أعلنت المملكة العربية السعودية في وقت سابق من العام الجاري، خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعة الأسلحة محلياً، مع الوصول في عام 2030 لهدف إنفاق نحو 50% من ميزانيتها العسكرية على المصادر المحلية. وبطبيعة الحال، من شأن بناء المزيد من أنظمة الأسلحة في الداخل تقليل حاجة الرياض إلى استيراد الغالبية العظمى من عتادها العسكري وذخائرها وقطع غيارها، كما تفعل حالياً.
السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم
وفي الوقت الحاضر، الدولة الغنية بالنفط هي واحدة من أكبر مستوردي المعدات العسكرية في العالم. ويقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إن اعتماد المملكة الكبير تحديداً على الولايات المتحدة والدول الغربية في توريد أنظمة الأسلحة يضعها في موقف ضعف في بعض الأحيان.
على سبيل المثال، جمَّدت إدارة جو بايدن مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض بسبب حربها المدمرة في اليمن، وتفكر في بيعها أسلحة "دفاعية" فقط في المستقبل. ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تساعد المملكة بنشاط في بناء قدراتها الدفاعية ودعم جهودها لتوطين تصنيع الأسلحة.
بعد وقت قصير من تولي الرئيس بايدن منصبه، أسست الشركة السعودية للصناعات العسكرية -وهي شركة دفاع مملوكة للدولة- شراكة مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية العملاقة للطيران والفضاء، التي وفقاً لبيان الشركة السعودية للصناعات العسكرية: "ستطور القدرات المحلية من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة، وتدريب القوى العاملة السعودية على تصنيع المنتجات وتقديم الخدمات للقوات المسلحة السعودية".
إضافة إلى ذلك، ستساعد "لوكهيد مارتن" السعودية في إنشاء نظام دفاع صاروخي بقيمة 15 مليار دولار، إذ تتعرض المملكة لهجمات من صواريخ وطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين في اليمن المجاور.
الأسلحة المحلية السعودية.. "هدف بعيد وغير مُرجَّح"
في عام 2019، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقية إنتاج مشترك مع السعودية لتصنيع المكونات الرئيسية لقنابل بيفواي الأمريكية "الموجهة بدقة" في المملكة.
وبحسب صحيفة The New York Times، فإنَّ الصفقة "أثارت مخاوف من أنَّ السعوديين قد يتمكنون من الوصول إلى التكنولوجيا التي من شأنها السماح لهم بإنتاج نسختهم الخاصة من القنابل الأمريكية الموجهة بدقة".
تقول إميلي هوثورن، محللة منصة Stratfor للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لموقع Middle East Eye: "لقد أحرزت السعودية تقدماً كبيراً في بناء صناعة الأسلحة محلياً، لاسيما فيما يتعلق بتطوير أنظمة الأسلحة الأرضية والإلكترونيات والقنابل الذكية". وأضافت: "لكن هدف إنفاق 50% من الميزانية العسكرية للمملكة في الداخل لا يزال بعيد المنال وغير مُرجَّح".
وأشارت إميلي إلى أنَّ المملكة لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على المصادر والواردات الأجنبية من أجل "الأسلحة والطائرات والسفن ذات التكنولوجيات المتطورة".
وتابعت: "نجحت الرياض في تحويل بعض الأموال التي كانت مخصصة سابقاً للواردات إلى تطوير بدائل محلية، وجنت الفوائد من حيث توظيف السعوديين، لكن الهدف المتمثل في الانتقال من الإنفاق المحلي بنسبة 2% في 2018 إلى 50% بحلول عام 2030 غير واقعي، إذا كانت الرياض تريد تعزيز قدراتها والحفاظ على ترسانة من أفضل المعدات".
وترى أميلي أنَّ "السعودية ستكون قادرة على إحراز تقدم مماثل لما حققته شركة إيدج الإماراتية فيما يتعلق بالأسلحة الصغيرة والمدفعية، ومن حيث تعزيز القدرات التكنولوجية، لكن المملكة لا تزال على بعد سنوات عديدة من تصدير تلك المنتجات إلى العملاء الإقليميين".
