فجوة شاسعة وأرقام صادمة.. لماذا لا تزال آسيا بعيدة عن إنهاء معركتها ضد كورونا رغم تفوقها في بداية الوباء؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/17 الساعة 14:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/16 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
لماذا لا تزال آسيا بعيدة عن إنهاء السباق ضد "كوفيد" برغم تفوقها في مكافحة الوباء؟/ Istock

"فجوة شاسعة بين آسيا والعالم والنجاح يتحول إلى فشل قاس".. نيويورك تايمز: يبدو أنَّ الكثير من سكان آسيا البالغ عددهم 4.6 مليار نسمة سيقضون بقية هذا العام في ظروف أشبه إلى حد كبير بالعام الماضي! 

يبدو أن الدول في جميع أنحاء قارة آسيا والمحيط الهادئ، التي قادت في البداية العالم في احتواء فيروس كورونا المستجد، تفشل الآن في السباق لوضع الوباء وراء ظهرها، كما يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

لكن مع استمرار عدم تلقيح مئات الملايين من الأشخاص من الصين إلى نيوزيلندا، ومع استمرار القادة القلقين في غلق الحدود الدولية خلال المستقبل المنظور، فإنَّ تسامح الناس مع القيود على الحياة يتضاءل، حتى مع اشتداد حدة التهديد الناجم عن متحورات الفيروس الجديدة. ويقول التقرير، بعبارات بسيطة، سئم الناس، متسائلين: لماذا نحن متخلفون عن غيرنا، ومتى سينتهي روتين الحياة في ظل الوباء؟

"كأننا عالقون في الوحل"

يقول تيري نولان، رئيس مجموعة أبحاث اللقاحات والتحصين في معهد Doherty Institute في ملبورن بأستراليا، وهي مدينة خرجت للتو من أحدث إغلاق لها، للصحيفة الأمريكية: "يبدو الأمر كما لو أننا عالقون في الوحل. الجميع يحاول الخروج، والاستعجال". وفي حين أنَّ مدى العبء الذي يخلفه الوباء يختلف من بلد إلى آخر، إلا أنه ينبع عامةً من نقص اللقاحات.

في بعض الأماكن، مثل فيتنام وتايوان وتايلاند، بالكاد تُنفَّذ حملات التطعيم. بينما شهدت دول أخرى، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، ارتفاعاً حاداً في التطعيمات في الأسابيع الأخيرة، لكن تظل بعيدة عن تقديم اللقاحات لكل من يريدها.

وفي كل مكان تقريباً في المنطقة، تشير خطوط الاتجاه إلى انعكاس الحظوظ في مواجهة الوباء. ففي الوقت الذي يحتفل فيه الأمريكيون بما يبدو أنه فجر جديد، يبدو أنَّ الكثير من سكان آسيا البالغ عددهم 4.6 مليار نسمة سيقضون بقية هذا العام في ظروف أشبه إلى حد كبير بالعام الماضي، مع معاناة شديدة للبعض وترك آخرين منسيين في حالة من الحياة الطبيعية الملجومة. 

تعثر بمكافحة الوباء والحكومات الآسيوية تتخبط

إضافة إلى ذلك، قد تطرأ المزيد من التقلبات. ففي جميع أنحاء العالم تراقب الشركات ما إذا كانت الجائحة الجديدة في جنوب الصين ستؤثر في محطات الموانئ المزدحمة هناك. وفي جميع أنحاء آسيا يمكن أن يفتح تعثر إطلاق اللقاح الباب أيضاً أمام عمليات الإغلاق المتصاعدة التي تؤججها متحورات الفيروس، التي تلحق أضراراً جديدة بالاقتصادات، وتطيح بالقادة السياسيين من وظائفهم، وتغير ديناميات القوة بين الدول. 

وبحسب الصحيفة الأمريكية، ترجع جذور تلك المخاطر إلى القرارات التي اتخذتها هذه الحكومات قبل أشهر، قبل أن يتسبب الوباء في أسوأ مذابحه.

بدءاً من ربيع العام الماضي، راهنت الولايات المتحدة وعدة دول في أوروبا رهاناً كبيراً على اللقاحات والتصريح السريع بها، وإنفاق المليارات لتأمين الدُّفعات الأولى من الجرعات.

وعلى الجانب الآخر، في أماكن مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ظلت معدلات الإصابة والوفيات منخفضة نسبياً، بفضل فرض القيود على الحدود، والامتثال العام لتدابير مكافحة الفيروسات، وإجراء فحوصات على نطاق واسع، وتتبع المُخالطة. ومع النجاح في السيطرة على الفيروس إلى حد كبير، ومحدودية القدرة على تطوير اللقاحات محلياً، كان الإلحاح أقل على تقديم طلبات شراء لقاح ضخمة، أو الإيمان بالحلول غير المُثبَتة.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور جيسون وانغ، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة ستانفورد، الذي درس سياسات كوفيد-19: "كانت تصورات الجماهير عن التهديد بأنه منخفض. واستجابت الحكومات لتصور الجمهور".

