كان تدني المشاركة في انتخابات الجزائر البرلمانية عنوانها الأبرز، وقاطعتها أحزاب وشاركت أخرى، فكيف جاءت مشاركة الإسلاميين في تلك الانتخابات؟ كشف حساب هذه المشاركة في هذا التقرير.
ومن بين 24 مليوناً و425 ألفاً و174 ناخباً جزائرياً يحق لهم التصويت في الانتخابات النيابية التي أجريت السبت 12 يونيو/حزيران، أعلن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي أن 30.20% من هؤلاء هم من أدلى بصوته بالفعل، وهي نسبة مشاركة متدنية للغاية، رغم أن بعض من قاطعوها شككوا في النسبة الرسمية للمشاركة، وبحسبهم كانت نسبة المشاركة أقل من المعلنة.
وعادة ما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في الجزائر أعلى بكثير من النسبة المسجلة هذه المرة، واعترفت بعض الأحزاب في ردودها الأولية بفشلها في إقناع الجزائريين بالمشاركة في الانتخابات التشريعية السابعة منذ إطلاق التعددية السياسية في البلاد عام 1989، والأولى في ظل الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير/شباط 2019، والمرة الأولى أيضاً التي تم فيها إجراء الانتخابات تحت الإشراف الكامل لسلطة مستقلة.
ماذا حققت الأحزاب الإسلامية؟
الآن وقد انتهت الانتخابات وتم إعلان النتائج الرسمية، يظهر كشف حساب مشاركة الإسلاميين أنهم حققوا نصف انتصار وفي نصف هزيمة في الانتخابات البرلمانية، فقد ضاعفوا حصتهم من المقاعد البرلمانية، لكنهم ضيعوا فرصة الفوز بالأغلبية وبالتالي تشكيل الحكومة.
وشاركت 6 أحزاب إسلامية، من عائلتين سياسيتين مختلفتين، الأولى تتمثل في التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ممثلاً في حركة مجتمع السلم، وحركة البناء الوطني المنشقة عنها، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
أما العائلة السياسية الثانية فتتمثل في التيار النهضوي، الذي أسسه عبدالله جاب الله، ويضم كلاً من جبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة وحركة الإصلاح، وجبهة الجزائر الجديدة المنشقة عن الأخيرة بقيادة الصحفي والنائب السابق جمال بن عبد السلام.
حركة مجتمع السلم ضاعفت مقاعدها، ولكن!
تمكنت حركة مجتمع السلم من مضاعفة عدد مقاعدها في انتخابات 12 يونيو/حزيران الجاري، بعدما حصلت على 64 مقعداً مقارنة بانتخابات 2017، التي حصلت فيها بالتحالف مع حركة التغيير (اندمجت فيها) على 34 مقعداً، وثبّتت زعامتها على التيار الإسلامي برمته.
وتعتبر هذه النتيجة هي الأفضل على الإطلاق بالنسبة للحركة بعد الانتخابات البرلمانية عام 1997، حينما حلت ثانية بعد التجمع الوطني الديمقراطي (الحزب الحاكم) بـ65 مقعداً، وقالت حينها إن التزوير حرمها من المرتبة الأولى.
وكانت حركة مجتمع السلم تأمل في أن يؤدي ضعف حزبي الموالاة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي) في تصدرها لنتائج الانتخابات البرلمانية، وأعلن رئيسها عبدالرزاق مقري استعداده لتشكيل الحكومة إن فازت حركته في الانتخابات.
وبعد يوم من الانتخابات، أعلنت الحركة تصدرها للانتخابات قبل ظهور النتائج الرسمية، وحذرت من "محاولات واسعة لتغيير النتائج وفق السلوكيات السابقة"، لكن الرد القوي من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على هذه التهم ووصفها ذلك بـ"الافتراء"، دفع الحركة للتراجع قليلاً.
وقال مقري، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، إن "هناك دلائل قوية تؤكد وجود تلاعب في نتائج الانتخابات التشريعية". وأشار إلى أنه "خلال الساعات الأولى لعمليات فرز الأصوات كانت الحركة في مقدمة الأحزاب الفائزة، لكن حدث بعد ذلك تلاعب في المحاضر وعدم تسليم بعضها".
ورغم حلول حركة مجتمع السلم، في المرتبة الثالثة خلف كل من جبهة التحرير الوطني (105 مقاعد) والأحرار (78 مقعداً)، فإن مقري يرى أنهم حصلوا على المرتبة الثانية (بين الأحزاب)، مستبعداً كتلة الأحرار.
والمفاجأة التي حققتها حركة مجتمع السلم، تتمثل في حصولها على 3 مقاعد من إجمالي 8 مقاعد المخصصة للجالية في الخارج. وهذه المرة الأولى التي تفوز فيها الحركة بمقاعد في المهجر، خاصة بالدوائر الانتخابية لشمال وجنوب فرنسا والولايات المتحدة وبقية أوروبا، بينما لم تحصل على أي مقعد في منطقة العالم العربي وإفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا.
صعود صاروخي لحركة البناء
لم تكن حركة البناء ينظر لها سوى ضمن الحركات المنشقة عن حركة مجتمع السلم، والتي تفتقد لشخصية كارزمية، وكان من المتوقع أن تلقى مصير حركة التغيير، بالاندماج في الحركة الأم، أو الاندثار مثلما يحدث لحركتي النهضة والإصلاح.
