جاء إعلان قوات خليفة حفتر إغلاق الحدود بين ليبيا والجزائر مؤخراً ليصنع توتراً غير مفهوم الأسباب، يهدد بحدوث انتكاسة في الأزمة الليبية، ويثير تساؤلات حول هدف حفتر من اختلاق هذه الأزمة.
وبعيداً عما تقوله قوات حفتر، فإن هناك شكوكاً في حقيقة الوضع على الأرض، وهل أغلقت قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الحدود فعلاً كما تقول، وما سر توقيت هذا الإعلان الذي قابلته السلطات الجزائرية بالتجاهل، فيما شددت الحكومة الليبية المعترف بها دولياً على ضرورة عدم تنفيذ أي تحركات عسكرية إلا بأوامر منها.
والجنرال الليبي المتقاعد معروف بإعلانه غير الواقعي عن الانتصارات والانقلابات، مثل إعلانه في 28 أبريل/نيسان 2020، عن أنه حصل على تفويض شعبي لإدارة البلاد، معلناً "إسقاط" الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب في 2015، وذلك بعد فشل قواته في اقتحام طرابلس.
ومؤخراً، أعلنت قوات حفتر عن إغلاق الحدود بين ليبيا والجزائر، وأعلنتها "منطقة عسكرية"، في خطوة فُهمت على أنها رسالة "تحدٍّ" مباشرة للجارة الغربية لبلاده، بينما يفرض الميدان واقعاً مغايراً تماماً.
ونقلت وسائل إعلام ليبية عن متحدثين باسم هذه الميليشيا، الأسبوع الماضي، أن قسماً من عناصرها توجه غرباً نحو الحدود الجزائرية، وسيطر على معبر إيسين/تين الكوم، الفاصل بين مدينتي جانت الجزائرية وغات الليبية، اللتين تقطنهما قبائل الطوارق، التي كانت تسيطر على المعبر.
وحسب هذه المصادر، انتقلت 300 سيارة وآلية مسلحة من معاقل حفتر في الشرق باتجاه قاعدة تمنهنت العسكرية (شمال شرق سبها)، وتتمثل في اللواء 128 معزز، واللواء التاسع (الكانيات)، المتهم بارتكاب جرائم حرب بمدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) قبل طرده منها في 2020.
وأرجعت ميليشيا حفتر إعلان الحدود مع الجزائر "منطقة عسكرية" إلى ملاحقة من وصفتهم بـ"الإرهابيين التكفيريين"، وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة.
هل يحاول حفتر الثأر من تبون بسبب تصريحاته؟
التحرك الجديد لحفتر جاء بعد 10 أيام من تصريح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بأن بلاده كانت ستتدخل لمنع سقوط طرابلس (غرب) في يد المرتزقة، في إشارة إلى الهجوم الذي بدأته ميليشيا حفتر، في أبريل/نيسان 2019، الهجوم الفاشل للسيطرة على العاصمة الليبية، قبل أن تتمكن قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً آنذاك من طردها من المدينة، في يونيو/حزيران 2020، بعد تلقيها دعماً من تركيا.
وقال تبون، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية: "لم نكن لنقبل أن تكون طرابلس أول عاصمة مغاربية وإفريقية يحتلها المرتزقة، كنا سنتدخل آنذاك".
ولم يوضح الطريقة التي كانت ستتدخل بها الجزائر، ولكنه اعتبر أن "الموقف الجزائري الحازم وصل لمن يهمهم الأمر".
اللافت أنه منذ تعديل الدستور، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أصبح بإمكان الجيش الجزائري التدخل عسكرياً خارج حدود البلاد، بعدما كان ذلك محظوراً عليه بنص دستوري.
ويعتبر تصريح تبون أول توضيح منه لتصريح أصدره، في يناير/كانون الثاني 2020، قال فيه إن "طرابلس خط أحمر في نظر الجزائر، نرجو عدم تجاوزه".
وسبق أن قال مصدر مطلع من الجزائر لـ"عربي بوست"، إن الجيش الجزائري سمح لطائرة تركية بعبور أجواء البلاد والهبوط في مطار مصراتة؛ لتزويد قوات "الوفاق" بالعتاد في ذروة أزمتها قبل عدة أيام.
الجزائر والحكومة الليبية الشرعية تفتحان معبراً بين البلدين
اللافت أيضاً أن إعلان قوات حفتر إغلاق الحدود بين ليبيا والجزائر يأتي بعد أيام قليلة على تفاهمات كبيرة بين الجزائر وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، بقيادة عبدالحميد الدبيبة، حيث تم الاتفاق على فتح معبر الدبداب الجنوبي، وإطلاق خط للنقل البحري، لتفعيل المبادلات التجارية.
ووقع الجانبان أيضاً، في 29 مايو/أيار الماضي، اتفاقيات منها ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وتأمين الحدود المشتركة، ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة وتجارة السلاح والبشر.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الماضية، كان العلاقة بين ليبيا والجزائر تتم عبر حكومة الوفاق، حتى في ذورة توسع سيطرة حفتر.
كيف تعاملت الجزائر مع الإعلان؟
حتى الآن، لم تعلق الجزائر على ما أعلنته ميليشيا حفتر عن تحركها قرب الحدود الجنوبية لها.
وهذه ليست أول مرة تتجاهل فيها الجزائر ما يصدر عن حفتر، فلم تعلق مثلاً على تصريح له عام 2018، قال فيه إنه "مستعد لنقل المعركة إلى الأراضي الجزائرية".