السعودية تمر بـ"تحول عسكري" سيستغرق سنوات عديدة
أشارت كيرستن فونتينروز، مديرة مشروع أمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، إلى أنَّ المملكة "تمر بتحول عسكري سيستغرق سنوات عديدة لإتمامه".
وتقول كيرستن إنَّ مشروع التحول أحرز "قدراً كبيراً من التقدم" بفضل الاهتمام الشخصي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بوزارة الدفاع، وحقيقة أن "قيادته اليومية موكلة إلى نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان آل سعود".
وأضافت كيرستن، لموقع Middle East Eye: "منذ سنوات والسعودية تحاول الدفع بصفقات صعبة عند شراء منصات عالية التقنية، من الولايات المتحدة وكذلك من دول أخرى مثل روسيا -وهذا أحد الأسباب الرئيسية لعدم رؤيتنا صواريخ الدفاع الجوي الروسية (إس-400) في المملكة- سعياً إلى تكثيف نقل التكنولوجيا؛ الذي تعمل بموجبه الشركة أو الدولة البائعة بتعليم السعوديين كيفية إنتاج المكونات الأساسية للنظام محلياً". ونوهت: "سيعتمد نجاح الصناعة المحلية على هذا".
السعودية تسعى لـ"الاكتفاء الذاتي" بتنويع مصادر السلاح
تعمل الولايات المتحدة حالياً على سحب قواتها تدريجياً من الشرق الأوسط، بما في ذلك من المملكة العربية السعودية. وقالت واشنطن الأسبوع الماضي إنها ستخفض عدد القوات ووحدات الدفاع الجوي المنتشرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك بطاريات "باتريوت" الصاروخية الدفاعية. وأضافت أنها تزيل نظام "ثاد" المضاد للصواريخ من السعودية.
وفي تصريح للصحفيين، يوم الأحد 20 يونيو/حزيران، قال المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، تركي المالكي، إنَّ "ذلك لن يؤثر في الدفاعات الجوية السعودية". وأضاف: "لدينا تفاهم قوي مع حلفائنا بشأن التهديد في المنطقة، ولدينا القدرة على الدفاع عن بلادنا".
ومن المحتمل أن يكون هذا التطور، إلى جانب رغبة المملكة العامة في تقليل اعتمادها على المصادر الأجنبية لشراء الأسلحة، من العوامل الرئيسية التي حفزت مشروع الدفاع الطموح للرياض لعام 2030.
وأعربت كيرستن فونتينروز، من المجلس الأطلسي، عن اعتقادها بأنَّ الاحتمال الوشيك لانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط "زاد بلا شك من الشعور بأهمية الأمر".
وقالت إنَّ السعوديين يرون أنهم "بحاجة إلى تحسين سريع وملموس لعمليات صنع القرار وعمليات الاستحواذ وبرامج التدريب وخبرة صياغة الاستراتيجيات من أجل أن يكونوا أكثر قدرة على سد الفجوات التي قد يخلقها الانسحاب الأمريكي".
وثانياً، "تقدر المملكة بذكاء أنَّ أفضل طريقة للحفاظ على انخراط الولايات المتحدة عن كثب هو جعل هذه المشاركة تبدو طبيعية بالنسبة للموظفين الأمريكيين المتناوبين باستمرار والمُكلَّفين بالملف السعودي. ولهذه الغاية، أسسوا مؤخراً مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون التنفيذية، وهو أول مكتب إشراف مدني مسؤول عن السياسات العسكرية والدفاعية".
وقالت إنه بحلول وقت لاحق من هذا العام، تخطط السعودية "للبدء في إعادة هيكلة جيشها ليعكس النموذج الأمريكي لأركان الخدمة وقيادات العمليات القتالية الجغرافية الموحدة".
وفي الوقت نفسه، وفقاً لإميلي هوثورن، يرتبط الهدف السعودي بتحقيق الاكتفاء الذاتي "باعتماد المملكة على مصادر الأسلحة الأجنبية عامةً، وليس الأسلحة الأمريكية فحسب، فضلاً عن رغبة الحكومة في توظيف المزيد من سكانها في مجالات متقدمة تقنياً ووظائف عالية الأجر". ولفتت إميلي: "حسابات السعودية بشأن حاجتها للاكتفاء الذاتي تعتمد اعتماداً كبيراً على مخاطر الصراع مع إيران".