خبر صغير أثار ضجة كبيرة، هذا ما حدث حين أعلنت الحكومة المصرية منذ أسابيع أنها بصدد سحب ملايين من عربات "التوكتوك" الصغيرة بشكلها المميز ذي العجلات الثلاثة، واستبدالها بسيارات صغيرة أيضاً تشبه الـ "ميني فان".
الخبر تسبب في شيوع حالة من القلق لدى الملايين في مصر سواء ممن يملكون "التوكتوك" أو يقودونها مقابل أجور كبيرة قياساً بمستوى الدخول في مصر، إضافة إلى ترقّب المتعاملين مع هذه العربات التي يرون أنها الحل المثالي لمشاكلهم في التنقل، إذ توفر توصيلة سريعة وخفيفة بسعر مقبول، من وجهة نظرهم.
بحسب القرار الصادر برقم 139 لسنة 2021، تم تشكيل لجنة لوضع الآليات التنفيذية لمشروع إحلال سيارات بديلة للتوكتوك التقليدي، في غضون شهرين على الأكثر، وهو ما أثار الفزع خصوصاً أن هذه المركبة ذات الثلاث عجلات التي يطلق عليها الكثيرون "تاكسي الغلابة"، يتم الاعتماد عليها كوسيلة مواصلات رخيصة داخل الأقاليم والمدن والقرى، ويرتكز مئات الآلاف عليها كمصدر دخل رئيسي لهم بعيداً عن "وجع الرأس" الذي يجلبه العمل الحقيقي أو مواجهة البطالة.
وفي وقت برَّر في المسؤولون هذا القرار بأنه عملية "إعادة المظهر الحضاري ومحاربة للعشوائيات"، كان رأي البعض أن هذا ليس هو السبب الحقيقي، بل إن وراء القرار استفادة مادية معينة لجهات بعينها، خصوصاً أن عملية الاستبدال لن تتسبب في محاربة العشوائيات كما هو معلن، بحسب رأي هؤلاء.
"عربي بوست" حاول تقصي حقيقة هذا القرار، والجهات المستفيدة منه وتأثيره على ملايين الأسر المصرية.
السبب المعلن: محاربة العشوائيات
تمحورت تصريحات المسؤولين المصريين حول إعادة المظهر الحضاري للمدن المصرية، ومحاربة العشوائية التي يسببها التوكتوك بشكله وطريقة قيادته الحالية، فضلاً عن تسببه في القضاء على حِرَف تركها أصحابها طمعاً في دخل مادي أكبر بقيود أقل، ما أدى إلى انتشار الجرائم.
لكن تصريحات المسؤولين لم تتطرق إلى مصير ملايين الأسر الفقيرة التي تعيش منه وعليه، وكم تتكلف خطة الاستبدال؟ومن سيعوض الشركات المستوردة لقطع غيار التوكتوك والمصنعة لها عن الخسائر التي ستتكبدها والتي تنتج ما يقرب من 65% منها، فضلاً عن خسائر الوكلاء وأصحاب معارض البيع وقطع الغيار والصيانة.
الأمر فتح الباب للتكهنات بأن المشروع الجديد لا يستهدف إعادة المظهر الحضاري وإنما بوابة خفية لإنعاش ما وصف بأنه "بيزنس" سيارات الميني فان، الذي تستفيد منها جهات بعينها، كما قال أحدهم لـ"عربي بوست" إن "الحكومة كل ما تتزنق تمد إيديها في جيوب الغلابة".
الإنتاج الحربي والميني فان
بالفعل تواصل "عربي بوست" مع مصدر مطلع داخل الحكومة المصرية، والذي أكد بدوره أن هناك تنسيقاً مع وزارة الإنتاج الحربي لتجميع سيارات "الميني فان" في مصر.
وأشار المصدر إلى أن مصانع الانتاج الحربي ستدخل في مجال السيارات الكهربائية بمختلف أنواعها، من أتوبيسات النقل الداخلي التي تعمل بالكهرباء، والأوتوبيسات التي تعمل بين المحافظات، ومنها سيارات "ميني فان" الصغيرة التي سيتم طرحها كبديل للتوكتوك.
