كان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد رمزاً للحماسة الثورية لإيران، ولكن اليوم يعتبره البعض واحداً من أهم مكامن الخطر على النظام الإيراني بشكله الحالي.
ويتذكّر الجميع فترة حكم محمود أحمدي نجاد كرئيس لإيران، منذ عام 2005 وحتى عام 2013، بفضل حماسه الأيديولوجي وسياسته الخارجية العدائية وخطابه الناقم على الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولكن منذ رحيله عن المنصب، استغل نجاد مهاراته في التحريض الشعبوي ضد نظام الحكم الإيراني. وبلغت حملته الأخيرة ذروتها الشهر الجاري حين سجّل من أجل الترشّح للرئاسة مرةً أخرى، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وكما هو متوقع، جرى استبعاد أحمدي نجاد من الترشح في النهاية. لكن هذا الاستبعاد يُعَدُّ انتصاراً بالنسبة للرئيس السابق. إذ لم يرغب في الفوز بالرئاسة العام الجاري؛ لأنّ خطته تنص بوضوح على أن يُمنع من الفوز حتى يُقدّم نفسه كضحيةٍ لنظامٍ غير عادل في أساسه.
وضمت القائمة النهائية المرشحين للرئاسة الإيرانية الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور 7 أسماء فقط من أصل 40 شخصاً قدموا أوراقهم للترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران المقبل.
ويُعَد المرشح الأوفر حظاً في القائمة النهائية، والتي نشرتها وزارة الداخلية، هو الرئيس الحالي للسلطة القضائية ورجل الدين المحافظ للغاية، إبراهيم رئيسي، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
واستبعد مجلس صيانة الدستور- وهو هيئة دستورية نافذة مُعيَّنة بشكل مباشر مع خامنئي ومُكلَّفة بفحص الانتخابات- أكثر من 580 شخصاً من السباق الرئاسي، بينهم علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وعيد وفضائح
وقبل استبعاده، هدد نجاد بالدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في حال رفض مجلس صيانة الدستور أهليته لخوضها.
بعدما لم تأت انتقاداته وتهديداته بشأن رفض ترشيحه بنتيجة، بدأ نجاد بالكشف عن بعض الأسرار، مشيراً إلى أن الهجوم الذي تعرض له مفاعل نطنز 11 أبريل/نيسان الماضي ترك خسائر بلغت 10 مليارات دولار.
وتحدث نجاد عن سرقة وثائق إيران النووية من منشأة "توقوزآباد". وكشف لأول مرة أنه تمت سرقة وثائق إيران الفضائية من مركز التحقيق الفضائي الإيراني.
وقبل استبعاده، كانت بعض استطلاعات الرأي تفيد بأن نجاد الأوفر حظاً لتولي الرئاسة الإيرانية حال دخوله الانتخابات.
هذا التحول لدى نجاد بدأ قبل نهاية فترته الرئاسية
ويُمكن بالطبع القول إنّ أحمدي نجاد بدأ تحوّله قبل عقدٍ من الزمن أثناء فترته الرئاسية الثانية، حسب مجلة Foreign Policy.
إذ بدأ الابتعاد عن معسكر الحكومة الإيرانية المحافظ، الذي يضم المرشد الأعلى، بسبب تفسيره للدعم المطلق الذي حصل عليه من آية الله علي خامنئي عقب انتخابات عام 2009 المزورة. حيث بدا أنّ أحمدي نجاد فسّر الأمر على أنّه ضوءٌ أخضر ليفعل ما يحلو له في المنصب. مما أسفر عن احتكاكٍ خطير بينه وبين الإدارة وكافة مراكز السلطة في إيران تقريباً، بما فيها القضاء والبرلمان والحرس الثوري وحتى خامنئي نفسه؛ إذ اتّهم على سبيل المثال الحرس الثوري بـ"التهريب"، واتّهم القضاء بانتهاك الدستور. كما عصى أمر خامنئي بعدم إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي، لكنه امتثل للأمر في النهاية.
لكن يبدو أنّ أحمدي نجاد لم يفكر جيداً في أنّ المعسكر المحافظ الذي قمع الحركة الخضراء من أجله سوف يفعل الشيء نفسه مع أي شخصٍ يُحتمل أن يُثير المتاعب.
وقرب نهاية فترته الثانية في المنصب عام 2013، قرّر أحمدي نجاد الحفاظ على قبضته على السلطة بتسليم الرئاسة إلى أحد أعضاء دائرته المقربة. ومنح كامل ثقله ودعمه لمحاولة مستشاره المقرب إسفنديار رحيم مشائي الترشح للرئاسة، لدرجة أنّه رافق مشائي إلى وزارة الداخلية أثناء تسجيل نفسه كمرشح.
