تذكِّر القمة الثلاثية بين مصر والعراق والأردن بأيام مختلفة في تاريخ الشرق الأوسط، حينما كانت القاهرة وبغداد مركزين رئيسين للقرار في المنطقة.
وتعد زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى العراق لحضور القمة الثلاثية، هي "أول زيارة لرئيس مصري منذ ثلاثة عقود".
وحسب ما خرج عن القمة الثلاثية فإن قادة مصر والأردن والعراق سيعملون على زيادة التعاون الأمني والاقتصادي بينهم عبر آلية بدأ الحديث عنها في قمم سابقة بين الدول الثلاث، ولكن يعتقد أنها أخذت دفعة في القمة الثلاثية الأخيرة.
وهذا أمرٌ له دلالة كبيرة، يُظهِر أنَّ القاهرة وبغداد تعملان على تصحيح الوضع والعودة لكونهما مركزين إقليميين مهميّن بعد سنوات من الأزمات والصراعات وإضعاف الدول الكبرى التي شهدت تحول القوة إلى تركيا وإيران وإسرائيل ودول الخليج، حسب وصف صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
وهذا يعني أنَّ ما نشهده على الأرجح هو نقاش بين بغداد والقاهرة يمكن أن يعزز الاستقرار في المنطقة بعد موجات الإرهاب والتطرف بالمنطقة.
واللافت أنه قبل الغزو العراقي للكويت كانت مصر والعراق والأردن واليمن تشترك في مجلس التعاون العربي، الذي انتهى وجوده بوقوع الغزو.
موقف إيران من القمة الثلاثية
لكن هناك تحديات في طريق ذلك، لإيران دورٌ كبير في العراق؛ حيث تسببت في إضعاف الدولة ولديها ميليشيات تتجول في العراق وتهاجم القوات الأمريكية وتهدد المتظاهرين.
وإيران وحلفاؤها لديهم تحفظ على أي دور ينافسهم ولو قليلاً على العراق، خاصة لو جاء، من دولة عربية، مهما بدت سياستها باهتة تجاه إيران وتتجنب مواجهتها.
وفي شهر مارس/آذار 2021، عندما ألغى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القمة الثلاثية بسبب حادث القطار، في مصر، ظهرت تكهنات بأن ذلك كان بسبب ضغوط إيران وحلفائها في العراق.
إذ تزامن تأجيل القمة في ذلك الوقت مع ردود فعل من أطراف قريبة من إيران وعرض قوة جرى في الشارع من قبل مجموعة مسلحة، حسبما ورد في تقرير لجريدة الشرق الأوسط السعودية.
وكان لافتاً أيضاً في ذلك الوقت، انتقاد قوى سياسية حليفة للحشد الشعبي لهذه القمة، وحديثها عن أن دول الخليج قد ساعدت الإرهاب في العراق، علماً بأنه من المعروف أن القاهرة ليس لها علاقة بهذا الملف إطلاقاً.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، تنقسم سوريا بين التواجد التركي ومناطق سيطرة نظام الأسد، فضلاً عن الدور الأمريكي في الجزء الشرقي من البلاد، إضافة إلى سيطرة الأكراد على ثلث البلاد.
يأتي ذلك أيضاً في وقت يحتاج الأردن إلى دعم اقتصادي، وقد استقبل موجات من اللاجئين السوريين والعراقيين لسنوات. إضافة إلى ذلك، تسبَّب اتهام حديث بتدبير مؤامرة "انقلابية" في إثارة التوتر داخل المملكة الهاشمية.
مصر عادت
بشكل متواز، تعمل مصر على توطيد علاقاتها مع السودان ودول أخرى في إفريقيا بوتيرة سريعة.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "أمريكا عادت"، ويبدو أنَّ زيارة الرئيس المصري لبغداد هي طريقة للقول إنَّ "مصر عادت" لوضعها السابق.
كانت مصر القوة الأولى في المنطقة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث كانت تُصدِّر القوة الناعمة- الإعلام والثقافة- إلى جانب القوة العسكرية. وفي عهد جمال عبدالناصر، مارست دوراً نافذاً من لبنان إلى الأردن ومن سوريا إلى اليمن.
وبرغم أنَّ هذا الوضع تغيَّر بمرور الوقت، استمرت مصر في امتلاك قدر كبير من القوة. وكانت أول دولة كبرى في المنطقة، بعد تركيا، تُطبِّع العلاقات مع إسرائيل.
ومؤخراً، لم تضطلع مصر بدور أكبر في إفريقيا فحسب، بل أيضاً في شرق البحر المتوسط، حيث تعمل مع اليونان ومنتدى غاز شرق البحر المتوسط الجديد. ويضم هذا المنتدى في عضويته إسرائيل، إلى جانب قبرص وفرنسا وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية. بجانب ذلك، تتمتع الإمارات العربية المتحدة، التي لديها اتفاق سلام مع إسرائيل، بعلاقات مقربة مع مصر أيضاً وتعمل مع اليونان.