وقال المصدر إن حظر التوكتوك يحتاج إلى تعديلات تشريعية، موضحاً أن القانون رقم 121 لسنة 2008، يعترف بالتوكتوك كوسيلة مواصلات، وهناك قرار من مجلس النواب عام 2014، أصبح بموجبه التوكتوك مشروعاً قانونياً، ومن ثَم تم العمل على ضرورة ترخيصه، وتم ترخيص البعض بالفعل، وهذه التشريعات جعلت لمالك التوكتوك المرخص موقفاً قانونياً لا يجوز المساس به.
مشروع غير ناجح
أبدى المصدر المسؤول بالحكومة المصرية اعتراضه على استبدال التوكتوك بميني فان قائلاً: "قرار خاطئ جملة وتفصيلاً ولا أعرف لماذا الإصرار على ذلك".
وأشار إلى أن السيارات الصغيرة "الميني فان" لا تختلف كثيراً عن عربة التوكتوك، والأهم من ذلك أن التجربة باءت بالفشل عندما تم تطبيقها في بعض القرى والنجوع.
هذا الإصرار من الحكومة جعل المهندس محمد سعد الصمودي، عضو مجلس النواب عن دائرة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، يتقدم بطلب إحاطة لرئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة منذ أيام بشأن القرار الصادر بإحلال سيارات بديلة للتوكتوك التقليدي.
وأشار إلى أنه يوجد أكثر من 5 ملايين توكتوك في مصر توفر فرص عمل ومصدر رزق لحوالي 5 ملايين أسرة بطريقة مباشرة، وأكثر من 10 ملايين أسرة بطريقة غير مباشرة، تتمثل في معارض بيع التوكتوك، ومحلات بيع قطع الغيار وورش الإصلاح والصيانة.
وقال إن تنفيذ هذا القرار سوف يكون له العديد من الآثار السلبية والعواقب الوخيمة والأضرار الاقتصادية والاجتماعية على معظم المجتمع المصري من أصحاب المهنة الرسميين وغير الرسميين وكذا المستخدمين، الأمر الذي يستلزم سرعة التدخل لإعادة النظر في تنفيذ هذا القرار لمراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي وتبعات هذا القرار.
وكان اللافت عجز الحكومة عن حصر عدد التوكتوك، وهو ما ظهر جلياً في تضارب التصريحات الرسمية حول الأعداد. فبحسب بيانات صادرة عن مجلس الوزراء، فإن أعداد التوكتوك في مصر بلغت 4 ملايين سيارة، المرخص منهم 226.7 ألف توكتوك فقط، ليصبح غير المرخص 3 ملايين و780 ألف توكتوك تقريباً.
في حين تقول وزارة التنمية المحلية إن عدد تلك المركبات المرخصة يصل إلى 255 ألف توكتوك، وفقاً لإحصاءات عام 2020، بينما صرح المستشار نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء، بأن 10% فقط من سيارات التوكتوك في مصر مسجل، والباقي يمارس نشاطه في الشوارع والأزقة دون أي التزام تجاه الدولة من ضرائب وتأمينات ويخلق مشكلات أمنية كبيرة وعندما يتم ارتكاب جريمة بتوكتوك غير مسجل يصعب الوصول إليه.
نجلاء سامي (نقيب سائقي التوكتوك) علقت على السجال الدائر حالياً بقولها إنه لا يوجد إحصاء رسمي بعدد التكاتك ولا العاملين عليها، لكنها تشير إلى أن عدد التكاتك يشهد زيادة يومية ويزيد عن 4 ملايين، وهناك ورديتان لكل توكتوك، مما يعني أن هناك ثمانية ملايين أسرة تعيش على دخله.
الجرائم.. مشاكل التوكتوك المستمرة
لكن نجلاء رفضت الرد على سؤال لـ"عربي بوست" حول المشاكل الكثيرة التي ظهرت في المجتمع بسبب التوكتوك، قائلة إنها مجرد مشاكل فردية بسيطة.