وحين أدرك أحمدي نجاد أنّه لن يجد طريقاً للعودة إلى السلطة عبر النظام، قرر أن يُمهّد الطريق للالتفاف حول النظام.
انتقد الفساد ورفض دعم الأسد
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، تجاوز العديد من الخطوط الحمراء للنظام السياسي الإيراني، بدءاً بدعم احتجاجات عامي 2018 و2019، ووصولاً إلى الحديث عن "الفساد المُمنهج" في إيران، وانتهاءً بانتقاد تدخل البلاد في سوريا ضد إرادة الشعب السوري.
ووصل به الأمر إلى الزعم بأنّه لم تكُن له علاقةٌ بقمع احتجاجات الحركة الخضراء، واقترح بدلاً من ذلك أنّ "عصابةً منظمة" داخل النظام الأمني هي التي لجأت إلى العنف ضد الشعب.
وفي الوقت ذاته، بدأ في تقديم أداءٍ قوي على الشبكات الاجتماعية لتصوير نفسه على أنّه سياسي عصري يستخدم التقنيات الحديثة لتوصيل رسائل "السلام، والحرية، والعدالة" إلى العالم.
لهذه الأسباب هو سعيد بعملية استبعاده؛ لأن لديه خطة لوراثة المرشد
ويُمكن اعتبار استبعاد أحمدي نجاد من الترشح أنّه آخر حلقات حملته الطويلة لإعادة تقديم نفسه. إذ أدرك أنّه من المستبعد أن يُؤهله مجلس صيانة الدستور للترشّح العام الجاري. لكن هذا الرفض هو ما يريده تماماً، لأنّه سيفيده في إبراز صورته كرمزٍ مُعارض يسعى بلا كلل إلى إحداث تغيير، ولا يخشى مواجهة المؤسسة الإيرانية بشكلٍ مباشر.
ويُدرك أحمدي نجاد بلا شك أنّه من المستبعد أن يصير رئيساً مرةً أخرى، لكن طموحاته تتجاوز المنصب؛ إذ يبدو أنّه ينتظر فراغاً سياسياً سيحدث على الأرجح عند وفاة خامنئي (82 عاماً).
فوسط مشهدٍ ليست به معارضةٌ سياسية منظمة داخل البلاد، يرغب أحمدي نجاد في تولي دور الزعيم الوطني المعارض لمؤسسة الدولة.
ووفقاً لمستشار أحمدي نجاد السابق الذي صار الآن من أشد منتقديه، عبدالرضا دافاري، فإنّ الرئيس السابق يعتقد أنّ الجمهورية الإسلامية سوف تنهار بموت خامنئي. لكن على عكس مزاعمه التي تقول إنّه ديمقراطي ليبرالي، فإنّ البديل الذي يريده أحمدي نجاد للنظام السياسي الحالي سيكون شكلاً من أشكال الحكومة الإسلامية بدون أن تكون ولاية الفقيه أو المرشد الأعلى على رأسها.
يريد جذب خصومه السابقين
وحتى ينجح أحمدي نجاد، يجب أن يُوسّع قاعدته السياسية. وحالياً، يبدو أنّ الطبقة المتوسطة المتعلمة- قاعدة المعسكر الإصلاحي التقليدية- قد فقدت الأمل في العمل من داخل النظام السياسي بعد أن شهدت سجل الرئيس حسن روحاني المخيب للآمال والسلطات الواسعة التي يحظى بها المتشددون والأجهزة الأمنية. ويبدو أنّ هدف أحمدي نجاد هو كسب ولاء الطبقات الدنيا من المجتمع تدريجياً، وطبقة الشباب الأصغر من الناحية المثالية لأنّها لا تتذكر رئاسته، إلى جانب الحركة الخضراء التي يحاول استمالتها بتقديم وعودٍ بليغة بإقامة العدالة والحرية ومكافحة الفساد. والتاريخ يقول إنّ بإمكانه أن ينجح في النهاية في إعادة تقديم نفسه كبطلٍ للتغيير. إذ نجح الراحل آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق الذي أُقيمت ضده حركة الإصلاح عام 1997، في إعادة تقديم نفسه كداعمٍ للتغيير عام 2005 وزعيم إصلاحي في سنة وفاته عام 2017.
وأحمدي نجاد على حق؛ فهو ليس الشخص الذي عرفه العالم قبل بضع سنوات. فبعد أن كان مجرد رئيس متعصب أيديولوجياً ويفتقر إلى الخبرة، تحوّل أحمدي نجاد الآن إلى سياسيٍ مكيافيللي يعرف كيف يلعب على المدى البعيد. وسوف نعرف قريباً ما إذا كان قد حصد زخماً كافياً ليصعد به إلى القمة من جديد.