“احتلال” أمريكا لمواقع إيرانية إلكترونية وأخرى موالية لطهران.. كل ما تريد معرفته عن القصة

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/23 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/23 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش
رسالة "استيلاء" أمريكا على موقع إيراني/ رويترز

حجبت وزارة العدل الأمريكية مواقع إلكترونية تتبع إيران بصورة أو بأخرى، فما قصة هذا التصعيد، وكيف يمكن أن ينعكس على مفاوضات إحياء الاتفاق النووي؟

والقصة هنا تتعلق بمواقع إيرانية وأخرى تابعة للحوثيين في اليمن ومنها قناة المسيرة وأيضا ميليشيات حزب الله العراقي وغيرها، تمتلك نطاقاتها (الدومين) شركات أمريكية. وقامت وزارة العدل الأمريكية بالاستيلاء على تلك المواقع، أي ليس حجبها فقط، في إطار العقوبات المفروضة على إيران والشركات المتعاملة مع طهران، حتى لو كانت شركات أمريكية. وفي هذا السياق، يصف البعض ما حديث بأنه "احتلال" أمريكي لتلك المواقع الإيرانية، وليس فقط حجب لها من خلال القرصنة.

بيان وزارة العدل الأمريكية، الصادر أمس الثلاثاء 22 يونيو/حزيران، جاء فيه: "اليوم، بموجب أوامر قضائية، صادرت الولايات المتحدة 33 موقعاً يستخدمها اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الإيراني وثلاثة مواقع تديرها كتائب حزب الله، في انتهاك للعقوبات الأمريكية".

وكتائب حزب الله واحدة من الفصائل المسلحة العراقية الرئيسية المتحالفة مع إيران وتصنفها واشنطن منظمة إرهابية أجنبية. ومن بين المواقع التي شملها الحجب الأمريكي موقع قناة "برس تي في"، وهي القناة الفضائية الرئيسية الناطقة بالإنجليزية التابعة للحكومة الإيرانية، وموقع قناة "العالم"، نظيرتها الناطقة بالعربية.

الإشارة إلى "العقوبات الأمريكية" في بيان وزارة العدل ترجع إلى تلك العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن التوقيت.

لماذا حجبت أمريكا تلك المواقع؟

وزارة العدل الأمريكية بررت قرار حجب المواقع الإيرانية أو المتعاطفة مع إيران بقولها إن "النطاقات الثلاثة والثلاثين التي استخدمها اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية مملوكة لشركة أمريكية، وإن الاتحاد لم يحصل على ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قبل استخدام أسماء النطاقات". ولم تحصل كتائب حزب الله أيضاً على ترخيص، بحسب تقرير لرويترز.

وبعد تنفيذ القرار، ظهرت إشعارات في وقت سابق الثلاثاء على عدد من تلك المواقع الإلكترونية التابعة لإيران تقول إن حكومة الولايات المتحدة استولت عليها في إطار إجراء لإنفاذ القانون.

ومن جانبها، قالت وكالات أنباء إيرانية إن الحكومة الأمريكية استولت على عدة مواقع إعلامية إيرانية وأخرى تابعة لجماعات مرتبطة بإيران مثل جماعة الحوثي اليمنية.

فوز إبراهيم رئيسي
المرشح المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي الذي فاز بانتخابات الرئاسة الإيرانية – رويترز

وكتُب بالعربية على موقع قناة المسيرة التي يديرها الحوثيون "تم الاستيلاء على هذا الموقع". وكُتب تحت هذه العبارة بالإنجليزية: "لقد استولت حكومة الولايات المتحدة على نطاق المسيرة دوت نت بموجب أمر استيلاء.. في إطار إجراء لإنفاذ القانون من قبل مكتب الصناعة والأمن ومكتب إنفاذ قوانين التصدير ومكتب التحقيقات الاتحادي".

وقالت قناة العالم التلفزيونية الإيرانية الناطقة بالعربية على قناتها على تطبيق تيليغرام: "أغلقت السلطات الأمريكية موقع قناة العالم التلفزيونية". كما ظهرت إشعارات على موقع قناة "اللؤلؤة" البحرينية المستقلة الناطقة بالعربية والتي تبث من بريطانيا.

وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها واشنطن باتخاذ هذه الخطوة، إذ كان مدعون أمريكيون قد صادروا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي شبكة من نطاقات الإنترنت قالوا إنها استخدمت في حملة شنها الحرس الثوري الإيراني لنشر معلومات سياسية مضللة في جميع أنحاء العالم.

وقالت وزارة العدل الأمريكية وقتها إنها سيطرت على 92 نطاقاً يستخدمها الحرس الثوري الإيراني للظهور كمنافذ إعلامية مستقلة تستهدف الجماهير في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

ماذا تعني هذه الخطوة الأمريكية؟

تمتلك الشركات الأمريكية غالبية نطاقات الإنترنت حول العالم، وتعتبر هذه إحدى الأدوات التي تمتلكها واشنطن لفرض رقابة على المواقع الإلكترونية التي قد تصنفها على أنها معادية للديمقراطية أو تبث معلومات مضللة تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.

أما وجهة النظر الأخرى والتي تتبناها إيران -في هذا الموقف على سبيل المثال- فهي أن الإجراء الأمريكي يمثل خرقاً "لحرية التعبير". ووصف دبلوماسي إيراني في الأمم المتحدة حجب المواقع بأنه "غير قانوني".