لكن عبر النظر في وسائل الإعلام يظهر أن كلامها غير دقيق؛ إذ تنشر وسائل الإعلام باستمرار أخباراً تتعلق بجرائم وحوادث بطلها التوكتوك، سواء شارك فيها أو كان ذاته هدفاً للسرقة بسبب عدم ترخيصه.
ومؤخراً أثارت صورة توكتوك يسير على قضبان داخل محطة للقطارات في مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية، السخرية على جميع مواقع التواصل لما تؤكده من غياب الرقابة وتسلل تلك المركبة داخل محطات السكك الحديدية.
كما قامت محكمة الجنايات قبل أيام بتحويل سائقي توكتوك إلى المحاكمة، نظراً إلى أنه أثناء مزاح السائقين على الطريق أدى إلى حشر طفلة كانت تسير مع والدتها بين حديد التوكتوك، ما أدى ذلك إلى بتر ساقها والتسبب في عاهة مستديمة.
سائقو التوكتوك يرفضون سيارات الميني فان
خلال جولة لـ"عربي بوست" في مناطق ينتشر فيها "التوكتوك"، في محافظتي القاهرة والجيزة، منها مناطق الزيتون والأميرية والهرم والسادس من أكتوبر والتجمع الأول، تباينت الآراء بين الموافق على القرار الحكومي والرافض له، لكن اللافت أن الكثيرين منهم لا يثقون في أن القرار منبعه الحرص على مصلحة المواطن.
أحمد علي (32 سنة) قرَّر أن يكون التوكتوك مصدراً ثانياً للرزق يعول به أسرته، منذ اشتراه قبل سبعة أعوام، حيث يخرج من منزله كل يوم من الصباح الباكر في حي الزيتون بوسط العاصمة إلى "الجراج" الذي يبيت فيه التوكتوك. ينظفه جيداً، ويطمئن أن ضغط الهواء في عجلاته متوازن ثم ينطلق باحثاً عن زبائن.
على ظهر التوكتوك، كتب أحمد بعد القرار الوزاري: "رضينا بالهم والهم مش راضي بينا"، تعبيراً عن غضب ملايين المصريين الذين يعيشون تحت وطأة ظروف اقتصادية قاسية.
يعبر الثلاثيني عن رفضه لفكرة شراء سيارة "ميني فان" كبديل للتوكتوك قائلاً: "لن يوافق أصحاب التوكتوك على استخدام تلك السيارات، نظراً لتكلفتها، واستهلاكها المرتفع للوقود، وغلاء قطع الغيار والصيانة الخاصة بها، فمن سيشتري سيارة يحتاج الى قرض يتم سداده على 7 سنوات وعليه أن يدفع أقساطاً شهرية تصل إلى 2000 جنيه أي أن سعره سيصل إلى أكثر من 165 ألف جنيه بينما هناك توكتوك مستعمل يتراوح سعره من 10 إلى 20 ألف جنيه ويدر أرباحاً أكثر".
التوكتوك يوفر 250 ألف فرصة عمل وإيرادات 10.8 مليار جنيه شهرياً
في تعليقه على مصير التوجه الحكومي الجديد بشأن التوكتوك، قال حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية وخبير البلديات الدولية بالجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا لموقع الأهرام، إن ملف التوكتوك في مصر اقتصاد موازٍ لابد من الاستفادة منه، لأنه يوفر 250 ألف فرصة عمل سنوياً، ويدخل حوالي 10 مليارات و800 جنيه شهرياً لـ4 ملايين سائق، باعتبار أن يكون متوسط الدخل صافي 120 جنيهاً لكل توكتوك يومياً، فبذلك مجمل الإيرادات الصافية لأصحاب التكاتك في المحافظات يبلغ 360 مليون جنيه على أقل تقدير، وعدد الركاب الذين يستقلون التوكتوك يومياً 28 مليون راكب في المحافظات.
كما يرى أستاذ الإدارة المحلية أن التوكتوك أدى إلى انهيار الصناعة الحرفية في مصر بسبب اتجاه الأغلبية العظمى منهم للعمل عليه، إلا أنه أصبح الآن وسيلة مواصلات أساسية في بعض الأماكن، ولا يستطيعون الاستغناء عنه حالياً.
