يبدو أن صبر اليسار وقادته التقدميين داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بدأ ينفد تجاه الرئيس جو بايدن كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إذ ظل "فريق" (Squad) وآخرون على يسار الحزب داعمين على نطاق واسع لبايدن في ظل سعيه لاستعادة حقبة سادها التعاون بين الحزبين، لكن في ظل تعثُّر أجندة بايدن في الكونغرس، تتصاعد الإحباطات وتُهدِّد بشق واجهة الوحدة بين الديمقراطيين.
كورتيز توجه انتقادات لاذعة لإدارة بايدن
وتساءلت ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، عضو الكونغرس الجريئة عن ولاية نيويورك والعضوة الأكثر شهرة في "فريق" أو يسمى بـ(Squad): "هل نُمرِّر الصفقة التي تُقدِّم أكبر مساعدة للأشخاص العاملين؟ هل نُمرِّر الصفقة التي توفر أكبر عدد من الوظائف؟ هل نُمرِّر صفقة تُخفِّض أكبر قدر من الانبعاثات؟ هل نُمرِّر صفقة ترفع الأجور وتحسن فعلاً بنيتنا التحتية لفترة الجيل القادم؟".
جاء ظهور أوكاسيو كورتيز على البرنامج التلفزيوني النافذ "Morning Joe" الأسبوع الماضي بعد أسابيع من دخول الرئيس الأمريكي في مفاوضات مع الجمهوريين حول حزمة إنفاق ضخمة على البنية التحتية، على ما يبدو دون أي نتائج ملموسة.
كانت كورتيز هي أول مَن أشاد بأيام بايدن المائة الأولى في المنصب باعتباره "تجاوزاً بكل تأكيد توقعات التقدميين". ففي نهاية المطاف، كان الكونغرس قد مرر حزمة المساعدات المذهلة المرتبطة بفيروس كورونا والبالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار وتحولت إلى قانون، ولو أنَّها لم تتضمن جعل الحد الأدنى الفيدرالي للأجور 15 دولاراً في الساعة، وهو ما سعى إليه الديمقراطيون طويلاً.
"خطة الوظائف الأمريكية" تتسبب بأزمة داخل صفوف الديمقراطيين
لكنَّ الحقيقة القاسية تقتحم المشهد الآن. فالتشريعات المتعلقة بحقوق التصويت، والسلامة المرتبطة بالسلاح، والهجرة، ووحشية الشرطة تتعثر في مجلس النواب الذي يملك فيه الديمقراطيون أغلبية ضئيلة بواقع 220 مقعداً مقابل 211، ومجلس الشيوخ المنقسم بواقع 50 مقعداً ديمقراطياً مقابل 50 جمهورياً (تمنح نائبة الرئيس كامالا هاريس الحزب الديمقراطي الصوت الحاسم).
وتواجه القضية التالية الكبيرة لبايدن، "خطة الوظائف الأمريكية"، التي اقترحت في بادئ الأمر أكثر من 2 تريليون دولار من أجل البنية التحتية، طريقاً أكثر وعورة. وقد تنازل عن موقفه في المفاوضات مع السيناتورة الجمهورية شيلي مور كابيتو، وهي المفاوضات التي انهارت في نهاية المطاف. ثُمَّ جاءت مجموعة من الحزبين بمقترح بقيمة 1.2 تريليون دولار، لكنَّ التقدميين يقولون إنَّه لا يتعامل مع أزمة المناخ والرعاية الصحية ورعاية الأطفال.
يناقش قادة الديمقراطيين الآن عملية من خطوتين، يمررون فيها مشروع قانون أصغر بدعم من الحزبين، لكن يتبعونها بمشروع ثانٍ يُمرَّر عبر عملية تُعرَف باسم تسوية الميزانية، وهو الأمر الذي سيتطلب إجماعاً شبه كامل للحزب.
إحباط من بايدن داخل معسكر الديمقراطيين
تقول صحيفة الغارديان في تقريرها إن التحدي الأساسي لبايدن يتمثل في كيفية الحفاظ على تحالف ديمقراطي صعب الانقياد يشمل السيناتور المحافظ عن ولاية ويست فرجينيا جو مانشين، والسيناتور بيرني ساندرز، الذي يصف نفسه بأنَّه اشتراكي ديمقراطي من ولاية فيرمونت، والذي صاغ هذا الأسبوع حزمة للبنية التحتية بقيمة 6 تريليونات دولار.
وهناك بعد ذلك "الفريق"، وهو مجموعة تميل إلى اليسار من أعضاء مجلس النواب وتتشكل حالياً من 7 أشخاص من ذوي البشرة الملونة. وكلما تمسك مانشين برأيه المعارض للتشريع الطموح أكثر، زادت احتمالية أن يصبح "الفريق" أكثر هياجاً، وهو الأمر الذي يثير أسئلة حول ما إن كان بايدن يفرض ضغوطاً كافية كي يجذب المشككين إليه.
تقول إيفيت سيمبسون، المديرة التنفيذية لمنظمة "الديمقراطية من أجل أمريكا" التقدمية للغارديان: "يصير الناس مُحبطين للغاية الآن لأنَّه مضت 6 أشهر ولا نرى جو بايدن ينخرط بالطريقة التي ينبغي من أجل الدفع نحو مزيد من الدعم. في الواقع، إنَّه يتفاوض ضدنا وضد ما يريده الديمقراطيون. لذا أعتقد أنَّ هناك إحساساً متزايداً بالإحباط بين التقدميين، وهذا أمر مفهوم".