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) عن الدبلوماسي القول إنه سيتم متابعة الأمر عبر القنوات القانونية. وأكد الدبلوماسي الإيراني احتجاج بلاده "على الإجراء الأمريكي غير القانوني والبلطجي"، وقال إنه مؤشر على محاولة الولايات المتحدة لتقييد حرية التعبير"، بحسب تقرير لموقع دويتشه فيله الألماني.

جو بايدن الإمارات هواوي
الرئيس الأمريكي جو بايدن /رويترز

صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، من جانبها، دافعت عن الإجراء الأمريكي. وفي تقرير لها، اعتبرت الصحيفة أن حجب المواقع الإيرانية "لا علاقة له بحرية التعبير"، بل وطالبت الحكومة الأمريكية -بشكل ضمني- أن "تفعل المزيد لقرصنة قطاعات عريضة من الخدمات والبنية التحتية الإيرانية التي تعتمد على الإنترنت".

وربط تقرير بين الإجراء الأمريكي "المبرر تماماً كون تلك النطاقات تعتبر ملكية أمريكية" من جهة، وبين ما وصفته "التوظيف الممنهج والمستمر منذ سنوات من جانب موسكو وبكين وبيونغ يانغ وطهران، لمنصات التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام الأمريكي".

هل يؤثر حجب المواقع على المفاوضات النووية؟

جاءت الخطوة الأمريكية بعد أيام قليلة من انتخاب إبراهيم رئيسي أحد رموز التيار المحافظ وأحد أشد المنتقدين للغرب رئيساً جديداً لإيران. ونظراً لأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران هي القضية الرئيسية الآن، فمن الطبيعي أن تبرز تساؤلات بشأن تأثير "حجب المواقع" على مسار تلك المفاوضات.

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما عام 2015، وأعاد ترامب فرض عقوبات خانقة على طهران لإجبارها على العودة لمائدة المفاوضات مجدداً وتوقيع اتفاق جديد، وهو ما رفضته إيران ووصلت الأمور إلى حافة الهاوية في أكثر من مناسبة.

وبعد أن تولى الرئيس الحالي جو بايدن مهامه خلفاً لترامب، بدأت مرحلة الشد والجذب بين واشنطن وطهران لإعادة إحياء الاتفاق النووي -وهي رغبة يتشاركانها معاً- حتى تم التوصل لإطلاق مفاوضات غير مباشرة في فيينا تضم أطراف الاتفاق جميعاً.

هذه الأطراف هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران، إضافة إلى الولايات المتحدة. وجرت جولات متعددة من تلك المفاوضات، التي لا يجلس فيها الأمريكيون على الطاولة بل يشاركون بشكل غير مباشر، والآن تم تأجيل المحادثات وعادت الوفود إلى عواصمها للتشاور، وسط تقارير تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق يعيد إحياء الاتفاق النووي.

واليوم الأربعاء 23 يونيو/حزيران، حذر متحدث باسم الرئاسة الإيرانية من أن الإجراء الأمريكي بحجب المواقع الإيرانية "قد يكون له تأثير على مفاوضات الاتفاق النووي"، مضيفاً أن بلاده تدرس "كيفية الرد على الخطوة الأمريكية". لكن أغلب المحللين يرون أن التصريحات الإيرانية المتشددة أمر طبيعي ومتوقع، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن تنعكس سلباً على محادثات العودة للاتفاق النووي.

وكانت مجلة Foreign Affairs الأمريكية قد تناولت موقف إيران من العودة للاتفاق النووي، خلص إلى أنه رغم التصريحات المتشددة وشروط طهران المعلنة للعودة للالتزام ببنود الاتفاق "كما هي دون تغيير"، فإن الصورة الأكبر تشير بوضوح إلى أن الاتفاق -سواء في صورته الحالية كما تم توقيعه عام 2015 أو في صورة جديدة كما تريدها إدارة جو بايدن- في صالح الإيرانيين.

محادثات فيينا النووي إيران
محادثات فيينا بين إيران والدول الكبرى تمهيداً للعودة للاتفاق النووي – رويترز

وتشير الأحداث الكبرى التي وقعت خلال الشهرين الأخيرين من رئاسة ترامب، خصوصاً اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده بالقرب من طهران -في عملية اتهمت فيها إيران الموساد الإسرائيلي بضوء أخضر من ترامب- وكيف لم تستجب إيران وتنجر إلى "فخ الحرب" انتظاراً لمجيء بايدن، إلى مدى حرص طهران على إعادة إحياء الاتفاق.

وحتى عندما تعرضت منشأة نطنز النووية في إيران إلى هجوم سيبراني ضخم، تمت نسبته أيضاً إلى إسرائيل الساعية إلى عدم العودة للاتفاق النووي، وكان ذلك أثناء المفاوضات الحالية في فيينا، لم تنسحب طهران من المفاوضات، وهو ما يشير بوضوح إلى أن العودة للاتفاق النووي هدف استراتيجي لطهران على الأرجح لن تتخلى عنه بسبب "حجب مواقع إلكترونية"، بحسب أغلب المحللين.

الخلاصة هنا هي أن الإجراء الأمريكي بالاستيلاء على مواقع إيرانية أو حجبها يأتي على الأرجح في إطار فرض مزيد من الضغوط على طهران في هذه المرحلة الحرجة من مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي، التي يبدو أنها وصلت إلى محطتها الأخيرة بالفعل. وهذه الرؤية على الأرجح ليست غائبة عن قادة إيران، وبالتالي سيكون الرد على حجب المواقع -إذا ما حدث رد بالفعل- محسوباً بصورة لا تؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة.

تحميل المزيد