لقمة العيش أهم من البيئة
أما منذر، وهو شاب في أواخر العشرينات، فتهكم على الحوافز التي تقدمها الحكومة قائلاً إنها "ضحك على الذقون".
وأضاف: "نحن لا نهتم بأن المركبة تعمل بالغاز الطبيعي وصديقة البيئة، وليس هناك ضامن لوضع إعلانات على المركبة توفر للسائق عائداً مادياً يمكن أن يسدد من خلاله أقساطها، وحتى كونها مرخصة وآمنة لا يهم فئات كثيرة تعيش اليوم بيومه"، كاشفاً عن أن غالبية سائقي التوكتوك في المنطقة الذي يعمل بها لديهم سوابق وقضايا، ولن تسمح الحكومة بحصولهم على ترخيص لقيادة السيارة الجديدة، وهو ما سيلقي بهم لأحضان الجريمة مجدداً.
وقال إن السيارات الجديدة لن تتمكن من السير في الأحياء الشعبية ذات الطرق الضيقة غير الممهدة في محافظات كثيرة والتي ستدمر المركبات الجديدة، كما أنها ستحتاج إلى مواقف خاصة في الشوارع الرئيسية، مما سيزيد من التكدس المروري في الشوارع، على حد قوله.
يعمل سمير الحاصل على بكالوريوس تجارة على توكتوك عقب الانتهاء من عمله كمحاسب في شركة مياه حكومية لمدة عشر ساعات يومياً، يستطيع خلالها الدخول إلى الأماكن الضيقة والوعرة والمسافات القصيرة، وغالبية زبائنه من كبار السن والموظفين، ينقلهم من مواقف الميكروباص إلى محال سكنهم، ويتقاضى أجراً يومياً يصل إلى 200 جنيه، بينما لا يزيد دخله الشهري من الوظيفة الحكومية عن 2000 جنيه تمثل الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة العام الماضي.
حاول سمير مناقشة موضوع استبدال التوكتوك بعقلانية، فقال إن الميني فان ستكون أجرتها أكثر من أجرة التوكتوك، وسيعزف الزبائن عنها بالتأكيد، كما أنها لن تكون سريعة وصغيرة تستطيع العمل في الحواري والأزقة الضيقة مثله.
ويرى أن المشكلة هي "عشوائية القرارات"، فالحكومة لم تعلن إلى الآن آليات الاستبدال، وهل ستساوي الإصدارات الحديثة بالقديمة، وكيف سيتم تسعير التوكتوك فهل ستساوي بين موديل 2018 وسعره 55 ألف جنيه بموديل 2007 وسعره 15 ألفاً فقط؟
لكن سمير يعترف في المقابل بأن هناك سائقين غير مؤهلين للقيادة، ومنهم بلطجية ينشرون الفوضى في الشوارع، ومنهم أطفال، لكن الحل من وجهة نظره في ترخيص التوكتوك وليس في حظره.
أسئلة إلى الحكومة
يطرح الشاب الثلاثيني أسئلة تبدو منطقية إلى الحكومة، أولها من سيعوض السائقين عن الأيام التي ستكون بين سحب التوكتوك وتسليم الميني فان؟
وماذا لو تم وضع خط سير العربات الجديدة؟ فالإقبال على التوكتوك يأتي من كونه يوصل الزبون من الباب للباب، في وقت قصير وبعيداً عن الزحام وبأسعار رمزية حسب الاتفاق وبعد المشوار، وتتراوح من خمسة جنيهات إلى خمسين جنيهاً.
يستكمل الشاب تساؤلاته قائلاً إن السيارة "الميني فان" حسب إعلان الحكومة حمولتها سبعة ركاب، "فهل سأذهب المشوار بفرد واحد يدفع لي خمسة جنيهات أم أنتظر تجميع السبعة؟ وكيف أقوم بتوصيل كل منهم إلى بيته؟".
