بعدما أمضت عشرين عاماً في أفغانستان، بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها الباقية هناك وقوامها 2500 فرد، وتسعى للخروج على نحو كامل من البلاد بحلول 11 سبتمبر/أيلول 2021. كما تعتزم قوات غير أمريكية تبلغ نحو 7 آلاف فرد، تشمل بشكل أساسيٍّ قوات من بلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي وأستراليا ونيوزيلندا وجورجيا، مغادرة أفغانستان بحلول ذلك التاريخ.
في الوقت ذاته، فإنَّ تركيا الشريكة بحلف شمال الأطلسي "الناتو" مستعدة لتولي زمام مبادرة "محفوفة بالمخاطر"، في تأمين مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، والواقع على بُعد 65 كيلومتراً إلى الجنوب.
لماذا تعد هذه المهمة في أفغانستان خطيرة بالنسبة لتركيا؟
ويقول تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية إن وضع طوق حماية حول مطار البلد الحبيس يعد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لأولئك الراغبين في الحفاظ على حضور استراتيجي في أفغانستان. ويشمل هؤلاء القوى الغربية الحذرة من التهديدات الإرهابية الناشئة، والصين بمصالحها المتوقفة الآن في المخزونات المعدنية الضخمة، والهند التي ترغب في أن تكون كابول حليفاً رئيسياً في صراعها مع الجارة باكستان.
لكن يجري التخطيط للعملية التركية المقترحة في ظل تفاصيل قليلة علنية عن الدعم الجوي الأمريكي الذي سيُقدَّم في حال استُهدِفَ المطار من جانب حركة طالبان الصاعدة، التي استولت على عشرات المناطق في الأسابيع الأخيرة، وفي ظل دخول محادثات تقاسم السلطة بين الحركة الميليشياوية وحكومة الرئيس أشرف غني في قطر في طريق مسدود، بحسب بلومبيرغ.
ويُعَد هذا عرضاً خطيراً بالنسبة لأنقرة، التي وفَّرت الأمن في القسم العسكري المكتظ من المطار طوال 6 سنوات كجزء من "مهمة الدعم الحازم" التي يقودها الناتو.
لكنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يضع عينه على المكافآت المحتملة، إذ سيوفر تولي مهمة لا يريدها أي أحد آخر فرصة لإصلاح العلاقات المتوترة مع واشنطن من جراء سنوات من الخلافات، أكثرها حدة هو شراء تركيا لمنظومة دفاع صاروخي روسية يعتبرها الناتو تهديداً لأمنه.
وتقول جيني وايت، الأستاذة بمعهد الدراسات التركية بجامعة ستوكهولم، لوكالة بلومبيرغ، إنَّ "حماية المطار وسيلة لإظهار السلوك اللطيف دون التنازل عن الكثير في قضايا مهمة حقاً للولايات المتحدة، بما في ذلك الصواريخ".
شروط تركية
وتقول بلومبيرغ إن المسؤولين الأتراك يعترفون سراً بالتحديات، وكان يُتوقَّع أن يضغطوا على وفد زائر من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) هذا الأسبوع، من أجل الحصول على الدعم المالي واللوجستي والعسكري الذي يريدون. وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان: "يُتوقَّع مناقشة كل جوانب المسألة".
وبحسب أشخاص مطلعين مباشرةً على المسألة، شددت تركيا، التي تجري مباحثات مباشرة مع حركة طالبان تهدف لإحياء خطتها لاستضافة مؤتمر سلام أفغاني، هذا الشهر، على أنَّ دورها سيقتصر بشكل صارم على حماية المطار.
لكن كان رد طالبان سريعاً: "فيما يمثل الجنود الأتراك بلداً إسلامياً عظيماً، فإنَّهم "محتلون" للأراضي الأفغانية، وشأنهم شأن الأمريكيين، يجب عليهم المغادرة".
من جهته يقول نهاد علي أوزجان، المخطط الاستراتيجي بمؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية في أنقرة: "ما لم يكن هناك اتفاق بين طالبان وتركيا على التشغيل المؤقت لمطار كابول، فإنَّ المهمة مستحيلة بسبب المخاطر الأمنية الهائلة. السؤال هو مَن سيمنع طالبان من إطلاق قذائف الهاون أو الصواريخ على المدرج من بعيد؟".
ما بعد انسحاب بايدن
استُهدِف المطار مراراً بالقصف والهجمات الصاروخية على مر السنوات. وكانت إحدى أكثر الحوادث دموية في عام 2018، حين استهدف هجوم تبنَّاه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" نائب الرئيس آنذاك عبدالرشيد دوستم، عند عودته من تركيا. نجا دوستم، لكنَّ قرابة 80 شخصاً جاؤوا لاستقباله قد قُتِلوا أو أُصيبوا.
شرعت أنقرة في عهد أردوغان في سياسة خارجية حازمة، وتحولت إلى قوة سُنّيّة متنامية، وكانت لها أدوار كبيرة في العديد من الصراعات الإقليمية. وقال الأشخاص المُطَّلِعون لبلومبيرغ إنَّها قد حثَّت باكستان وقطر على استغلال نفوذهما لدى طالبان لدفع الحركة إلى التنازل عن معارضتها لخطة المطار التركية، وستسعى للحصول على موافقة برلمانية لنشر الجنود في أفغانستان إلى جانب معدات ربما تضم طائرات بدون طيار تركية من أجل المراقبة.
الشيء الوحيد المؤكد هو أنَّ الرئيس جو بايدن سيسحب الـ2500 المتبقين من القوات الأمريكية قبل الموعد النهائي، في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المقبل، الذي يمثل الذكرى السنوية العشرين للهجمات الإرهابية التي قادت إلى الغزو الأمريكي وإطاحة قيادة طالبان. وسيتبعهم الآلاف من قوات الناتو التي تدرب القوات الأفغانية وتقدم النصح لها.
شبح تفكك أفغانستان وانهيار الدولة
وشدد مسؤولو البنتاغون مراراً على أنَّ الولايات المتحدة ستحتفظ بقدرات "في الأفق" للرد بضرب طالبان، إذا ما هددت المصالح الأمريكية واستقرار أفغانستان بعد مغادرة القوات الأمريكية، لكنَّهم أكدوا أيضاً أنَّ الجيش الأفغاني بحاجة لتعزيز دفاعه عن البلاد.
يثير الأمر قلق جيران أفغانستان وحلفاء الولايات المتحدة الأبعد، فيما يثير تدخُّل أمراء الحرب والميليشيات المدنية للمساعدة في التصدي لتقدمات طلبان الأخيرة شبح تفكك البلاد.
فقال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، في مقابلتين مع وسائل إعلام تركية، إنَّ "الانسحاب يجري بوتيرة سريعة للغاية، لكنَّ عملية السلام تتحرك بوتيرة بطيئة".
وقال إنَّ الولايات المتحدة يجب أن تتجنب دفع أفغانستان إلى حقبة من "الفوضى والحرب الأهلية"، مثل تلك التي أدت إلى صعود طالبان في العقد الأخير من القرن الماضي، وهي التعليقات التي ستثير الاستغراب بالنظر إلى دعم الجيش الباكستاني الخفي للحركة منذ نشأتها.
ووجهت أستراليا أكثر الرسائل حدة، فأغلقت سفارتها في كابول في الوقت الراهن، متذرِّعةً بتزايد حالة عدم اليقين في البيئة الأمنية.