نشرت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تقريراً حول تطورات المشهد السياسي في إسرائيل وسيناريوهات تشكيل الحكومة، وذلك "في ظل حالة من عدم اليقين" ستمتد حتى اللحظة الأخيرة التي تحتاج فيها الحكومة إلى أداء اليمين الدستورية، الكثير من التخطيط الاستراتيجي، بحسب الصحيفة.
وقبل أيام أُعلن عن تشكيل الائتلاف الحكومي بين كل من يائير لابيد ونفتالي بينيت، الذي سيُعرض على "الكنيست" في 13 يونيو/حزيران الجاري.
حسب هذا الائتلاف سيتناوب لابيد، زعيم حزب "هناك مستقبل"، ونفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" على رئاسة الحكومة التي ستضم أحزاباً يمينية ووسطية ويسارية، و"القائمة العربية الموحدة" (4 نواب)، برئاسة منصور عباس.
في حال منح "الكنيست" الثقة لهذه الحكومة (بأغلبية 61 نائباً)، فستُنهي 12 عاماً من حكم نتنياهو، كأكثر رئيس وزراء إسرائيلي بقاءً في السلطة، وسيكون بينيت الأول الذي سيترأس الحكومة حتى 27 أغسطس/آب 2023، ثم سيترأس لابيد الحكومة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
أجندة ضبابية لدى الحكومة الإسرائيلية المرتقبة
وحول تناقضات المشهد السياسي في إسرائيل، تقول صحيفة "جيروزاليم بوست" إنه في 13 مايو/أيار، نُقِل عن مصادر مقربة من رئيس حزب "يمينا" نفتالي بينيت قولها إنه "نتيجة للقتال مع حماس، وأعمال شغب من فلسطينيي الداخل لن ينضم بينيت إلى الائتلاف المناهض لنتنياهو، المدعوم من رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس".
ثم بعد ثلاثة أسابيع وقَّع بينيت اتفاقاً ائتلافياً مع عباس ويائير لابيد، حيث قد تفوز الحكومة الجديدة في تصويت الكنيست حول منح الثقة الأسبوع المقبل.
بمعنى آخر، بين ليلة وضحاها تحول اليميني بينيت من شخص قال إنه لن ينضم إلى الحكومة المناهضة لنتنياهو، إلى الرجل الذي سيقودها في العامين الأولين من ولايتها.
وبحسب الصحيفة، من المستبعد جداً، بسبب حالة عدم اليقين الشديد، أن يكون لديه فرق تعمل على مدار الساعة لوضع خطط لما يريد تحقيقه خلال الأشهر الثلاثة الأولى له في المنصب؛ فحتى وقت قريب جداً لم يكن يعلم أنه مَن سيكون موجوداً في المنصب خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحكومة الجديدة، والطريقة التي يعمل بها النظام الإسرائيلي تحول دون هذا النوع من التخطيط الشامل.
المشاكل الدقيقة قد تكون مهمتها أصعب على حكومة بينيت- لابيد
كما أنه يحول دون الكثير من جدول الأعمال للأيام المئة الأولى؛ فكيف يمكنك وضع جدول أعمال إذا كنت لا تعرف حتى اللحظة الأخيرة أي الأحزاب ستكون في الائتلاف؟
تتساءل الصحيفة: لكن دعونا ننسى المشكلات الأساسية لمدة دقيقة، ماذا عن تلك المشكلات الأصغر والعادية؟ كيف يختار المرء مديراً عاماً، وسكرتيراً لمجلس الوزراء، ومستشاراً للأمن القومي، وكبار مستشاري السياسة الخارجية والاقتصاد، إذا لم يكن أكيداً ما لو سيصبح بالفعل رئيساً للوزراء؟
ويُزَج بدور رئيس الوزراء في وجه بينيت في اللحظات الأخيرة إلى حد ما؛ لذا سيتعين اتخاذ هذه القرارات بسرعة، وأثناء العمل في المنصب.
ويوضع الكثير من الطاقة والجهد في إسرائيل في محاولة تشكيل حكومة، حتى إنَّ أسئلة مثل كيف سيدير رئيس الوزراء الحكومة فعلياً، وما النتائج الفورية التي يأمل في تحقيقها، تتعرض للتهميش.
وفي تصريحات صدرت خلال الأسابيع الأخيرة، لم يتحدث لابيد ولا بينيت عن رؤى أو استراتيجيات فخمة عندما يصلون إلى مناصبهم، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ الاختلافات الأيديولوجية الواسعة بين القراصنة الثمانية المكونين للائتلاف تمنعهم من محاولة السعي لتحقيق أهداف كبرى.
