جاء إعلان مصر عن بدئها توسعة قناة السويس، ليثير تساؤلات منها: هل تؤدي هذه التوسعة فعلاً إلى منع تكرار أزمة "إيفرغيفن" كما تهدف القاهرة؟ وهل يجب أن تشمل هذه التوسعة حفر ممر ملاحي موازٍ جديد بطول القناة أم الاكتفاء بتوسعة الممر الملاحي القائم؟
في مارس/آذار الماضي، دخلت حركة التجارة العالمية في حالة فوضى بسبب إحدى السفن. فقد علقت سفينة الحاويات "إيفرغيفن"، التي يعادل طولها طول ناطحة السحاب الشهيرة في نيويورك "إمباير ستيت"، وتسببت في توقف الملاحة بقناة السويس المصرية. توقفت السفينة 6 أيام، وعطَّلت سلاسل الإمداد العالمية.
وفي محاولة لتجنب تكرار الحادث، أعلنت هيئة قناة السويس في منتصف شهر مايو/أيار، أنها بدأت أعمال التجريف؛ لتوسعة الجزء الجنوبي من القناة، حيث سدّت السفينة "إيفرغيفن" مجرى الملاحة.
تقرير لشبكة CNN الأمريكية عرض تفاصيل مشروع توسعة قناة السويس، وآراء الخبراء حول مدى قدرة عملية التوسعة على منع تكرار حادث مثل جنوح السفينة العملاقة "إيفرغيفن".
المدخل الجنوبي الذي جنحت به "إيفرغيفن" تم استثناؤه من مشروع القناة الجديدة.. لماذا؟
سبق أن كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية عن سبب استبعاد المدخل الجنوبي لقناة السويس الذي جنحت به السفينة "إيفرغيفن" من مشروع حفر تفريعة جديدة لقناة السويس الذي اقتصر على الجزء الشمالي والذي عُرف باسم قناة السويس الجديدة.
ويبلغ طول قناة السويس نحو 193 كم، فيما تضمَّن مشروع قناة السويس الجديدة حفر تفريعة جديدة لها (سماها الإعلام الحكومي قناة السويس الجديدة)، بطول 35 كم، بهدف تقليل زمن عبور السفن للقناة وزيادة قدرتها الاستيعابية من متوسط 67 سفينة يومياً إلى نحو 97 سفينة.
وبالتالي فإن قناة السويس الجديدة تعد ممراً ثانياً في الثلث الشمالي للقناة فقط بما يسمح بحركة مرور متزامنة في الاتجاهين على امتداد 35 كيلومتراً في القناة، غير أنها لم تكن مفيدة في الأزمة الأخيرة، لأن "إيفرغيفن" جنحت في الجزء الجنوبي من القناة، الذي ما يزال به ممرٌ واحدٌ فقط، على بُعد عدة كيلومترات من مدينة السويس في منطقة لا توجد بها تفريعات أو قنوات جانبية.
ولم تحفر الحكومة المصرية ممراً ثانياً في الجزء الجنوبي من القناة ضمن مشروع قناة السويس الجديدة، لأنها رأت أنه لا يستحق تكلفة الاستثمار الإضافية وفقاً لأحمد درويش، الرئيس السابق لمنطقة قناة السويس الاقتصادية، حسب صحيفة Wall Street Journal.
خطة توسعة قناة السويس
واليوم يبدو أن الحكومة المصرية تشعر بعد الأزمة بأن الجزء الجنوبي يحتاج أن ينال نصيبه من التطوير، ولكن هذا التطوير سيرتكز بالأساس على توسعة الممر الملاحي في الجزء الجنوبي، ومدّ القناة الموازية الواقعة في الشمال، لمسافة 10 كيلومترات فقط.
وسوف تجري توسعة المنطقة، التي يصل طولها إلى 30 كيلومتراً، لزيادة عرض الممر الملاحي بها بمقدار 40 متراً شرقاً وبعمق 22 متراً بدلاً من 20 متراً، وذلك وفقاً لهيئة قناة السويس.