وحاولت حركة البناء، التي تأسست في 2014، تفادي هذا السيناريو، فتحالفت مع جبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وحركة النهضة، وحصل ثلاثتهم على كتلة برلمانية من 15 نائباً.
لكن في 2019، حدثت مفاجأة، بعد أن تحولت حركة البناء من حزب يقاتل من أجل البقاء، إلى قوة سياسية تنافس الكبار؛ حيث جرى تغيير على رأس قيادتها فاستبدل رئيسها التاريخي مصطفى بلمهدي، وعُيّن بدلاً منه أحد صقورها وزير السياحة السابق عبدالقادر بن قرينة.
وساعد الحظ بن قرينة، عندما ترشح لرئاسيات 2019 ممثلاً وحيداً عن التيار الإسلامي، وأيضاً عن كامل ولايات الجنوب الشرقي والغربي، وفرض نفسه بشخصيته المميزة وتصريحاته المثيرة للجدل، فحقق مفاجأة كبيرة عندما حصد مليوناً ونصف مليون صوت، وحلّ ثانياً بعد المرشح عبدالمجيد تبون، الذي أصبح رئيساً.
واعتبر بن قرينة هذه النتيجة دليلاً على أن حزبه الصغير أصبح "القوة السياسية الثانية" في البلاد، وجاءت تشريعيات 2021، لتثبت عدم صحة ذلك حيث حلّ حزبه في المرتبة السادسة بين الكتل البرلمانية والخامس بين الأحزاب.
لكن حصول حركة البناء على 40 مقعداً كان مفاجأة حقيقية، خاصة عندما اكتسحت جميع مقاعد ولاية مستغانم الساحلية والهامة بالغرب الجزائري، وأخذ جميع مقاعدها الثمانية.
وعلى عكس مقري الذي يفضل قيادة المعارضة، فإن المشاركة في الحكومة خيار استراتيجي لحركة البناء، ومن الأسباب التي أدت إلى انشقاق عدد من قادتها عن حركة مجتمع السلم. لذلك ليس من المستبعد أن تشكل حركة البناء حزاماً برلمانياً داعماً لحكومة الرئيس المقبلة.
ماذا عن تيار النهضة؟
أسوأ نتيجة حققتها الأحزاب، التي وُلدت من رحم حركة النهضة، كانت في هذه الانتخابات. فبعد أن كان التيار النهضوي من بين الأحزاب الأربعة الكبار طيلة عشرية كاملة (1997-2007)، تراجعت نتائجه بشكل كارثي خلال السنوات الأخيرة.
وانشطر الحزب الواحد إلى أربعة أحزاب، وكان الصدام بينهم حاداً ومدمراً للجميع، خاصة في 2007، عندما تشكلت حركة تقويمية أطاحت بجاب الله، من رئاسة حركة الإصلاح الوطني.
ومنذ ذلك التاريخ فقدَ التيار النهضوي ثقله وتأثيره، حتى في مناطق نفوذه التقليدية في الشرق الجزائري، مثل عنابة وقسنطينة وسكيكدة وسوق اهراس.
وبدأ نشاط التيار النهضوي، في سبعينيات القرن الماضي، بقيادة جاب الله، قبل أن يتحول إلى حزب سياسي في 1990 تحت اسم "حركة النهضة الإسلامية"، بعد سماح السلطة بتعدد الأحزاب إثر تعديل الدستور في 1989. وخرج من رحم حركة النهضة (عقب حذف كلمة إسلامية)، كل من حركة الإصلاح، وجبهة العدالة والتنمية، وجبهة الجزائر الجديدة.
وفي برلمانيات 2021، لم يتحصل حزب جاب الله (العدالة والتنمية) سوى على مقعدين فقط، بالرغم من أنه كان قريباً من الحراك الشعبي، وداعماً له، لكنه راح ضحية المقاطعة التي حذر منها خلال الحملة الانتخابية.
أما جبهة الجزائر الجديدة، التي يقودها الإسلامي الأمازيغي جمال بن عبدالسلام، فلم تحقق سوى مقعد واحد فقط، وهي نفس نتيجة انتخابات 2017، رغم محاولتها الانفتاح على مثقفين وكوادر من خارج التيار الإسلامي.
لكن مصيبة حركتي النهضة والإصلاح كانت أشد وقعاً، بعدما لم يحصلا على أي مقعد، لأول مرة منذ تأسيسهما، ودخلا قاموس الأحزاب المجهرية، مما قد يؤدي إلى حلّهما أو اندماجهما في أحزاب أخرى.
فتشريعيات 2021، لم تنقل الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، لكنها صعدت عالياً بأسهم التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بينما تلقت أحزاب التيار النهضوي صدمة قاسية، ستدفعها إما للتوحد أو التبدد.
وكان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر محمد شرفي، قال خلال يناير/كانون الثاني الماضي، إن مشروع قانون الانتخابات الجديد يهدف إلى وضع آليات جديدة لاستئصال "الفساد والاحتيال"، بحسب صحيفة الحوار الجزائرية، مضيفاً أن القانون الجديد سيعتمد "نظاماً انتخابياً جديداً يجعل المال الفاسد غير ذي قيمة بالنسبة لمن يدفعه ومن يتلقاه".
وكان الرئيس تبون قد دعا في مارس/آذار الماضي إلى إجراء الانتخابات النيابية المبكرة بعد قرار بحل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان). ووفق قانون تحديد الدوائر الانتخابية، قلصت الجزائر عدد مقاعد البرلمان، ليكون 407 مقاعد، بعد أن كان 462 مقعداً.