غير أنَّ تبني القيود على الحدود، بوصفها استراتيجية للقضاء على الفيروسات -وهي طريقة مفضلة في جميع أنحاء آسيا- تظل محدودة في فاعليتها، أضاف الدكتور وانغ: "لإنهاء الوباء تحتاج إلى استراتيجيات دفاعية وهجومية. الاستراتيجية الهجومية هي اللقاحات".

"الحكومات تعتقد أنه لا توجد حاجة كبيرة للاندفاع لتوفير اللقاح"

وكان طرح اللقاحات في آسيا قائماً على المنطق الإنساني (بمعنى تحديد أي الدول في جميع أنحاء العالم في أمسّ الحاجة إلى اللقاحات لإعطائها إياها)، والرضا المحلي، وغياب السيطرة على إنتاج الأدوية وتصديرها.

لكن قال ريتشارد مود، الباحث في معهد سياسات مجتمع آسيا في أستراليا: " من العدل القول إنَّ الكميات الفعلية التي تُفرَّغ في الموانئ من إمدادات اللقاح المشتراة ليست قريبة من التزامات الشراء".

وأوضح بيتر كوليجنون، طبيب وأستاذ علم الأحياء الدقيقة في الجامعة الوطنية الأسترالية، الذي عمل لصالح منظمة الصحة العالمية، الأمر ببساطة أكثر قائلاً: "الحقيقة هي أنَّ الأماكن التي تُصنِّع اللقاحات بدأت تحتفظ بها لنفسها".

واستجابةً لهذا الواقع، ومضاعفات الجلطات الدموية النادرة التي ظهرت مع لقاح أسترازينيكا، حاول العديد من السياسيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في وقت مبكر التأكيد على أنه لا توجد حاجة كبيرة للاندفاع لتوفير اللقاح.

فجوة شاسعة وأرقام صادمة

وكانت النتيجة فجوة شاسعة بين تلك الدول والولايات المتحدة وأوروبا. في آسيا، تلقى حوالي 20% من الناس جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، مع تسجيل اليابان، على سبيل المثال 14% فقط. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الرقم يقارب 45% في فرنسا، وأكثر من 50% في الولايات المتحدة، وأكثر من 60% في بريطانيا.

وعلى منصة إنستغرام، حيث وبّخ الأمريكيون ذات مرة نجوم هوليوود للاستمتاع بحياة بدون الأقنعة في أستراليا التي كانت تُسجِل وقتها صفر إصابات بـ"كوفيد-19″، بدأت تنهال صور سكان نيويورك المبتسمين وهم يعانقون الأصدقاء عقب تلقي اللقاح. بينما تُظهِر اللقطات من باريس رواد المطعم المبتسمين في المقاهي التي تجذب السياح في الصيف. لكن في سيول، يُحدِّث الناس بقلق شديد صفحات التطبيقات التي تحدد أماكن وجود جرعات فائضة، وعادةً لا يجدون شيئاً.

وازداد الطلب على اللقاح مع تراجع نقص الإمداد. فمن جانبها، أعطت الصين، التي عانت من التردد بشأن لقاحاتها بعد السيطرة على الفيروس لأشهر، 22 مليون جرعة في 2 يونيو/حزيران، وهو رقم قياسي للبلاد. وإجمالاً، أبلغت الصين عن إعطائها ما يقرب من 900 مليون جرعة، في بلد يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة.

وفي تايوان أيضاً، تعززت جهود التلقيح مؤخراً، بعد تبرُّع الحكومة اليابانية بما يقرب من 1.2 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا. لكن إجمالاً، تجربة تايوان نموذجية إلى حد ما، فهي لا يتوفر لديها إلا جرعات تكفي لتحصين أقل من 10 % من سكانها البالغ عددهم 23.5 مليون نسمة.

التخلص من الإغلاقات يبدو صعباً في آسيا

ومع تخلُّف جهود التطعيم في جميع أنحاء آسيا، ستتباطأ أية قرارات لإعادة فتح قوية للحدود الدولية. وقد أشارت أستراليا إلى أنها ستبقي حدودها مغلقة لمدة عام آخر. وتمنع اليابان حالياً جميع غير المقيمين تقريباً من دخول البلاد، إلى جانب أنَّ التدقيق المُشدَّد للوافدين من الخارج إلى الصين ترك الشركات متعددة الجنسيات بدون عمال رئيسيين.

يبدو أنَّ الالتزام بالضوابط المثلى هو ما يُلون المستقبل القريب للكثير من مناطق آسيا.  فقد هددت إندونيسيا سكانها بغرامات تقدر بحوالي 450 دولاراً لرفضهم اللقاحات. واستجابت فيتنام للارتفاع الأخير في عدد الإصابات من خلال مطالبة الجمهور بالتبرعات لصندوق لقاح "كوفيد-19". وفي هونغ كونغ، يقدم المسؤولون وكبار رجال الأعمال مجموعة من الحوافز لتخفيف التردد الشديد بين الجماهير في تلقي اللقاحات.

ومع ذلك، فإنَّ التوقعات بالنسبة لمعظم دول آسيا هذا العام واضحة: لم يُهزَم المرض، ولن يحدث هذا في أي وقت قريب. وحتى أولئك المحظوظون بما يكفي للحصول على لقاح، غالباً ما تنتابهم مشاعر مختلطة.

تحميل المزيد