تنطوي الخطط كذلك على مد المجرى الثاني القريب من البحيرة المُرة الكبرى لمسافة 10 كيلومترات، وهو المجرى الذي افتُتح في 2015، مما يسمح بوجود مجرى يسير في اتجاهين بطول 82 كيلومتراً.
وقالت هيئة قناة السويس في بيان صحفي، إن الهدف من أعمال التوسعة تعزيز كفاءة القناة واختصار وقت عبور الحاويات، بجانب زيادة الأمان الملاحي. ولكن لا تزال ثمة تساؤلات حول ما إذا كانت كل هذه الأعمال كافية لمنع توقف القناة مستقبلياً، حسب شبكة CNN .
هوس بحجم السفن الكبيرة
أصبح هناك هوس بمثل هذه السفن الهائلة الحجم، رغم أن حادثاً بهذا الحجم كان متوقعاً وتم تجاهل التحذيرات بشأنه، حسبما تنقل صحيفة The Guardian البريطانية عن محللين.
فعلى مدار العقد الماضي، وبعيداً عن أنظار معظم المستهلكين، كانت سفن الحاويات في العالم تتضخم بهدوء.
تضاعفت أحجام السفن خلال الفترة الماضية، وكانت السفينة التي تحمل 5000 حاوية شحن ضخمة قبل عقد ونيف من الزمان، اليوم أصبح هناك عشرات من المراكب الضخمة المحملة بما يزيد على 20000 حاوية.
كانت أسباب تضخم سفن الحاويات، خاصة خلال العقد الماضي، متعددة، منها التقدم التكنولوجي.
ولكن السبب الأبرز- كما يقول المحللون- هو ارتفاع أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ مما دفع شركات الشحن إلى السعي لتحقيق وفورات غير زيادة حجم السفن إلى أقصى حد.
وبحسب شركة تأمين الشحن Allianz Global Corporate and Speciality، زادت حمولة أكبر السفن على مدى 50 عاماً ماضية بمقدار 1500%، وتضاعفت في العقد الماضي وحده.
بإمكان أكبر السفن أن تحمل 24 ألف حاوية ويبلغ أقصى عرض لها أكثر من 60 متراً، أي يقترب عرضها من عرض ملعب كرة قدم. تأتي سفينة إيفرغيفن ضمن أكبر السفن حجماً حول العالم، والتي تشكل نسبتها نحو 1%، إذ يصل طولها إلى 400 متر (أي ما يعادل تقريباً 4 ملاعب كرة قدم)، فيما يبلغ عرضها 59 متراً. وتجدر الإشارة إلى أن حمولة السفينة تصل إلى 20 ألف حاوية، لكنها كانت تحمل 18 ألف حاوية فقط عندما تعطلت بالمجرى الملاحي في مارس/آذار.
تجادل شركات الشحن بأن السفن الأكبر تكون أعلى كفاءة في حمل كميات كبيرة من البضائع حول العالم، إضافة إلى أنها قادرة على عبور قناة السويس في الظروف العادية.
لكن "هامش السماح بالخطأ ضيقٌ للغاية"، حسبما يوضح ميركوجليانو. فإذا كانت هناك رياح قوية، مثلما حدث مع السفينة إيفرغيفن، أو إذا كانت الرؤية سيئة، فإن السفن الضخمة تواجه خطر الجنوح والتعطل.
تصوِّر حالة "إيفرغيفن" الانعكاسات المحتملة لتعطل المجرى الملاحي. في وقت توقفها بقناة السويس، قدّرت مجلة أخبار الشحن Lloyd's List قيمة البضائع التي كانت السفينة تنقلها يومياً بنحو 9.6 مليارات دولار. تستقبل قناة السويس نحو 12% من حجم التجارة العالمية، إذ تمر منها نحو 19 ألف سفينة سنوياً.
في حوار مع شبكة CNN، قال سال ميركوجليانو، المؤرخ البحري لدى جامعة كامبل في نورث كارولينا: "توسعة القناة تعد خطوة ذكية. التساؤل الذي لديَّ هو: إذا كنت ستوسع القناة، فهل سيزيد مشغلو السفن من حجم سفنهم؟".
