، الذين اعتبروها خروجاً عن أيديولوجيته وهوية المحافظين.
ونتيجةً لذلك، بدأ أنصار جليلي وأعضاء الوفد المرافق له في انتقاد رئيسي علانيةً. ولدى جليلي، الذي انسحب من الترشُّح في الانتخابات الرئاسية لاحقاً لصالح رئيسي، العديد من المؤيِّدين المخلصين بين الجيل الجديد من المتشدِّدين وقاعدة المحافظين.
وقال مسؤولٌ سابق لموقع Middle East Eye: "أعتقد أن رئيسي نفسه لديه مشكلةٌ في المفاوضات، حتى مع الولايات المتحدة، لكن مثل هذه الخطوة ستزيد من الانقسامات داخل النظام الإيراني والتوتُّرات في المعسكر المحافظ، وحتى داخل إدارته".
تصريحات غريبة تصدر عن مسؤول بمكتب المرشد
في خطوةٍ نادرة، تظهر أن الانقسامات داخل النظام الإيراني، نشر نائبٌ كبير في مكتب المرشد الأعلى، وهو وحيد حقانيان، مقالاً بعد فوز رئيسي يعترف فيه بشكلٍ غير مباشر بأن المتشدِّدين مهَّدوا الطريق لفوزه من خلال منع المرشَّحين المعتدلين والإصلاحيين البارزين من الترشُّح للمنصب.
كانت التعليقات غير مسبوقة بالنسبة لحقانيان، وهو مسؤولٌ يقبع وراء الستار ولم يكن يتحدَّث علناً، فضلاً عن كتابة مقال عن الانتخابات لصالح منفذٍ إخباري إصلاحي.
وردَّت وكالة تسنيم المتشدِّدة، المُقرَّبة من الحرس الثوري الإيراني، بانتقاد حقانيان لتصريحاته "الضارة"، وحثَّته على التزام الصمت ما دام يشغل منصباً في مكتب خامنئي.
ويبدو أن حقانيان صادق في مقاله عن قصدٍ على تصريحات قادة المعارضة والإصلاحيين، الذين وصفوا السباق الرئاسي بأنه "انقلابٌ انتخابي" غير عادلٍ ضد التيار الإصلاحي.
ربما كانت تعليقاته تهدف إلى تعطيل خطط أولئك الذين يدعمون رئيسي، مع توضيح الانقسامات داخل النظام الإيراني لاسيما المعسكر المحافظ، حتى في المستويات العليا من مؤسسة الجمهورية الإسلامية التي يهيمن عليها المتشدِّدون -وهو الخلاف الذي قد يتفاقم في المستقبل.