ويتساءل الشاب عن آلية التمويل للمركبات الجديدة، حيث إن الخطة تقترح بشكل عام، سحب التوكتوك من أصحابه ومنحهم سيارة صغيرة الحجم "ميني فان"، وفي ظل عدم وجود جدارة ائتمانية لدى أغلب العاملين على تلك المركبات، فضلاً عن انخفاض مستويات أعمارهم، فإن مسألة التمويل والحصول على قروض لن تتوافق مع ظروف الكثيرين.
ويتهم الشاب الحكومة بأنها لا تفكر في مصلحة الشباب وتهتم بمصلحتها، متسائلاً: لماذا سمحت الحكومة ببيع التوكتوك وتداوله في مصر إذا كانت ستقرر في يوم من الأيام حظره؟ وكيف سيتم تعويض مئات الآلاف من الشباب عن المبالغ الكبيرة التي دفعوها ثمن هذه المركبة؟ وهل الحكومة ستوفر لهم فرص عمل بديلة في حال سحب التوكتوك غير المرخص؟ وماذا ستفعل الحكومة بكل هذه الملايين من المركبات التي ستجمعها؟ وهل سيتم إعادة تدويرها، أم تخريدها والتخلص منها؟ وماذا عن أصحاب محال قطع الغيار والعاملين في مصانع تجميعها في مصر؟
ويختتم حديثه: "الحكومة مش خايفة علينا وحجتهم الجرائم المنتشرة بسبب التوكتوك والتي بالمناسبة لا أنكرها، لكني أشعر أن الموضوع كله جمع فلوس مثلما حدث في الماضي مع التاكسي الأبيض وحزام السيارات وحقيبة الإسعافات والمثلث وهكذا".
480 مليار جنيه كلفة الاستبدال
ألقى أصحاب معارض التكاتك التي تحدث إليهم "عربي بوست" باللوم على الحكومات المتعاقبة التي تركت التوكتوك يتوغل في الشوارع المصرية لمدة 16 عاماً دون أي ضوابط لتنظيم حركته إلا مؤخراً، لكن استفاقتها جاءت متأخرة واستئصاله كما يقول هؤلاء له نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة.
وأكد بعض أصحاب معارض البيع أن سعر التوكتوك المستعمل تحدده حالته أولاً، ثم سنة الصنع، ويتراوح بين 10 و30 ألف جنيه، أي أنه يمكن تقدير متوسط سعر التوكتوك الواحد بـ20 ألف جنيه، بينما يبلغ متوسط سعر السيارة "الميني فان" 120 ألف جنيه، أي أنها تعادل سعر ستة تكاتك، وبالتالي فإن إحلال 4 ملايين سيارة ميني فان بدلاً من التوكتوك سيتكلف حوالي 480 مليار جنيه فمن سيدفعها؟
يقول محمد عيد، صاحب معرض لبيع التكاتك، بالشارع الجديد بشبرا الخيمة، إن قرار الحكومة منع التوكتوك "خراب بيوت مستعجل"، فالتجار لديهم تكاتك وقطع غيار في المخازن تقدر بملايين الجنيهات، فمن يعوضنا عن الخسائر؟ وماذا لو رفضت الشركة صاحبة التوكيل تحمل الخسارة معي؟ وقتها سيكون مصيرنا السجن".
ويضيف أن هناك مصانع عديدة تقوم على تصنيع التوكتوك بلغ عددها 5 مصانع، أكبرها مصنع مجموعة "جي بي أوتو" الذي يمتلك حصة سوقية تتجاوز 50%، علاوة على المصانع التي تقوم بتصنيع قطع الغيار والصناعة المغذية لهذه المركبة، والتي تبلغ حوالي 15 مصنعاً، تشمل عمالة كبيرة، فهناك استثمارات بالملايين في مكونات التوكتوك (يتم إنتاج 65% محلياً وتتجاوز المكونات المستورة 35% مثل المحرك والشاسيه الذي يحمل المركبة، وفقاً لغرفة الصناعات الهندسية).