"الفريق" التقدمي يحظى بدعم كبير بين الأمريكيين
وفي ظل دعم اثنين من كل ثلاثة أمريكيين "للفريق"، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته جامعة مانموث، ترى سيمبسون أنَّ "الفريق" على الجانب الصائب من التاريخ.
وقالت: "ستكون هناك بعض ردود الفعل السلبية إذا كان الفريق يكافح من أجل أمور ينبغي أن ننجزها فعلاً فيما يقول بقية الحزب: لا، الجمهوريون ليسوا متفقين معنا، لا، دعوا شخصاً واحداً يُقرِّر أنَّه سيُعيق أجندة كاملة للبلد بأكمله، أجندة يريدها البلد بأكمله بأغلبية ساحقة".
ومع أنَّ إدارة بايدن انخرطت بنشاط مع "الفريق" في أشهرها الأولى، كانت هناك بعض نقاط التوتر. إذ سارعت أوكاسيو كورتيز وآخرون بالمجاهرة برأيهم حين اتضح أنَّ بايدن يعتزم الإبقاء على السقف الذي حدده ترامب لعدد اللاجئين الذين يُسمَح بدخولهم إلى الولايات المتحدة، وكانت الإدارة الطرف الذي يرمش أولاً وتراجعت.
وانتقد أعضاء بـ"الفريق"، بينهم إلهان عمر من ولاية مينيسوتا ورشيدة طليب من ولاية ميشيغان، إسرائيل بشدة بسبب قصفها الأخير لغزة وقاوموا دعم إدارة بايدن الثابت لإسرائيل.
وتدفع أوكاسيو كورتيز كذلك بايدن لمواجهة فكرة أنَّ الشراكة بين الحزبين في ظل وجود حزب جمهوري راديكالي هي مشروع محكوم عليه بالفشل.
وقال جمال باومان، أحد أجدد أعضاء "الفريق" صراحةً إنَّ مانشين "أصبح هو ميتش ماكونيل الجديد"، في إشارة إلى زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ والمشهور بسلوكه المُعرقِل.
"الفريق يتحدثون بوضوح أخلاقي عن إخفاقات إدارة بايدن"
تحمل هذه المداخلات ثقلاً، جزئياً بسبب التأثير الكبير الذي يتمتع به "الفريق" في وسائل الإعلام السائدة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. إذ تملك أوكاسيو كورتيز 12.7 مليون متابع. ويشيد النشطاء بهم لأنَّهم يتحدثون بوضوح أخلاقي عن إخفاقات واشنطن بشكل يضرب وتراً حساساً لدى العامة.
فقال موريس ميتشيل، المدير الوطني لـ"حزب الأسر العاملة": "لا أظن أنَّهم يخرجون عن التفكير السائد بشأن الإحباطات التي يشعر بها الناس تجاه مجلس الشيوخ كمؤسسة أو القيود التي تفرض نفسها في ظل هامش الأغلبية الضئيل هذا واستمرار مانشين في معارضة تكتله السياسي. إنَّهم يلعبون دوراً مفيداً للغاية".
ويرى ميتشيل أنَّ استعدادهم للمعارضة مؤشر على قوة الحزب، وليس ضعفه. وأضاف: "هناك أمثلة خرجت فيها إدارة بايدن عما نعتبره قيماً تقدمية، وقد صحح (الفريق) المسار، وكان ذلك، برأيي، سببه أنَّ الفريق لا يخشى تسمية الأمور بمسمياتها. وقد أدى هذا في الحقيقة إلى تحسن إدارة بايدن في هذه القضايا. هذا ليس مثالاً على الفرقة، بل مثال على أفرع متكافئة تعمل كما ينبغي".
جمود تشريعي داخل الكونغرس
لكن في ما يتعلق بالجمود التشريعي الحالي، يرى بعض المعلقين أنَّ "الفريق" سيكون مخطئاً إذا صبِّ جام إحباطاته على الرئيس، بالنظر إلى توازن القوة في مجلس الشيوخ.
وتمنح أغلبية الديمقراطيين الضئيلة في مجلس النواب "الفريق" من الناحية النظرية نفوذاً أكبر من أي وقتٍ مضى على قيادة الحزب. وقد هدد الفريق بنسف مشروع قانون للإنفاق بقيمة 1.9 مليار دولار من أجل تحسين أمن مبنى الكونغرس عقب اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني على خلفية مخاوف حول ذهاب مزيد من الأموال إلى الشرطة، صوَّت في نهاية المطاف ثلاثة منهم بـ"لا"، وامتنع ثلاثة آخرون عن التصويت، وصوَّت واحدٌ بـ"نعم"، ومرَّ مشروع القانون بصوت واحد.
يقول دايف هاندي، وهو ناشط سياسي ومستشار عمل على حملة ساندرز الرئاسية عام 2016، لصحيفة الغارديان: "لدينا أغلبية ضئيلة جداً في الكونغرس. ويتمتع (الفريق) الآن بقوة أكبر مما ينسبونها لأنفسهم. لا أعلم لماذا يجهلون موقفهم التفاوضي والقوة التي يتمتعون بها". ويرى هاندي أنَّ "الفريق" يجب أن يضغط على بايدن والقادة الديمقراطيين الآخرين بقوة أكثر بكثير.