بالتزامن مع عملية فرز الأصوات بالانتخابات الإثيوبية يشهد إقليم تيغراي تطورات، تنذر بتصعيد في الأزمة بالإقليم ومجمل إثيوبيا، وتثير تساؤلات حول حقيقة وضع إقليم تيغراي وطبيعة وجود القوات الإريترية به، وهل أصبح وجودها رغم أنف رئيس الوزراء آبي أحمد؟
وتسببت حرب تيغراي منذ اندلاعها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في نزوح مليوني شخص بمنطقة تيغراي، حيث أرسل آبي أحمد قوات لمحاربة السلطات الإقليمية التي هيمنت ذات يوم على الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا.
وغداة الانتخابات العامة الإثيوبية التي أجريت الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، اندلع قتال عنيف مؤخراً في عدة مناطق بمنطقة تيغراي شمالي إثيوبيا، بين مسلحين من الإقليم والقوات الفيدرالية التابعة لحكومة أديس أبابا، وسط أنباء عن دخول قوات جبهة تحرير تيغراي مدينة أديغرات الاستراتيجية، حسبما أفادت تقارير.
وقالت قوة دفاع تيغراي المتمردة إنها استولت على عدة بلدات، وأكد شهود لـ"بي بي سي" أنهم شاهدوا مقاتليها يقومون بدوريات في هذه المناطق.
ولكن الجيش الإثيوبي الفيدرالي التابع لحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، نفى هذا الادعاء وقال إنها أخبار كاذبة.
وتعد هذه أخطر مواجهة مسلحة تندلع منذ نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أعلنت الحكومة الإثيوبية انتصارها في الإقليم والقضاء على المتمردين.
مقتل العشرات في غارة جوية في إقليم تيغراي
كما قالت مصادر طبية محلية وشهود، إن غارة جوية أدت إلى مقتل العشرات في بلدة تاغوغون بإقليم تيغراي الإثيوبي عندما أغار طيران حربي على سوق، بحسب ما ذكرته وكالات إعلامية عالمية بينها أسوشييتد برس.
قال طبيب لـ"رويترز"، إن غارة جوية في بلدة توجوجا قتلت عدة أشخاص، يوم الثلاثاء، وأصابت 43، بينهم طفل يبلغ من العمر عامين، على بُعد 25 كيلومتراً جنوبي ميكيلي، فيما تقول الأمم المتحدة إن المجاعة تلوح في الأفق بالإقليم.
وتأتي هذه الأنباء عن الضربة الجوية بعد أيام على اشتباكات تدور شمالي عاصمة الإقليم، ميكيلي.
وقالت امرأة فقدت زوجها وابنتها التي تبلغ عامين من العمر، إنها لم ترَ الطائرة ولكنها سمعت صوت الانفجار فقط، حسبما ورد في تقرير لموقع "يورو نيوز".
ولم ينفِ القائد العسكري الإثيوبي غيتنيت أدان أو يؤكد الضربة، ولكن العقيد قال إن الضربات الجوية تكتيك عسكري شائع، مؤكداً أن القوات الإثيوبية لا تستهدف المدنيين.
وقال عمال في قطاع الصحة لوكالة رويترز، إن الجيش الإثيوبي يمنع الصحافة من الاقتراب من مكان الغارة، غير أن العقيد أدان نفى أن يكون الجيش يمنع وصول المساعدات الطبية.
وتأتي تقارير القتال في الوقت الذي تجري فيه عملية فرز الأصوات في الانتخابات العامة، ولم يشهد تيغراي إجراء الانتخابات؛ نظراً إلى الظروف الأمنية.
وكانت جبهة تحرير تيغراي هي الحزب الحاكم لإثيوبيا قبل أن تُسلَّم السلطة إلى آبي أحمد، إثر احتجاجات على حكمها تركزت في منطقة الأورومو كبرى عرقيات البلاد، ومنذ ذلك الحين هُمِّشت الجبهة، التي رفضت قرار الحكومة تأجيل الانتخابات باعتباره غير شرعي، وقررت إجراءها في الإقليم، لتتطور الأمور بعد سيطرة جبهة تحرير تيغراي التي توصف بأنها مسلحة جيداً، على قواعد عسكرية فيدرالية في الإقليم، لترد القوات الحكومية عليها بمهاجمة الإقليم بالاستعانة بإريتريا عدو جبهة تحرير تيغراي اللدود.
