تختصر طائرات الركاب الأسرع من الصوت وقت الرحلات إلى النصف، فمثلاً تستغرق الرحلة من نيويورك إلى لندن 3.5 ساعة بدلاً من 7 ساعات، لكن توقف استخدام مثل هذه الطائرات بعد رحلة كونكورد الأخيرة في عام 2003.
إذ أصبحت كونكورد غير عملية من الناحية المالية بعد حادث تحطم كبير في عام 2000، إلى جانب أسعار التذاكر المبالغ فيها، وارتفاع استهلاك الوقود، وتكاليف الصيانة المرتفعة.
والآن تسعى بعض الشركات إلى إعادة طائرات الركاب الأسرع من الصوت إلى الواجهة مجدداً وجعلها عملية وقابلة للاستخدام التجاري.
ومن بين هذه الشركات، شركة Venus Aerospace، وهي شركة أمريكية ناشئة تسعى لتصميم طائرة فضائية تفوق سرعتها سرعة الصوت عدة مرات، لتكون طائرة ركاب فائقة السرعة، بما يمكن الناس من السفر إلى أي مكان حول العالم في غضون ساعة واحدة فقط.
وهناك شركة Boom Technology (الاسم التجاري Boom Supersonic) هي شركة أمريكية تصمم طائرة أسرع من الصوت بسرعة ماخ 1.7 (1800 كم/ساعة)، لحمل 55 راكباً. تمت تسمية الطائرة باسم Boom Overture، ومن المقرر أن يصل مدى الطائرة إلى 7870 كم وسيتم تقديمها في عام 2030.
تقرير لشبكة CNN الأمريكية عرض أبرز المعوقات التي تواجه عملية إنتاج وتصميم طائرات الركاب الأسرع من الصوت، وقدم نصائح لها خاصة لشركة Boom Technology.
يقول التقرير: "لو أرادت شركة Boom Technology نجاح طائرات الركاب الأسرع من الصوت الأسرع من الصوت التي تعمل عليها، فسوف يعتمد ذلك على التغلب على هذه المشكلات التي أدت إلى إخراج طائرة الكونكورد عن مسارها".
كسر حاجز الصوت.. عليكم بالمقدمة والمحركات
يُطلَق على الرحلات الأسرع من الصوت هذا الاسم؛ لأنَّ الطائرات تخترق حاجز الصوت، الأمر الذي يتطلب تصميماً ديناميكياً فعالاً لتقليل قوة السحب، وتوليد قوة دفع كبيرة من المحركات القوية للتغلب على الاضطرابات التي تسببها موجات الصدمة.
يتطلب كسر حاجز الصوت أيضاً محركات تستهلك الكثير من وقود الطائرات، وهو أحد عيوب كونكورد الرئيسية، الذي أصبح أكثر إثارة للجدل في السنوات الأخيرة فقط. لذلك يجدر التوقع من شركة Boom، التي هي في مرحلة النموذج الأولي لتطوير المقدمة، تركيز تصميماتها على زيادة كفاءة استهلاك الوقود.
ومن المرجح أن تختار الشركة -التي يوجد مقرها في ولاية كولورادو الأمريكية- بين محرك نفاث عنفي (توربوجيت) ومحرك عنفي مروحي (توربوفان). وينتج المحرك النفاث العنفي كل قوة دفعه من غاز العادم عندما يتحرك بسرعات أعلى. في حين يستمد المحرك العنفي المروحي معظم قوته من كمية الهواء التي يسرعها بواسطة شفرات المروحة. وتحدد كمية هذا الهواء "نسبة التجاوز" -أو نسبة الالتفافية- للمحرك.
تعد المحركات المروحية العنفية ذات نسبة الالتفاف الأعلى أكفأ في استهلاك الوقود من المحركات النفاثة. إلى جانب أنَّ سرعة العادم المنخفضة تجعلها أهدأ، لكنها تميل إلى أن تكون أكبر؛ مما يؤدي إلى سحب أعلى عند السرعات التي تكسر حاجز الصوت. وطغى هذا العيب الخاص بقوة السحب على كفاءة المحركات المروحية في الطائرات الأسرع من الصوت لفترات طويلة في الماضي.
قد يتمثل الحل الوسط الجيد في استخدام محركات مروحية عنفية منخفضة الالتفاف مع جهاز حارق لاحق، الذي يضخ وقوداً إضافياً لزيادة قوة الدفع المتاحة زيادة كبيرة، وهو شائع الاستخدام في الطائرات العسكرية. واستُخدِم هذا المحرك في الإصدارات المبكرة من طائرة ركاب أخرى أسرع من الصوت، وهي الروسية "توبوليف تي يو 144″، لكنها كانت غير فعّالة للغاية بسبب حاجتها إلى مواصلة تشغيل أجهزة الحرق اللاحق للحفاظ على الرحلة أسرع من الصوت.
وساهم الجهاز الحارق اللاحق من طراز "تي يو 144" أيضاً في حدوث ضجيج كبير في المقصورة، إذ يصدر صوتاً مرتفعاً عند 90 ديسيبل -أي تقريباً نفس الصوت الناتج عن مجفف الشعر- الذي يتجاوز حدود السلامة التنظيمية. بينما لا تحتاج محركات الكونكورد التوربينية إلى أجهزة الحرق اللاحق إلا عند الإقلاع واختراق حاجز الصوت، مما يحسِن من استهلاكها للوقود ويُقلِّل ضوضاء المقصورة أثناء القيادة الفائقة.
