أشاد رئيسا الولايات المتحدة وروسيا بمحادثاتهما في جنيف التي عقدت في 16 يونيو/حزيران 2021. ورغم أن فلاديمير بوتين وجو بايدن لم يحرزا تقدماً ملموساً بشكل كبير في الاجتماع الأول من نوعه منذ عام 2018، إلا أن اللقاء كان هاماً ووضع النقاط على الحروف بالنسبة للطرفين بعد 4 سنوات من الفوضى إبان حكم ترامب.
وقال الرئيس الأمريكي إنه تم الإعلان عن الخلافات مع موسكو، ولكن ليس بطريقة مبالغ فيها، وأشار إلى أن روسيا لا تريد حرباً باردة جديدة. وقال الرئيس الروسي بدوره إن "بايدن رجل دولة مخضرم، وإنهما يتحدثان اللغة نفسها".
وهذه 5 نقاط يجب الوقوف عندها بعد قمة بايدن-بوتين الاستثنائية، بحسب ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.
1) لقد ولَّت الحقبة "العصية على التنبؤ" بين الطرفين
في عام 2018، عقد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قمةً كارثية مع بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي. قال ترامب آنذاك إنه صدَّقَ تأكيدات بوتين بأن موسكو لم تتدخَّل في الانتخابات الأمريكية عام 2016، من خلال مؤتمرٍ صحفيٍّ مشترك كان مهيناً للولايات المتحدة، إلى درجة أن مستشارة ترامب فيونا هيل فكَّرَت في إنهاء المؤتمر بإطلاق إنذار حريق أو ادِّعاء حالة طوارئ طبية.
على النقيض من ذلك، كان الهدوء سيد الموقف في جنيف. كان بايدن مستعداً جيِّداً للقمة الأمريكية الروسية. كان مسترخياً، وقال لبوتين إنه يريد علاقةً "يمكن التنبؤ بها" بعد فترةٍ برز فيها سلوكٌ مارقٌ للكرملين. سارت القمة على أسسٍ دبلوماسية تقليدية، حيث المصافحة، ثم عدة ساعات من المحادثات المُكثَّفة، والمؤتمرات الصحفية المنفصلة بعد ذلك. لقد طُرِدَ شبح هلسنكي، وسوف يكون هناك سجلٌ مُتَّفَق عليه لما نوقِشَ، على عكس عام 2018 عندما التقى ترامب ببوتين وحده، دون مساعدين أو حتى مترجم خاص لترامب، فلا نعرف ما قيل آنذاك.
2) نظرة بوتين إلى واشنطن لا تزال سلبية
على مدار العقدين الماضيين، التقى بوتين بخمسة رؤساء أمريكيين أثناء توليهم المنصب. عزَّزَ بوتين قائمةً من الضغائن الجيوسياسية، التي شملت توسُّع الناتو، والتدخُّل الأمريكي المزعوم في الشؤون الداخلية لروسيا، وسلوك واشنطن "المنافق" في العراق وبلدانٍ أخرى. ردَّ بوتين على مزاعم أن موسكو كانت وراء القرصنة الإلكترونية، وأشار إلى أن روسيا ليست حتى على قائمة الدول المسؤولة. واشتكى كذلك من "الانقلاب الدموي" في أوكرانيا عام 2014، والذي يعتقد أن الولايات المتحدة هي من حرَّضَ عليه.
وكما كان الحال في زمن الحرب الباردة، يرى بوتين الولايات المتحدة باعتبارها خصماً ومنافساً على الصعيد العالمي. سمحت قمة جنيف لبوتين بأن يقدِّم نفسه في الداخل الروسي على أنه على قدم المساواة مع بايدن على المسرح الدولي. ورغم التقدُّم المتواضع في المحادثات، من غير المُرجَّح أن يخضع بوتين لضغوط الولايات المتحدة. وسيواصل بوتين قمع المعارضين، وأوضح أنه لا يتعاطف مع زعيم المعارضة المحبوس أليكسي نافالني. ولن يقدِّم كذلك تنازلاتٍ بشأن أوكرانيا، وهي دولةٌ متأصِّلةٌ في أيديولوجيا "القوة العظمى" لروسيا ويعتبرها بوتين ساحته الخلفية. في السنوات الأخيرة، شنَّ الكرملين حرباً ينكرها دائماً ضد الغرب، وشهدت هجماتٍ إلكتروية وتدخُّلاً سياسياً وعمليات قتلٍ بيد الدولة. ويُتوقَّع استمرار هذه التكتيكات الهدَّامة.
