بعد عقود من "الاستقلال" ما زالت تطارد شعوب المستعمرات القديمة بالتدخلات العسكرية واستنزاف الموارد والتواطؤ في جرائم الحكام الطغاة من "أصدقائها"
بعض شعوب مستعمراتها السابقة تطبق عليها لقب "الأم الحنون".. من باب المحبة أو السخرية.
يحمل اللقب مفارقة أن تكون فرنسا هي الأم، وقوة الاحتلال الغاشمة التي تُخضع الشعوب وتسرق ثرواتهم، والأخطر من ذلك كله تحاول أن تمحو هويتهم الثقافية.
نعم، تنفرد فرنسا بين قوى الاستعمار القديم بأنها فعلت ما بوسعها لضم المستعمرات ثقافياً.
كما تنفرد بأنها لم تغادر المستعمرات السابقة.
جنودها خرجوا من إفريقيا وآسيا، صحيح، لكنها بقيت عبر اتفاقيات وشراكات، وعبر خطط طويلة المدى لتحديد النخب الحاكمة الآن والتعاون معها، وفرز واختيار النخب التي تحكم غداً، وإعدادها "حكام المستقبل" في باريس.
في مرحلة الاستعمار ارتكب الاحتلال الفرنسي فظائع لا تسقط بتعاقب الليل والنهار، لإخضاع "السكان الأصليين" ثقافياً وإنسانياً.
وفي مرحلة ما بعد الاستعمار تلاعبت بالشعوب والعروش، وخططت الانقلابات، ودكت بطائراتها خصوم "الأنظمة الصديقة" بلا تردد.
لكنها لا تعترف بذلك صراحة، ولا تعتذر بوضوح وشجاعة.
"لم تفهم فرنسا، أثناء محاولتها منع نشوب صراع إقليمي أو حرب أهلية، أنها في الواقع تقف إلى جانب نظام إبادة جماعية".
هكذا مثلاً أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علناً بـ"المسؤولية الجسيمة" لفرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وقال إن الناجين فقط هم من يمكنهم منح "هدية الغفران".
هذا بالنص ما اعتبرته وسائل الإعلام أقوى اعتراف علني بالمسؤولية من زعيم فرنسي حتى الآن.
رغم تعهده بأنه "لن يتمكن أي مرتكب جريمة إبادة جماعية مشتبه به من تجنب العدالة"، لأن "الاعتراف بماضينا هو أيضاً- وقبل كل شيء- يكمل عمل العدالة".
لكنه لم يتحدث عن عدم محاكمة الجناة الذين يعيش بعضهم في فرنسا منذ سنوات!
كان يريد إرضاء المدافعين عن حقوق الإنسان، لكنه أغضبهم.
في هذا التقرير نستعرض أساليب فرنسا التي أخضعت بها المستعمرات، ونماذج من الجرائم الإنسانية والقانونية التي ارتكبتها، خاصة في إفريقيا، وعلى رأسها حروب إدماج السكان الأصليين بالثقافة الفرنسية، ومحو هويتهم. وينتهي التقرير بالنهب المتواصل للمستعمرات بعد منحها "الاستقلال" منتصف القرن الماضي.