يصف أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي شكَّلها نفتالي بينيت، ائتلافهم الحاكم بأنه "حكومة تغيير"، لكن صحيفة The New York Times الأمريكية لفتت إلى أن السؤال الأبرز هنا هو ما إذا كانت تلك الحكومة ستجري حقاً تغييرات جوهرية في سياسات إسرائيل الخارجية والعسكرية، التي احتكر بنيامين نتنياهو التحكُّم فيها تقريباً منذ عام 2009، عندما بدأ ولايته الأخيرة في المنصب.
إسرائيل لا تتغير حيال القضايا الكبرى
وتقول الصحيفة إنه سبقَ لمعظم أعضاء مجلس الوزراء الأمني المصغر في حكومة بينيت الجديدة أن خدموا في مناصب رفيعة في مختلف وزارات نتنياهو على مدى السنوات الاثني عشر الماضية، ولطالما دعموا سياسات رئيس الوزراء المنتهية ولايته: فرئيس الوزراء الجديد بينيت كان وزير دفاع نتنياهو في وقت ما، وتولى أفيغدور ليبرمان وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، ويائير لابيد كان وزيراً للمالية، كما كان بيني غانتس وزيراً للدفاع، وقبل ذلك تولى رئاسة أركان الجيش.
لكن بصرف النظر عن ذلك لا يُتوقع من الحكومة الجديدة، المؤلفة من أحزاب عدة على طرفي الطيف السياسي أن تبادر إلى تغييرات مهمة في القضايا الكبرى محل الخلاف، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو حسم الاستمرار في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة من عدمها.
كما أنه يُستبعد أن تجري إسرائيل تغييرات كبرى بشأن سياستها في شنِّ ما تُسميه بـ"المعارك بين الحروب"، على حدودها، أو بالقرب منها. ويشمل ذلك مئات الهجمات التي تشنها إسرائيل، وكلها تقريباً من الجو، لتفريق أي احتشاد عسكري لقوات معادية لها في سوريا، بإشراف من إيران أو حزب الله، وللحيلولة دون أي تقدمٍ ملموس في تطوير أسلحة دقيقة التوجيه، ووقوعها في أيدي حزب الله اللبناني.
هذه السياسة شارك في صياغتها وزير دفاع الحكومة الجديدة، بيني غانتس، عندما كان يرأس أركان الجيش الإسرائيلي، لكن قدرة نتنياهو على إدارة هذه الهجمات دون السماح لها بالانجراف إلى صراع شامل اعتمدت بدرجةٍ ما على علاقاته الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي التي منعت اندلاع اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والقوات الروسية في سوريا، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
أما بينيت، فليس لديه مثل هذه العلاقة مع بوتين، والأدهى أنه سيصعُب عليه تشكيل علاقة من هذا النوع، في ظل التوتر المتصاعد بين موسكو وواشنطن.
حكومة بينيت والعلاقة مع السلطة الفلسطينية وإدارة بايدن
ومع ذلك، قد يرغب قادة إسرائيل الجدد في استحداث بعض التغييرات الطفيفة لتمييز أنفسهم عن نتنياهو وسياساته، كما تقول نيويور تايمز، وربما انحرفوا عن مساره في بعض المجالات، مثل العلاقات مع السلطة الفلسطينية، التي عمد نتنياهو إلى إضعافها.
وقد يكون أحد التحولات المحتملة عن مسار نتنياهو هو الامتثال لتوصية الجيش الإسرائيلي، التي صدرت مع نهاية جولة القتال الأخيرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، ومفادها قطع تدفق الأموال من قطر إلى غزة، وتوجيهها بدلاً من ذلك إلى السلطة الفلسطينية، وهذا يمكن أن يغير ميزان القوى بين حماس والسلطة الفلسطينية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي تقرير آخر، تشير صحيفة The New York Times، إلى إحدى أهم القضايا التي يُفترض أن تواجهها حكومة بينيت الجديدة: وهي كيفية إدارة التنسيق السياسي والعسكري والاستخباراتي مع إدارة بايدن، لاسيما أنها قضية سيكون لها تأثير بالغ في كيفية التعامل مع جميع تحديات السياسة الخارجية والأمنية والاقتصادية الأخرى تقريباً.