3) حقَّقَت القمة بعض النتائج الملموسة
كانت التوقُّعات قبل اجتماع الأربعاء، 16 يونيو/حزيران، ذات سقفٍ منخفض، بالنظر إلى الحالة السيئة للعلاقات الثنائية. وفي النهاية، حُقِّقَت بعض الأمور الواضحة والسهلة. أحدها كان تطبيع وضع سفراء روسيا والولايات المتحدة. كان السفير الروسي في واشنطن قد استُدعِيَ بعد أن وصف بايدن بوتين بـ"القاتل"، وعاد المبعوث الأمريكي في موسكو، جون سوليفان، في أبريل/نيسان الماضي إلى الولايات المتحدة. والآن سيعود كلاهما إلى سفارة كلٍّ منهما، مِمَّا سيسمح باستئناف الحياة الدبلوماسية.
ستكون هناك أيضاً مشاوراتٌ بين وزارة الخارجية الأمريكية ونظيرتها الروسية حول مجموعةٍ من القضايا، بما في ذلك الأمن السيبراني، ومعاهدة ستارت 3 النووية، التي من المُقرَّر أن تنتهي عام 2024. وعلى ما يبدو، لم يكُن هناك تقدُّمٌ في قضيتيّ مشاة البحرية السابقين تريفورد ريد وبول ويلان، وكلاهما حُكِمَ عليه بالسجن لفتراتٍ طويلة في موسكو بتهمٍ مشكوكٍ فيها. عرض الكرملين مبادلة الجنديَّين الأمريكيَّين مقابل كونستانتين ياروشينكو، وهو طيَّارٌ روسي اتَّهَمَته الولايات المتحدة بتهريب المخدرات.
4) بوتين هو سيد المراوغات
في مؤتمرٍ صحفي بعد المحادثات، أراد المراسلون الغربيون معرفة سبب عدم السماح للشباب في روسيا بالتظاهر ضد الحكومة، وسألوا عن تسميم معارضي الكرملين، فردَّ بوتين بالخوض في خلافاتٍ طويلة لا صلة لها بالأمر. قال إن 400 من المتظاهرين المؤيِّدين لترامب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول هيل في واشنطن، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، كانوا يعبِّرون فقط عن مطالب سياسية معقولة. وطَرَحَ أنهم يتعرَّضون الآن للاستهداف بشكلٍ غير عادل ويواجهون عقوباتٍ بالسجن. وأضاف أن روسيا تريد تجنُّب اضطرابٍ مماثل.
اشتكى بوتين أيضاً من الكونغرس الأمريكي، وقال إنه عامَلَ روسيا باعتبارها "عدواً". واشتكى أيضاً أن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى تعزيز "الأهداف السياسية" الأمريكية من خلال تمويل الجماعات السياسية داخل روسيا. وأوضح أن الدولة كانت تضيِّق الخناق عليهم بشكلٍ معتدل فقط لأنهم "عملاء" لدولةٍ أجنبية. لا شيء من هذا صحيح. اعتاد بوتين تجاهل الانتقادات ويبدو أنه يستمتع بفرصةٍ لتكرار هذا التجاهل.
5) يمكن لبوتين أن يحضر الأحداث الكبرى في الوقت المُحدَّد، إذا كان يناسبه
الرئيس الروسي له تاريخٌ طويلٌ في إبقاء زعماء العالم ينتظرون، فيما يبدو أنه أداءٌ مُتعمَّد. لكن قبيل قمة جنيف، صاغ كبار المسؤولين الأمريكيين بروتوكولاً يصل بموجبه الزعيم الروسي أولاً. كان قلقهم مُبرَّراً. في عام 2012، أبقى بوتين الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما ينتظر لمدة 40 دقيقة في قمة مجموعة العشرين في لوس كابوس بالمكسيك. وبعد ثلاث سنوات، تأخَّر أيضاً لمدة ساعة عن لقاء البابا فرانسيس في الفاتيكان. حتى إنه جَعَلَ العائلة الملكية في بريطانيا تنتظر لمدة 14 دقيقة في زيارةٍ لهم عام 2003. لكن هذه المرة، تصرَّف بوتين بشكلٍ لا تشوبه شائبة، إذ حضر في مكان عقد القمة بفيلا لا غرانج قبل بايدن، الذي انطلق موكبه بعد بضع دقائق.