تدمير لآليات حكومية وأَسر لجنود الجيش الإثيوبي
وقال المتحدث باسم المتمردين جبري جبري صادقان، إن قوات الدفاع عن تيغراي شنت الهجوم الأسبوع الماضي واستهدف عدة بلدات. وقال إن المقاتلين دمروا آليات عسكرية وأسروا بعض جنود القوات الحكومية.
وقال شهود لـ"بي بي سي" إن قوات المتمردين دخلت بلدة أديغرات الإستراتيجية التي تبعد 45 كيلومتراً فقط عن الحدود الإريترية. إذا تم تأكيد ذلك، فسيكون هذا أهم تقدم للمتمردين منذ بدء الحرب.
ونقلت وكالة رويترز عن ساكن بالمنطقة، أن قوات جبهة تحرير تيغراي دخلت أجزاء من أديغرات صباح الثلاثاء، قبل عودة مزيد من الجنود الإثيوبيين والإريتريين إلى المدينة.
وقال عضو بارز في حكومة تيغراي المؤقتة التي عيَّنتها الحكومة الفيدرالية، إن القوات الموالية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي دخلت خلال الساعات الـ48 الماضية بلدات وكرو وهاوزن وأغولا الواقعة شمالي ميكيلي.
وتوجد قاعدة عسكرية اتحادية إثيوبية في أجولا. وأضاف المسؤول أنه لم يتضح ما إذا كانت القوات التيغراية لا تزال موجودة أم لا.
كما شوهد مقاتلون من قوات الدفاع عن تيغراي في عدة بلدات إلى الشمال والجنوب من عاصمة المنطقة ميكيلي.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإثيوبي، الكولونيل جيتنيت، وقوع قتال، لكنه نفى فقدان السيطرة على أي بلدات أو تدمير معدات عسكرية أو أسر جنود.
وقال: "بينما كانت الحكومة الإثيوبية مشغولة بالانتخابات الوطنية وقضايا سد النهضة، فإن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الإرهابية، مع مجنديها الشباب، شاركوا بقوة في أنشطة إرهابية". .
وأضاف أن العمليات جارية للقبض على قادة المتمردين.
آبي أحمد يحاول إقناع الإريتريين بمغادرة تيغراي إذا أرادوا
اللافت أن رئيس الوزراء الإثيوبي قال إنه يعمل مع القوات الإريترية لحملها على مغادرة إقليم تيغراي، لكنه قال إنه لن "يطردهم"، في مؤشر على أن هذه القوات تعمل بصورة مستقلة عن الحكومة الإثيوبية.
جاء ذلك في حديث لآبي أحمد مع "بي بي سي" يوم الإثنين، بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات الوطنية التي تأجلت مرتين.
وتتهم منظمات دوليةٌ القوات الإريترية بارتكاب مذابح واغتصاب جماعي، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمشردين، وهي اتهامات نفتها إريتريا.
في المقابل، نفى آبي أحمد وجود مجاعة في تيغراي، واعترف بوجود مشكلة، لكنه قال إن الحكومة يمكن أن تصلحها.
كما استبعد أحمد إجراء محادثات مع جبهة تحرير تيغراي، التي صنفتها حكومته منظمة إرهابية، في مايو/أيار الماضي.
والأمم المتحدة تقول إن أسمرة لديها سيطرة فعالة هناك
وقال خبير في الأمم المتحدة إن إريتريا لديها "سيطرة فعالة" في أجزاء من تيغراي، ودعا القوات إلى الانسحاب وإجراء تحقيق فوري في الانتهاكات، وضمن ذلك اختطاف اللاجئين.
وبحسب المعلومات التي لدى المسؤول الأممي، فإن إريتريا لديها سيطرة فعلية على منطقة تيغراي، لاسيما بمخيمين في تيغراي يُؤويان لاجئين من إريتريا.