وبدلاً من ذلك، كان التركيز في تصريحاتهم على الاكتفاء باستعادة الهدوء الصناعي، وجعل الوزراء يذهبون إلى وظائفهم ويتعاملون مع القضايا الموكلة إليهم -النقل والتعليم والسياحة والإسكان والرعاية الاجتماعية- دون كل الاقتتال السياسي والدراما والمكائد التي ميزت الوضع في إسرائيل منذ سقوط آخر حكومة مستقرة، في ديسمبر/كانون الأول 2018.
هل يصمد الائتلاف الحكومي المتباين بقوة؟
تقول جيروزاليم بوست، إن الحكومة ستحتاج إلى أن تكون أولى مهامها هي استعادة ثقة الجمهور فيها، وقدرتها على التعامل مع القضايا الداعمة للدولة على أساس يومي تعاملاً هادفاً ومسؤولاً.
وأول محطة تبدأ منها هي تمرير الميزانية، وهو شرط أساسي مسبق لحكومة تؤدي وظائفها بكفاءة. وستقطع هذه الخطوة شوطاً طويلاً في إعطاء المواطنين الإحساس بأنَّ الوزارات تعمل من أجل مصالحهم.
وستكون المهمة الرئيسية الثانية هي إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، من المحتمل أنه في غضون أسابيع من أداء اليمين الدستورية، سيطير بينيت إلى الولايات المتحدة لحضور أول اجتماع له في البيت الأبيض.
في حين أنَّ مكتب رئيس الوزراء يدير عادةً العلاقة مع الولايات المتحدة إدارة تقليدية، لكن أخذ نتنياهو ذلك إلى مستوى مختلف تماماً؛ ما أدى فعلياً إلى تهميش وزارة الخارجية، بوصفه لاعباً بارزاً في التعامل مع واشنطن.
وبسبب الهيكل الفريد لحكومة بينيت-لابيد، وتولي لابيد منصب وزير الخارجية في العامين المقبلين، ثم توليه منصب رئيس الوزراء، فإن الطريقة التي كانت تُدار بها العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال مكتب رئيس الوزراء برئاسة نتنياهو قد تتغير، مع احتمال أن يأخذ لابيد دوراً أكبر، ويمكن أن يعود ذلك بمنافع له بحسب الصحيفة ذاتها.
وسأل نتنياهو الجمهور، في خطاباته، مراراً وتكراراً، خلال الأسابيع القليلة الماضية عمّا إذا كان يمكن الوثوق ببينيت أو لابيد في الوقوف في وجه بايدن عندما يتعلق الأمر بإيران وبناء المستوطنات والقدس، بحسب تعبيره.
الحكومة الجديدة وإرث العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية
ومع ذلك، فإنَّ السؤال ذاته يكشف عن عقلية المواجهة؛ التي تفترض الحاجة إلى الصدام. ربما هناك طرق أخرى لإدارة تلك القضايا، وصحيح أنَّ نتنياهو لديه علاقة مدتها 40 عاماً مع الرئيس الأمريكي، وهو أمر "جاء لصالح إسرائيل" كما يقول نتنياهو، لكنه يجر خلفه الكثير من الحِمل السلبي.
ومن المؤكد أنَّ بينيت يحمل علامة تأييد الاستيطان واليمين المتشدد، وهو أمر لن يحبه جناح بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز في الولايات المتحدة، وكافة التيار التقدمي لدى الحزب الديمقراطي الحاكم.
لكن لابيد ليس مُثقلاً بنفس الخلفية السلبية، وقد يكون قادراً على إيجاد آذان مصغية بين الديمقراطيين الذين يعارضون نتنياهو بشدة بسبب مواجهته العلنية مع الرئيس باراك أوباما، بشأن الصفقة النووية الإيرانية.
ويرجح أن يحمل أولئك الممثلون الذين لديهم حساسية تجاه نتنياهو موقفاً سلبياً مسبقاً من بينيت، بسبب المواقف المؤيدة للضم والمؤيدة للاستيطان التي عبر عنها في الماضي، ومع ذلك قد يكونون أكثر تقبلاً للابيد.
ولكي ينجح ذلك، سيحتاج بينيت ولابيد إلى تغيير نموذج إدارة العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية عمّا كان عليه طوال السنوات الـ12 الماضية، والعمل بانسجام -وهما من خلفيات متباعدة- وهو الشرط الأساسي والأهم إن أرادت هذه الحكومة الصمود حتى خلال الأيام الـ100 الأولى لها، فهل تنجح في ذلك؟