90% من ديون السودان الخارجية سيتم إسقاطها، بعدما حصلت البلاد على إعفاء من الديون بقيمة 50 مليار دولار وهو أمر غير بشكل غير مسبوق في تاريخ مبادرة لإعفاء الديون أطلقتها المؤسسات الدولية بالمعنية بالدول الفقيرة.
وفي عملية الإعفاء الأكبر في التاريخ لدولة أدرجت حديثاً ضمن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (هيبك)، قرر المجلسان التنفيذيان للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي (IDA) وصندوق النقد الدولي في 29 يونيو/حزيران 2021، أن السودان اتخذ الخطوات اللازمة لكي يبدأ الحصول على تخفيف أعباء الديون من خلال المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك).
ومبادرة الهيبيك، عبارة عن اتفاق بين جهات الإقراض الدولية الرئيسية أطلق عام 1996، ينص على منح فرصة بداية جديدة للبلدان التي تكافح لتجد مخرجاً، من خلاله تستطيع أن تخفض أعباء ديونها التي تثقل كاهلها، والسودان هو البلد الثامن والثلاثون الذي يصل إلى هذه العلامة الفارقة، المعروفة باسم "نقطة اتخاذ القرار" في مبادرة "هيبيك".
وتعادل ديون السودان المتوقع إعفاؤها خلال عام 40% من جملة الديون التي تم إعفاؤها لعدد 38 دولة فقيرة، وتمثل هذه أكبر عملية إعفاء على مر تاريخ هذه المبادرة وفي أقصر مدة زمنية ممكنة، حسبما ورد في تقرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وبموجب تخفيف أعباء الديون وفق مبادرة "هيبيك" وغيرها من مبادرات تخفيف أعباء الديون التي ترتكز على مبادرة "هيبيك"، ستنخفض ديون السودان الخارجية العام على نحو غير قابل للإلغاء -بأكثر من 50 مليار دولار أمريكي على أساس صافي القيمة الحالية، أي ما يمثل أكثر من 90% من مجموع الدين الخارجي- إذا تمكن السودان من الوصول إلى نقطة الإنجاز وفقاً لمبادرة "هيبيك" في غضون ثلاث سنوات تقريباً.
وعملية الإعفاء تتم على مرحلتين؛ إذ سيتم إعفاء 23 ملياراً من ديون السودان، على أن يستكمل بمبادرات أخرى ليصل لأكثر من 50 مليار دولار من حيث القيمة الحالية.
وقالت كريستالينا غورغييفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، إن السودان وصل إلى نقطة القرار الخاصة بمبادرة هيبيك، نظراً لالتزام السلطات المستمر بالإصلاح في بيئة سياسية واقتصادية وأمنية شديدة الصعوبة.
وأضافت: "أود أن أهنئ السودان، حكومة وشعباً، على المثابرة في بذل الجهود على مدار السنة الماضية، مما أدى إلى بلوغ هذه العلامة التاريخية الفارقة رغم الظروف الصعبة التي فاقمتها جائحة كوفيد-19، فلقد أرست جهود الإصلاحات الناجحة الدعائم لتعزيز النمو الاقتصادي الاحتوائي وتلبية احتياجات أضعف فئات السكان. وعلى السودان مواصلة تنفيذ هذه الإصلاحات والتوسع فيها".
وقال رئيس وزراء السوداني عبدالله حمدوك إن السودان ملتزم بتعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي؛ وتنفيذ السياسات الرامية إلى الحد من الفقر؛ ووضع مجموعة من الإصلاحات التي تركز على تحقيق الاستدامة المالية، ومرونة سعر الصرف، وتوسيع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي، وتقوية القطاع المالي، وإدخال تحسينات على الحوكمة وزيادة الشفافية، حتى يمكن بلوغ "نقطة الإنجاز" في ظل مبادرة "هيبيك".
قروض جديدة
وسيواصل الصندوق والبنك الدولي العمل معاً لتزويد السلطات السودانية بما يلزم من المساعدة الفنية والإرشادات على مستوى السياسات لتحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك ما هو في سياق الاتفاق المالي الجديد مع الصندوق البالغة مدته 39 شهراً.
وبالإضافة إلى ذلك، وبعد تسوية المتأخرات، قام البنك الدولي بفتح المجال أمام الحصول على مبالغ ضخمة لتمويل المشروعات من خلال المؤسسة الدولية للتنمية، مما سيوفر قرابة 2 مليار دولار أمريكي في هيئة منح للحد من الفقر وتحقيق التعافي الاقتصادي المستدام – مع التركيز على تعزيز القدرة التنافسية والشفافية والمساءلة؛ وزيادة الاستثمار في مشروعات الري والزراعة لدعم سبل كسب الرزق المستدامة؛ وتعزيز فرص الحصول على الطاقة والمياه والرعاية الصحية والتعليم؛ وخلق فرص العمل؛ وخلق فرص ريادة الأعمال للنساء والشباب.
كما أنه بعد يوم من إعلان القرار، وافق صندوق النقد الدولي على منح ائتمانية جديدة للسودان بمبلغ 2.4 مليار دولار لثلاث سنوات، يتم صرف 1.4 مليار دولار فوراً لدعم خطوات الإصلاح الاقتصادي فيما يتعلق ببرامج الضمان الاجتماعي.