وفي القلب من هذا النقاش يكمن الاتفاق النووي الإيراني الذي تجري حالياً مفاوضات غير مباشرة بشأنه بين الولايات المتحدة وإيران، وتذهب التوقعات إلى قرب إبرامه مرة أخرى، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في عهد ترامب.
العداء مع إيران
ترى أجهزة المؤسسة العسكرية في إسرائيل، ويشمل ذلك الجيش ووكالات الاستخبارات، إيران على أنها العدو الرئيسي للبلاد والتحدي والأصعب على الإطلاق.
تمسَّك بنيامين نتنياهو بموقفٍ مفاده أن الاتفاق النووي الأصلي، الذي أُبرم في عام 2015، والمعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، لم يمنح إسرائيل ما يكفي من الضمانات الأمنية التي تقطع الطريق أمام أي احتمال بأن تحاول إيران تطوير قنبلة نووية. كما اعترض نتنياهو على أن الاتفاق لم يتناول أي مسائل مهمة أخرى في العلاقات مع إيران، مثل دعمها الجماعات المسلحة في الدول المجاورة.
شهد هذا الرأي اتفاقاً عاماً بين معظم الأطراف السياسية في إسرائيل، كما دعمته المؤسسة العسكرية في البلاد، ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تركن إليه أيضاً.
وعلى هذا المنوال، جاءت تصريحات نفتالي بينيت الافتتاحية في الكنيست الإسرائيلي، قبل تصويت يوم الأحد 13 يونيو/حزيران، على تشكيل حكومته، بأن "تجديد الاتفاق النووي مع إيران خطأ" لا يجب أن يحدث، وأضاف مؤكداً أن "إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، وستتمسك بحريتها الكاملة في التصرف حيال ذلك"، مستخدماً كلمات مشابهة لتلك التي لطالما استخدمها نتنياهو وأعضاء حكومته في مناسبات مختلفة.
"الاتفاق النووي" ما زال مرفوضاً في إسرائيل
يُذكر أن عمليات التخريب واغتيال الخبراء وشن الهجمات ضد المشروع النووي الإيراني استمرت بقيادة الموساد، حتى بعد انتخاب بايدن وانطلاق مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي. وقد أشار الرئيس الجديد لجهاز الموساد، ديفيد بارنيا، إلى أن هذه التكتيكات لا تزال مطروحة على الطاولة للاستخدام.
وقال بارنيا في الخطاب الذي ألقاه في 1 يونيو/حزيران، بمناسبة توليه منصب رئيس الموساد: "الاتفاق النووي المحتمل مع القوى العظمى لا ينحو إلا إلى مزيدٍ من تعزيز شعورنا بالعزلة [عن تلك القوى] في الموقف من تلك القضية".
وشدَّد بارنيا على أنه إذا ما استمرت إيران في برنامجها النووي، "فإنها ستواجه الموساد بكامل قوته". وفي إشارة عامة إلى مساعي إيران النووية، لوَّح بأن إسرائيل لديها ردود عديدة محتملة، قائلاً إن الموساد "على دراية تامة بمكونات البرنامج المختلفة، والمسؤولين المنخرطين فيه، وكذلك أولئك الذين يصدرون إليهم الأوامر بكيفية إدارة العمل".
لكن من جهة أخرى، فإن بينيت أبدى إمكانية التفكير في محاولة التأثير في بعض بنود الاتفاق الجديد مع إيران، على خلاف نتنياهو الذي عارض مجرد التفكير في الأمر. إذا حدث ذلك واستجاب الاتفاق الجديد لبعض المطالب الإسرائيلية، فقد تقل المعارضة الإسرائيلية للاتفاق.
وعلى صعيد التوجه العام للحكومة الجديدة حيال الولايات المتحدة، اتفق بينيت وشريكه الرئيسي يائير لابيد، على أن إسرائيل ستعمل على إبقاء الخلافات العامة مع الولايات المتحدة في حدِّها الأدنى، والابتعاد عن الموقف العدائي الذي اتبعته الحكومة الإسرائيلية في ظل إدارة أوباما، وفقاً لشخص مطلع على المفاوضات، تقول الصحيفة الأمريكية.
وتماشياً مع هذا الاتجاه، أشارت مصادر إلى أن بينيت يفكر في استبدال جلعاد أردان، سفير إسرائيل الحالي لدى الولايات المتحدة وأحد حلفاء نتنياهو السياسيين منذ فترة طويلة، والاستعاضة عنه بأحد المقربين من رئيس الحكومة الجديدة.