وقالت الأمم المتحدة إن لاجئين إريتريين تعرضوا للهجوم والخطف من المخيمات على أيدي مسلحين يشتبه في أنهم من القوات الإريترية.
وقال بابكر: "إن مكان وجود اللاجئين الذين ما زالوا مفقودين، في الحقيقة مصدر قلق كبير"، داعياً إلى إجراء تحقيق كامل من قِبل هيئة مستقلة في هذه المزاعم.
وردَّت وزارة الخارجية الإريترية، يوم الثلاثاء، على التقرير ببيان مطول قالت فيه إن المجلس الذي يتخذ من جنيف مقراً له، استهدف إريتريا لأكثر من عقد، من خلال تقارير معيبة بدوافع سياسية.
ومن الناحية العرقية فإن إقليم تيغراي يعد امتداداً بشرياً لإريتريا، إذ يتحدث اللغة نفسها، ويلاصقها جغرافياً، مما يسهل للإريتريين السيطرة عليه.
لا انتخابات في أربع من مناطق البلاد العشر
في غضون ذلك، تتواصل عمليات فرز الأصوات في الانتخابات التي يُتوقع فوز "حزب الازدهار" الحاكم بها.
ووصفت وكالة رويترز الانتخابات بأنها أول تصويت حر في تاريخ البلاد، لكن شابتها مقاطعة المعارضة والحرب وتقارير عن حدوث مخالفات في بعض المناطق.
كما أن التصويت يعكس أيضاً حقيقة فوضوية في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 109 ملايين نسمة، حيث قال مجلس الانتخابات إن السلطات لم تتمكن من إجراء انتخابات يوم الإثنين في أربع مناطق من مناطق إثيوبيا العشر.
وذهب الناخبون بإحدى تلك المناطق، سيداما، إلى صناديق الاقتراع في وقت متأخر من يوم الثلاثاء التالي للانتخابات، بسبب مشاكل لوجيستية.
ومن المتوقع على نطاق واسع، أن يهزم حزب آبي للازدهار الوطني الذي تم تشكيله حديثاً المعارضةَ المجزأة لعشرات الأحزاب على أساس عرقي.
وفاز الائتلاف الحاكم وحلفاؤه بجميع المقاعد البرلمانية الوطنية البالغ عددها 547 مقعداً بالانتخابات الأخيرة في عهد سلف آبي قبل ست سنوات، عندما كانت إثيوبيا واحدة من أكثر الدول قمعية في إفريقيا.
لا يوجد تصويت في تيغراي، ولكن إلى أي مدى كانت الانتخابات فعالة؟
لم يتم تحديد موعد للانتخابات في تيغراي، فيما سخِر غيتاشيو رضا، وهو مسؤول كبير سابق في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، من الانتخابات في تغريدة، قائلاً إن التيغراي أسروا أسرى حرب كهدية لتتويج آبي باسم # الإمبراطور العاري لإثيوبيا.
ولم ترد تقارير عن اندلاع أعمال عنف كبيرة في أجزاء من البلاد صوتت بالفعل، على الرغم من أن المتحدث باسم حكومة أوروميا الإقليمية قال إن اثنين من مسؤولي الأمن ومسؤولاً محلياً قُتلوا في هجوم شنته جماعة مسلحة.
وزعمت المعارضة حدوث بعض المخالفات، وقال زعيم المعارضة برهانو نيغا إن حزبه "المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية" (إزيما)، قد قدم 207 شكاوى بعد أن قام مسؤولون محليون وميليشيات بمنطقة أمهرة وفي منطقة الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية بمنع مراقبي الحزب.
وقالت رئيسة مجلس الإدارة بيرتوكان ميديكسا للصحفيين في وقت متأخر من يوم الإثنين، إن مراقبي المعارضة طُردوا من العديد من مراكز الاقتراع في منطقتين.
ويأتي ذلك فيما تحذر الأمم المتحدة من خطر وفاة أكثر من 30 ألف طفل، من جرّاء المجاعة في إقليم تيغراي الإثيوبي.