الآن تستطيع الحكومة توجيه الموارد لشعبها
من شأن تخفيف أعباء ديون السودان أن يدعم جهود الحكومة الانتقالية في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لرفع مستويات المعيشة لشعبها عن طريق السماح بتحرير الموارد بغية التصدي للفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
وقال حمدوك إن السودان أصبح مؤهلاً لتلقي التمويل التنموي، والانخراط فوراً مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وسيبدأ إشراك الدائنين في عملية تقديم إعفاءات الديون.
ويمهد القرار حصول السودان على منح وقروض جديدة من صندوق التنمية العالمي بمبلغ 4 مليارات دولار، يخصص نصفها للصرف على القطاعات الخدمية الكهرباء والمياه والتعليم والصحة.
وتعهدت المؤسستان بمواصلة تقديم الدعم الاستراتيجي للسودان في السنوات المقبلة لإحداث انتعاش اقتصادي والحد من الفقر، ودعتا المجتمع الدولي أيضاً لاستمرار في هذا الدعم والحفاظ على هذا الزخم.
وبموجب القرار استعاد السودان حق التصويت في صندوق النقد الدولي الذي تم تعليقه في أغسطس /آب عام 2000.
وقال حمدوك إن السودان سيحصل بموجب القرار على إعفاء نهائي من الديون يقدر بنحو 50 مليار دولار، ويركز على الوصول إلى نقطة الإكمال للإعفاء النهائي للديون والذي يتطلب جهداً إضافياً.
وأشار إلى أن الحكومة الانتقالية الحالية ورثت خللاً هيكلياً في الاقتصاد الكلي، وديوناً خارجية بلغت 60 مليار دولار، وعجزاً كبيراً في الميزان التجاري، واستدانة من النظام المصرفي لا تقل عن 200 مليار جنيه في السنة، بالإضافة إلى الخلل في سعر الصرف وتعدده… كما عملت على إصلاحات تشريعية وقانونية ساعدت في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإدماجه في المجتمع الدولي، وفك العزلة مع دول العالم.
وأشار إلى أن الأسابيع المقبلة ستشهد تواصل السودان مع الدائنين من دول "نادي باريس" والدول خارجه، والدائنين التجاريين، وعند الوصول لما يسمى نقطة الإكمال، سيحصل السودان على إعفاء نهائي من الديون يقدر بنحو 50 مليار دولار.
أغلب ديون السودان هي نتيجة التأخر على السداد
وبلغت ديون السودان حتى نهاية العام الماضي 2020 نحو 60 مليار دولار، 92% عبارة عن متأخرات. وتهدف مبادرة الدولة الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك) إلى تخفيف أعباء الديون، بما يسمح للسودان بتوجيه الأموال لتحسين الأوضاع المعيشية لمواطنيه بدلاً من إنفاقها لسداد الديون.
ويمثل قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ضوءاً في نهاية نفق طويل أعاق مسيرة الاقتصاد المحلي نحو الاستقرار والتنمية.
وبدأت ديون السودان تتضخم منذ سبعينات القرن الماضي، بعد أن لجأت الحكومة السودانية إلى الاقتراض من الصناديق الدولية، والدول المتقدمة، لسد العجز الدائم في الإيرادات العامة.
وتعطل الديون الخارجية حصول السودان على أية مساعدات مالية من قِبَل المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليان.
ومنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، حُرم السودان من تلقي أية منح أو قروض دولية، واكتفت المؤسسات الدولية بالمساعدات الفنية في مجال الخدمات.
وخلال العام الجاري، حصل السودان على قروض لإعفاء ديون مستحقة عليه لصالح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، للإيفاء بشروط الانضمام إلى "الهيبيك".
يرى عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة)، عادل خلف الله، أن موافقة صندوق النقد على انضمام بلاده لمبادرة الهيبيك، سيعمل على تحسن مطرد في نمو الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة.
وذكر خلف الله للأناضول "أن الهيبيك لن تستطيع إسقاط كل الدين الخارجي، وإنما فقط ستعمل على تخفيف وطأة الديون على السودان من خلال إعفاء ديون نادي باريس".
وكشف أن التقديرات تشير إلى أن ما يقدر بنحو 80% من ديون السودان، هي عبارة عن تراكم فوائد للديون وأن الدين الأصلي لا يتعدى 20% من أصل المبلغ الكلي، وذلك بسبب عدم إيفاء الحكومات السابقة بالديون الخارجية، وممارسة ما سماه التخريب الاقتصادي.
واستعاد السودان بشكل تدريجي نسق العمليات المالية الدولية والتحويلات النقدية العابرة للحدود، بعد رفع اسمه من قائمة "الدول الراعية للإرهاب" الأمريكية نهاية العام الماضي.
نجاح اقتصادي وعدم يقين سياسي
وتمثل خطوة إسقاط ديون السودان نجاحاً كبيراً للحكم الانتقالي في البلاد لاسيما رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، خاصة أن البلاد تشهد تقدماً نحو تحقيق السلام في الأقاليم المضطربة.
وبالطبع لا يمكن استبعاد أن يكون هناك تأثير لعملية التطبيع السوداني مع إسرائيل على تشجيع الدوائر الغربية على دعم السودان، ولكن أيضاً من الواضح خبرة حمدوك في العمل بالمؤسسات الأممية تساعده في تحركاته، ورغم الدول الغربية في جعل السودان نموذجاً لعملية الانتقال الديمقراطي، رغم أنه ضمان هذا التحول أمر لا يمكن حسمه حتى الآن في ظل حديث عن خلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان الذي تفيد التقارير بقلق المسؤولين السودانيين من علاقته بإسرائيل.