من المستبعد أن يؤدي فوز مرشح محافظ بالانتخابات الرئاسية في إيران، الجمعة 18 يونيو/حزيران 2021، إلى إبطاء الخطى نحو إحياء الاتفاق النووي والتحرر من قيود العقوبات، مع إدراك رجال الدين الحاكمين في طهران أن حظوظهم السياسية معلَّقة بمعالجة الصعاب الاقتصادية الآخذة في التفاقم.
وسيفتح انتصار أحد صقور المحافظين، مثل إبراهيم رئيسي، الباب أمام الحكومة الجديدة لادعاء أنها صاحبة الفضل في تحقيق أي مكاسب اقتصادية تجنيها البلاد بعد إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
ومن المرجح أن يستتبع إحياء الاتفاق رفع القيود الأمريكية الصارمة التي تخنق صادرات النفط، مع بدء تدفق العائدات في مستهل ولاية الحكومة الجديدة.
في الوقت نفسه، فإن وجود حكومة مناهضة بشدة للغرب قد يجعلها تتردد في تخفيف حدة التنافس الإقليمي مع دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، ما لم تأمر بذلك السلطةُ العليا بالبلاد، متمثلة في الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
يبدو أن رئيسي، وهو قاضٍ محافظ، هو المرشح الأوفر حظاً في السباق بين خمسة مرشحين، لأنه مدعوم من خامنئي. وقد أعلن رئيسي دعمه للمحادثات النووية مع القوى العالمية.
هل تغير إيران موقفها في المحادثات النووية؟
تغيير الموقف في هذه القضية شيء مستبعد. فخامنئي، وليس الرئيس، هو صاحب القول الفصل في سياسات إيران النووية والخارجية.
وفي ظل أوضاع اقتصادية بائسة يشعر بها المواطنون في الداخل، لا يستطيع حكام إيران المجازفة بالعودة وبدء المحادثات من الصفر بعد الانتخابات.
وتتفاوض طهران مع ست قوى عالمية لإحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018، واصفاً إياه بأنه متساهل للغاية مع طهران. وبموجب الاتفاق وافقت إيران على كبح برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية.
أعاد ترامب فرض العقوبات، مما ترتب عليه تراجع عائدات النفط وإخراج إيران من النظام المصرفي الدولي.
وتتطلع إيران إلى التحرر من قيود العقوبات الأمريكية في حالة إحياء الاتفاق.
وعلى غرار خامنئي، يؤيد رئيسي المحادثات لكنه يقول إن "تنفيذ ذلك يجب أن يكون على يد حكومة قوية".
ولا تزال استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة مسألة غير مطروحة للنقاش، في بلد دأب حكامه على وصفها بـ"الشيطان الأكبر" منذ توليهم السلطة بعد ثورة 1979.
هل يغير الرئيس الجديد السياسة الاقتصادية؟
بغضِّ النظر عن اسم الفائز بالانتخابات، سيظل إنعاش الاقتصاد والتخلص من قيود أشد العقوبات الأمريكية قسوةً، على رأس قائمة الأهداف الاقتصادية.
ويمثل الاقتصاد مكمن الخطر ونقطة الضعف الأساسية للمحافظين، حتى في الوقت الذي يستبشرون فيه بفوز أحدهم يوم الجمعة.
ومن أشد المؤيدين للمؤسسة إلى الطبقة العاملة وحتى نخبة رجال الأعمال، يشعر الجميع بوطأة التضخم والبطالة وإن كان بدرجات متفاوتة.
يخشى رجال الدين في إيران من عودة احتجاجات الشوارع التي اجتاحت البلاد في 2017. ويعترف المسؤولون بضعف السلطات أمام الغضب الناجم عن تفاقم الفقر.
وقال مسؤول حكومي: "التحدي الأكبر في انتظارِ رئيسي هو الاقتصاد. اندلاع الاحتجاجات سيكون حتمياً إذا فشل في العثور على علاج لآلام الاقتصاد".
ويقدم المرشحون الوعود بتوفير الوظائف ووقف انهيار عملة البلاد "الريال". لكن لم يضع أي منهم خريطة مفصلة بالخطوات اللازمة لإدراك هذه الأهداف.
ترتفع أسعار السلع الأساسية كالخبز والأرز يومياً. وأصبحت اللحوم حلماً بعيد المنال لكثيرين، بعد أن قفز سعر الكيلوغرام لما يعادل 40 دولاراً، فيما يقف الحد الأدنى للأجور عند نحو 215 دولاراً.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39% هذا العام، ارتفاعاً من 36.5% بالعام الماضي، في حين سيقفز معدل البطالة إلى 11.2% في السنة الحالية، ارتفاعاً من 10.8% في 2020.
هل تتغير السياسة النفطية؟
لن يتغير الهدف وهو تحرير صادرات النفط من قيود العقوبات.
كلفت العقوبات إيران مليارات الدولارات التي كانت ستحصل عليها من بيع النفط، وفقدت طهران حصتها السوقية في منظمة الدول المُصدرة للبترول (أوبك)، والتي ذهب قسم كبير منها لمنافِستها الإقليمية، السعودية.
يقول محللو الصناعة إنه في حال رفع العقوبات، قد ترفع طهران الإنتاج من 2.1 مليون برميل يومياً حالياً إلى مستوى ما قبل العقوبات البالغ 3.8 مليون برميل في غضون أشهر.
لكن تأثير التحول العالمي لمصادر الوقود ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة يتضافر مع تأثيرات جائحة كوفيد-19 في خفض الطلب على الطاقة، فيما يجعل إيران سوقاً أقل جاذبية للعديد من شركات الطاقة الكبرى.
وفي الوقت الذي أبدت فيه بعض مصافي النفط الأوروبية اهتماماً بشراء الخام الإيراني في حال رفع العقوبات، لم تُبدِ كثير من شركات النفط الغربية بشكل معلن، استعدادها للاستثمار في إيران.
وقالت شركة لوك أويل الروسية المنتجة للنفط والغاز، في وقت سابق من هذا الشهر، إنها مهتمة بالعودة إلى إيران بعد رفع العقوبات.
هل تغير إيران سياستها الإقليمية؟
إنها مسألة يلفُّها الغموض. لكن، على أي حال، فإن الكلمة الأولى والأخيرة في السياسة الخارجية لخامنئي وليست للرئيس.
ويريد جيران إيران العرب في منطقة الخليج وقف محاولات طهران السيطرة على المنطقة، التي تتنافس فيها مع السعودية على النفوذ في مناطق تمتد من سوريا والعراق إلى اليمن والبحرين.
وقال هنري روما المحلل في مجموعة أوراسيا في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني "السياسة الإقليمية تخضع لقبضة خامنئي القوية والحرس الثوري… هذا يعني أن من المرجح أن يكون هناك توافق واسع (بعد الانتخابات)".
وفي اعتقاد الرياض أن إحياء اتفاق 2015 يجب أن يكون نقطة انطلاق لمناقشات تهدف لتقييد برنامج إيران الصاروخي، وهو أحد أكبر برامج الصواريخ في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، أجرت الرياض محادثات مباشرة مع إيران في محاولة لخفض حدة التوتر.
وقال صلاح نصراوي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن "إيران قد تحرز انتصارا في حالة عدم إدراج قضايا تمارس الرياض وحلفاؤها ضغوطا بشأنها مثل برنامج طهران الصاروخي ووكلائها (في المنطقة) ضمن الاتفاق النووي".