ولاحقاً، تراجع حفتر، مشدداً على أنه "لن يكون مصدر تهديد للجزائر أو دولة من دول الجوار".
الرواية الجزائرية لما حدث على الأرض مختلفة تماماً
وعلق موقع "ميناديفونس" الجزائري، المتخصص بشؤون الدفاع (خاص)، قائلاً "إن سيطرة ميليشيا حفتر على المعبر الحدودي بين ليبيا والجزائر هو خبر كاذب".
وقال الموقع إن "وسائل الإعلام القريبة من حفتر نسجت قصة سيطرته على المنطقة، في إطار حرب نفسية على الجزائر بعد تصريحات تبون لقناة الجزيرة".
ونقل عن مصادر قولها إن ميليشيا حفتر رُصدت في نواحي سبها وتمنهنت، وإن "الصور التي بُثت على أساس أنها في معبر إيسين تعود لوقت سابق حينما سيطرت على تمنهنت".
هل دعم الروس تحرك حفتر هذا؟
في ظل حديث عن تواجد مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية بجانب ميليشيا حفتر في المنطقة، التقى قائد الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، أمس الأربعاء، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في موسكو.
وقال شنقريحة إن "العلاقات بين الجزائر وروسيا قوية جداً، وتقوم على أساس متين"، وفق وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء (رسمية).
وتابع: "نعمل في الجزائر لتقوية الجيش، ليضمن التفوق في جميع المجالات ويحمي بلادنا من كل المخاطر"، معبراً عن امتنان بلاده لروسيا لتعزيزها قوات الجيش الجزائري.
هل يشكل حفتر تهديداً للجزائر؟
يُجمع مراقبون في الجزائر على أن مزاعم سيطرة حفتر على منطقة قرب الحدود الجزائرية هي رسالة واضحة، تأتي رداً على تصريح تبون عن رفض سقوط طرابلس بأيدي الميليشيات والمرتزقة.
بينما يرون أنه لا مجال للحديث عن "تحدٍّ" أو "تهديد" يمكن أن يمثله حفتر للجزائر، فهي تمتلك جيشاً مصنفاً في المرتبة الثانية ضمن أقوى جيوش إفريقيا.
ويعتقد ناشطون إعلاميون جزائريون أن حفتر لا يمكنه أن يتحدى الجيش الجزائري، وإنما الأمر يتعلق بقوى دولية وإقليمية تقوم باستعماله كبيدق لإشغال الجزائر في الجبهة الجنوبية الشرقية من حدودها، بحسب الأناضول.
ويرتبط البلدان بحدود تمتد على طول نحو 1000 كلم، و3 معابر برية، تتمثل في معبر الدبداب/غدامس في أقصى الشمال، ومعبر تين الكوم/إيسين، في أقصى الجنوب، بالإضافة إلى معبر طارات الأقل أهمية.
هناك معبر آخر بين ليبيا والجزائر
وقال خرشي النوي، وهو مسؤول سابق بوازرة الداخلية الجزائرية، إن "ما قام به حفتر لا دافع له إلا الشعور باضمحلال الدور، ومحاولة تذكير بالوجود عسى أن تتم دعوته لمؤتمر برلين 2".
وعُقد مؤتمر "برلين 2" حول ليبيا، أمس الأربعاء، بمشاركة 17 دولة و4 منظمات إقليمية ودولية، بهدف المساعدة في إنهاء النزاع الليبي.
وأردف النوي، عبر حسابه بـ"فيسبوك"، أن المعبر الذي أغلقه حفتر، على خلفية تصريح الرئيس تبون، لا يعمل أصلاً، وأن معبر الدبدات الصالح للاستعمال يقع تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية".
واتفق معه، نور الدين بوكروح، كاتب ومفكر جزائري، الذي رأى أن "حفتر في حد ذاته لا يشكل أي خطر على الجزائر، التي ستمسحه في يوم واحد"، حسب تعبيره.
وأضاف بوكروح، عبر "فيسبوك"، أن "حفتر اقترب أكثر ما استطاع من حدودنا فقط من (أجل) استفزاز تبون".
وحذر في المقابل من عسكرة غير مسبوقة للمنطقة ككل، قد تكون نتائجها وخيمة على الجزائر تحديداً.
الليبيون الجزائريون وقبائل الحدود هم هدف حفتر
لكن ثمة قراءة مغايرة لخطوة حفتر لدى عبدالقادر دريدي، وهو أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، ومختص بالشأن الليبي.
وقال دريدي "في حالة افتراض السيطرة المزعومة للميليشيات على المعبر الحدودي حقيقة، فإن هذه "الخطوة نابعة من معلومات مغلوطة تفيد بأن الجزائر يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات المقررة مبدئياً قبل نهاية العام الجاري".
ومن المقرر أن تشهد ليبيا، البلد الغني بالنفط، انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وأردف: حفتر يسعى للوصول إلى كرسي الحكم مهما كان الثمن، ومهما تعاظمت المخاوف من عودة ليبيا إلى الحكم الديكتاتوري، لذلك يتخوف من "الفارق الذي يمكن أن يصنعه مزدوجو الجنسية (جزائريون ليبيون)".
وختم بأن الهدف الثاني من هذه الخطوة هو السيطرة على القبائل القريبة من الحدود الجزائرية، في ظل الحديث عن خروج القوات الأجنبية، بما يُمكّن جناح حفتر من إحكام قبضته أمنياً واجتماعياً على ليبيا.