ولكن اللافت أن إسرائيل واليونان وقبرص والإمارات عقدت مؤخرا اجتماعاً لإطلاق منتدى رباعي جديد في شرق المتوسط، وكان الغريب هو غياب مصر وفلسطين عنه، كما كان واضحاً أنه لا يقتصر على التعاون في الغاز بل هو تمهيد لشراكة استراتيجية متعددة المجالات ضد الخصوم المحتملين للدول الأربع.
كما تصالحت مصر مع قطر، فيما بدأت مسيرة للتهدئة مع تركيا، رغم أنه يبدو أنها تباطأت.
وساعدت مصر في إنهاء القتال في غزة في مايو/أيار وتخفيف حدة التوتر.
كل هذا يدل على أنَّ رحلة الرئيس المصري إلى بغداد لها أهمية تاريخية.
موقف السعودية
وفي السنوات الأخيرة، جددت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع العراق بعد سنوات من المشقة في أعقاب حرب الخليج عام 1991.
قد تكون السعودية سعيدة بمحاولة القاهرة تعزيز التعاون مع العراق لتقليل النفوذ الإيراني، أو مزاحمته ولو قليلاً، وهو ما بدا من احتفاء إعلامها بالقمة.
ولكن لا يعرف مدى نظرتها إلى آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، وهل تعتبرها شكلاً ولو محدوداً من التمرد من قبل هذه الدول الثلاث غير الخليجية على الهيمنة الخليجية ولا سيما السعودية والإماراتية خلال السنوات الماضية على السياسة العربية، خاصة أن القاهرة وبصورة أقل الأردن بدأت تحركات فاعلة في ملفات عدة وبشكل مستقل عن السعودية والإمارات تمثل في الحالة المصرية في المصالحة مع قطر، والتهدئة مع تركيا والوساطة في غزة، والحراك في الملفين الليبي والإثيوبي.
العراق يريد أن يصبح وسيطاً بين العرب وإيران
ذكرت قناة France24 أنَّ "زيارات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني جاءت في وقت يسعى فيه العراق للاقتراب أكثر من حلفاء الولايات المتحدة العرب في الشرق الأوسط".
وذكر التقرير أنَّ العراق يسعى أيضاً لترسيخ مكانته وسيطاً بين الدول العربية وإيران بعد استضافته محادثات في أبريل/نيسان بين طهران والرياض. والتقى الرئيس السيسي بنظيره العراقي ورئيس الوزراء.
وقال الرئيس العراقي برهم صالح، على تويتر: "انتعاش العراق يُمهِّد الطريق لنظام متكامل لمنطقتنا مبني على محاربة التطرف واحترام السيادة والشراكة الاقتصادية".
ومن بين قائمة الموضوعات التي ناقشها الجانبان، كان التركيز على سوريا؛ إذ تريد هذه الدول عودة دمشق إلى السياسة الإقليمية العربية، بمعنى الانفتاح على جامعة الدول العربية وإنهاء عزلة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب تأمين الاستقرار وعودة اللاجئين.
ويبدو أن تعزيز التعاون بين العراق ومصر والأردن، يتم في ظل ترحاب أمريكي، إن لم يكن تشجيعاً.
إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان إن واشنطن ترحب بالزيارة "التاريخية" ووصفها بأنها "خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن ودفع الاستقرار الإقليمي".
بالنسبة للولايات المتحدة يمثل تعاون حليفتيها مصر والأردن وسيلة لتقوية مؤسسات الدولة العراقية، في مواجهة اتباع إيران، وتشجيع الكاظمي الذي تقوم سياسته على التقارب مع الدول العربية.
ففي ظل إدارة بايدن، قد تتمكن مصر والأردن والعراق من الاضطلاع بدور أكبر في هذا الوضع الطبيعي.
ومع ذلك، ستظل الضربات الجوية الأمريكية على الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، يوم الإثنين 28 يونيو/حزيران، والتهديدات الإيرانية ضد الولايات المتحدة في العراق، تمثل علامات استفهام تلقي بظلالها على محاولة الكاظمي للتقارب من الدول العربية ومنها مصر دون استفزاز حلفاء إيران.
وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إنَّ الدول الثلاث "ستحاول صياغة رؤية مشتركة.. من خلال التعاون والتنسيق".
وفيما يبدو، يعني هذا أنَّ الدول الثلاث تتفق على بعض الأهداف الإقليمية. وهذا سيُعزِّز مكانة الأردن ويُعضِّد دول الخليج الراغبة في الاستقرار، ويوضح أن مصر تضطلع بدور قيادي جديد في المنطقة.