هل تؤدي التوسعة إلى منع تكرار أزمة "إيفرغيفن"؟
سوف تساعد توسعة قناة السويس التي اقترحتها هيئة القناة في الحد من خطر تعطل السفن بالمجرى الملاحي، لكنها لن تتخلص كلياً من هذا الخطر، وذلك حسبما يقول إيوانيس ثيوتوكاس، الأستاذ لدى قسم الدراسات البحرية في جامعة بيرايوس باليونان.
يجب ملاحظة أن السفينة "إيفرغيفن" يبلغ طولها 400 متر، وهي جنحت بشكل عرضي في منطقة من القناة يبلغ عرضها 250 متراً، وزيادة عرض القناة بمقدار 40 متراً وفقاً لخطة توسعة قناة السويس التي أعلنت هيئة القناة، لن تمثل فارقاً مع مثل هذه الأحجام من السفن، لأن طول هذه السفن يظل أكبر من عرض القناة، وبالتالي يمكن نظرياً على الأقل أن تكرر حادثة الجنوح العرض الذي يسد مجرى القناة.
ويجعل هذا فكرة القناة الموازية أكثر عملية بدلاٌ من توسعة قناة السويس عرضياً.
يقول ثيوتوكاس في حديثه مع شبكة CNN: "توسعة قناة السويس لن تكون كافية أبداً إلا إذا افتُتح مجرى ثانٍ في الجزء الجنوبي". لكن ثيوتوكاس يعتقد أن سفن الشحن لن تزداد حجماً، ومن ثم ربما لن تكون هناك حاجة لمزيد من التوسعة.
ويضيف قائلاً: "زيادة حجم السفن تحتاج إلى استثمارات ضخمة في الموانئ لاستيعاب الأحجام الجديدة. ويمكن أن يتطلب مزيد من زيادة (الحجم) مزيداً من الاستثمارات"، وهو شيء ليس متاحاً بسهولة.
هل استفادت قناة السويس من الأزمة؟
لكن حادث سفينة إيفرغيفن أثارت نقاشات حول طرق بديلة. من المعروف أن الموقع الاستراتيجي لقناة السويس يعد سبباً رئيسياً وراء أهميتها ويعطي مصر ثقلاً استراتيجياً؛ بل كانت القناة سبباً رئيسياً بوقوعها في براثن الاحتلال البريطاني.
من دون القناة، سوف تحتاج سفن الشحن بين قارتي آسيا وأوروبا أن تسافر عبر طريق رأس الرجاء الصالح جنوب قارة إفريقيا. بعض السفن لجأت إلى هذا الخيار أثناء تعطل الملاحة في قناة السويس، مع أن هذا الخيار يستغرق وقتاً أطول من ضعف الوقت المستغرق في الوضع الاعتيادي.
يقول ثيوتوكاس: "ليس من قبيل المصادفة أنه بعد وقت قصير من حادث إيفرغيفن، أدلت روسيا بتعليقات حول جاذبية الطرق البديلة، وتحديداً الطريق البحري الشمالي". يمر هذا الطريق من ساحل القطب الشمالي الروسي، من بحر كارا وصولاً إلى مضيق بيرنغ.
وبعد هذه التعليقات، ضاعفت ثاني أكبر شركة شحن في العالم، وهي شركة MSC، من رهانها على الالتزام بتجنب الطريق البحري الشمالي لأسباب بيئية. وتجدر الإشارة إلى أن مرور سفن الشحن عبر القطب الشمالي يمكن أن يزيد من التلوث ويسهم في ذوبان جليد البحر.
يعتقد ثيوتوكاس أنَّ وضع قناة السويس سيظل قوياً بوصفها طريقاً تجارياً عالمياً.
ويقول: "شركات الشحن تكون مستعدة دائماً للتعامل مع المخاطر التي على شاكلة ما حدث مع إيفرغيفن". والتوسعة التي تنفذها هيئة قناة السويس سوف تجعل هذه الشركات أكثر راحة فحسب في التعامل مع المخاطر.
ويضيف: "توسعة القناة سوف تسهل عمليات الإنقاذ… وإن كانت لن تتخلص تماماً من خطورة تكرار الحادث".