يتوقع التاجر أن تتراجع الحكومة عن قرارها، كما فعلت في السابق، قائلاً بصوت منخفض: "فيه حيتان كبيرة تقف وراء تلك المركبات، بل إن هناك أفراد شرطة وأمناء اشتروا منه عدداً من التكاتك تعمل لحسابهم بالمدن الجديدة"، على حد تعبيره.
الحكومة تحتاج 40 عاماً لاستبدال 4 ملايين توكتوك
على الجانب المقابل، هناك فئة قليلة رحبت بفكرة استبدال التوكتوك بالميني فان لتقنين وضع السائقين، ومحو الصورة السلبية والنظرة الدونية التي يتعامل بها المواطنون معهم، حيث يعتقد الكثيرون أن سائقي التوكتوك كلهم بلطجية وأصحاب سوابق. لكن المضحك أن هناك من يهلل للقرار قائلاً: "أخيراً مش هندفع رشاوى لأمناء الشرطة!".
وحتى لحظة كتابة التقرير، هناك ارتباك بين المسؤولين الذين تحدث إليهم "عربي بوست" عن الخطة الحكومية في التعامل مع التوكتوك المستعمل والجديد.
وقال مصدر حكومي إن هناك اقتراحاً للتصدير كقطع غيار إلى الدول التي تستخدم التوكتوك، لتقليل ما تتكبده الدولة من أجل عملية الإحلال والاستبدال أو تحويله إلى قطع غيار للدراجات النارية "الموتوسيكل".
لكن هشام، الخبير في مجال السيارات، أكد لـ"عربي بوست" صعوبة تصدير التوكتوك إلى الأسواق المجاورة لارتفاع تكلفته في السوق المصري، مقارنة بسعره في بلد المنشأ، لاسيما أن الدولة ستقوم بتصديره كمنتج مستعمل.
فيما كشف عضو رابطة مصنعي السيارات أن الطاقة الإنتاجية لتجميع وصناعة سيارات "الميني فان" في مصر لا تكفي لطرح ملايين السيارات كما تأمل الحكومة، وبالكاد تستطيع صناعة وتجميع ما بين 30 و40 ألف سيارة سنوياً، ما يعني أن الحكومة تحتاج 40 عاماً لاستبدال 4 ملايين توكتوك.
الملاحظ أنه منذ ظهور التوكتوك لأول مرة في شوارع مصر قبل نحو 16 عاماً، قادماً من الهند، أصبح مثار جدل ومناقشات اجتماعية وقانونية وأمنية في البلاد، وظهرت مشروعات قوانين للحد من خطورته، بعد أن فرض نفسه على المجتمع.
ولا يعد القرار الأخير هو التحرك الأول من نوعه تجاه منظومة "التوكتوك" في مصر، إذ أعلن مجلس الوزراء، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقف إصدار تراخيص جديدة لعربات التوكتوك لفترة مؤقتة، "حتى يتسنى الحد من الظواهر السلبية التي نتجت عن الانتشار غير المنضبط لها". وهو القرار الذي تبعته تحركات من وزارة التنمية المحلية والمحافظات لبدء تقنين المركبة.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، صدر أول قرار رسمي من الحكومة بإلغاء التوكتوك، حيث أصدر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، توجيهاً نهائياً بإلغاء "التوكتوك"، واستخدام سيارات صغيرة آمنة مرخصة مثل "الميني فان"، وكلف وزارة المالية والجهات المعنية بالعمل على تنفيذ هذه الخطة الجديدة للاستغناء عن التوكتوك نهائياً في غضون ثلاث سنوات. وهو التوجيه الذي لم ينفذ على أرض الواقع بسبب أزمة كورونا وما تبعها من آثار اقتصادية وتغير في الأولويات.
وبالفعل بدأت بعض المحافظات في اتخاذ خطوات لتقنين عمل التوكتوك، لكنها فشلت وتوقفت فجأة، لعدم وجود قاعدة بيانات دقيقة وتفصيلية لخريطة "التوكتوك" في مصر، وعدم وجود خطّة للتعامل مع العاملين في هذه المنظومة غير الرسمية، التي تُضم فئات عمرية متنوعة وملايين الأسر التي تعتمد عليها باعتبارها مصدر الدخل الوحيد لها.