ضوضاء طائرات الركاب الأسرع من الصوت.. تصميم ديناميكي محسن
يمكن للضوضاء الهائلة التي تشبه الرعد التي تحدث عندما تخترق طائرة ما عبر حاجز الصوت أن تسبب أضراراً للهياكل.
نظراً للضوضاء التي تولدها، لا يُسمَح للطائرات الأسرع من الصوت بالتحليق فوق الأرض. لكن يمكن رفع هذه القيود من خلال التصميم الديناميكي الهوائي مُحسَّن. على سبيل المثال، يأمل البحث الذي أجرته وكالة ناسا في برنامجها X-59 QueSST لتطوير تقنية سرعة فوق صوتية صامتة، في إنتاج أشكال مُحسّنة لهيكل الطائرة التي يمكن أن تقلل بدرجة كبير من دوي حاجز الصوت عند البر إلى "جلبة" أقل إزعاجاً – تصل إلى 75 ديسيبل بدلاً من 105 ديسيبل لطائرات الكونكورد.
يمكن أن يوفر الحصول على الديناميكا الهوائية الصحيحة الفرصة لاستخدام مواد مُركَّبة حديثة وخفيفة الوزن لتمكين الوصول إلى نسبة قوة إلى وزن أفضل، وربما يلغي الحاجة إلى استخدام الجهاز الحارق اللاحق عند الإقلاع.
وقود طائرات مستدام.. المشكلة في أسعاره
تروج شركة Boom أيضاً لاعتماد طائراتها بأنها صديقة للبيئة. ويتضمن جزءٌ من صفقةٍ عقدتها مع شركة United Airlines الأمريكية لبيع 50 من طائراتها، التعاون في إنشاء مصدر موثوق لوقود الطيران المستدام. وسيفيد هذا في نهاية المطاف الطائرات الأخرى في أسطول United Airlines والصناعة ككل، التي يُنسَب لها حالياً نحو 2.8% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من احتراق الوقود الأحفوري.
يشمل وقود الطائرات المستدام الوقود الحيوي والكيروسين الاصطناعي اللذين يصنعان باستخدام مواد متجددة ومستدامة. وغالباً ما يشار هنا إلى انخفاض مثير للإعجاب بنسبة 80% في دورة حياة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. بيد أنَّ هذا لا يعني بالضرورة انبعاثات أقل ضرراً من المحرك.
وتتوافق هذه الأنواع من الوقود المستدام مع وقود الطائرات التقليدي؛ مما يعني أنه لن تكون هناك حاجة إلى استحداث تغييرات في البنية التحتية لتزويد المطارات بهذا النوع من الوقود أو تصميم المحركات على نحو يسمح بإدخالها، وهو عامل حاسم في استهلاكها. لكن هذه الأنواع من الوقود باهظة الثمن؛ لأنَّ المواد الخام اللازمة لإنتاجها غير متوفرة على نطاق واسع. ويبلغ إجمالي كمية وقود الطيران المستدام المستخدمة حالياً 0.1% فقط من إجمالي الوقود المُستهلَك في الهواء. وتُقدِر التوقعات أنَّ هذه النسبة لا بد أن ترتفع إلى ما بين 1.4% و3.7% حتى يصبح هذا الوقود مجدياً اقتصادياً.
التكلفة.. للأغنياء أم للركاب العاديين؟
تحمل شركة Boom نظرة متفائلة مستقبلية إزاء قدرتها على التغلب على تحديات كفاءة استهلاك الوقود بحلول الوقت الذي تبدأ فيه طائرتها في نقل ركاب نظير أموال في عام 2029. ويبدو أنَّ أسعار هذه الرحلات ستكون مرتفعة، مع توقعات من شركة Boom بأن يصل سعر المقعد إلى 3500 جنيه إسترليني (4930 دولاراً). في عام 1996، تقاضت الخطوط الجوية البريطانية نحو 5350 جنيهاً إسترلينياً -ما يعادل 8800 جنيه إسترليني بأسعار اليوم- مقابل تذاكر الذهاب والإياب من نيويورك إلى لندن.
وهذا يعني أنه، مثل كونكورد من قبلها، يبدو أنَّ طائرة Boom Overture الأسرع من الصوت تستهدف سوق المنتجات الفاخرة، بعيداً عن متناول ركاب درجة رجال الأعمال. ومن المحتمل أن يرتادها فقط أولئك الذين يسافرون حالياً على متن طائرات خاصة، والذين قد تغريهم ادعاءات Boom بأنها شركة تصنيع طائرات مستدامة.
ومن ثم، في حين أنَّ طائرات الركاب الأسرع من الصوت قد تعود إلى سمائنا بحلول نهاية العقد الجاري، فإنَّ أقرب تجربة يمكن لمعظمنا أن يحظى بها هو عندما تنطلق هذه الطائرات بدويها الأسرع من الصوت المميز فوق رؤوسنا.