حي "بطن الهوى" في قرية سلوان يمثل الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى، وتستهدف إسرائيل تهجير سكانه الفلسطينيين لصالح مستوطنين، كما هو الحال في حي الشيخ جراح.
وكانت خطط حكومة الاحتلال اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو لتهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين، ثم إغلاق منطقة باب العامود والاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى قد فجر الأوضاع وصولاً إلى حرب غزة التي انتهت بوقف إطلاق النار فجر الجمعة، 21 مايو/أيار الجاري.
واليوم الأربعاء 26 مايو/أيار اعتدت قوات الاحتلال على وقفة تضامنية منددة بمحاولات تهجير أهالي حي بطن الهوى في سلوان في القدس المحتلة، وهي الوقفة التي تم تنظيمها بالتزامن مع نظر محكمة الاحتلال المركزية في القدس في استئناف أهالي الحي ضد تهجيرهم.
ما قصة الأحكام الإسرائيلية بالتهجير؟
ترجع قصة تهجير السكان الفلسطينيين في أحياء القدس الشرقية المحتلة إلى خطط الاحتلال الإسرائيلي لهدم بيوتهم وبناء مستوطنات يهودية مكانها، إلى قرار اتخذته دولة الاحتلال عام 2001، بإعطاء جمعية استيطانية تدعى "عطيرت كوهنيم" حق التصرف في الأراضي الفلسطينية في أحياء القدس الشرقية.
وتزعم الجمعية اليهودية في القدس أن ملكية الأراضي قبل أكثر من قرن ونصف القرن ترجع إلى يهود، أي قبل إعلان إسرائيل دولة عام 1948، ومن ثم جاء قرار حكومة الاحتلال عام 2001 بإعطاء منظمة "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية حق إدارة تلك الجمعية اليهودية المزعومة، لتبدأ خطوات تنفيذ التهجير القسري للفلسطينيين وهدم منازلهم.
ورغم إقرار هيئة القضاة في المحكمة الإسرائيلية العليا بأن إجراءات منظمة "عطيرت كوهنيم" في الاستيلاء على الأرض قد شابتها عيوب، وأثارت أسئلة حول قانونية نقل الأرض إلى المنظمة اليمينية، إلا أن نفس المحكمة سمحت لتلك المنظمة بالاستمرار في إخلاء وتهجير الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح وحي "بطن الهوى" في سلوان.
وفي هذا السياق، كان وزير شؤون القدس فادي الهدمي قد حذّر من تداعيات إقدام الاحتلال على تنفيذ ما وصفها "بحملة تهجير وتطهير عرقي جديدة تطول مئات الفلسطينيين في حي بطن الهوى ببلدة سلوان"، وذلك قبيل انعقاد المحكمة الإسرائيلية للنظر في الاستئناف الذي تقدمت به عائلات فلسطينية على قرار طردهم من منازلهم هناك.
وقال الهدمي: "إلى جانب التهديد المحدق بإخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح فإن الخطر يتهدد أيضاً عشرات العائلات في حي بطن الهوى في سلوان"، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة الأهرام المصرية.
التهجير القسري في حي بطن الهوى يتهدد 86 عائلة، يزيد عدد أفرادها على 700 شخص، قسم كبير منهم من الأطفال والنساء، وإحلال مستوطنين إسرائيليين مكانهم، بحسب الهدمي، الذي أضاف: "تخطط السلطات الإسرائيلية لعملية تهجير عرقي واسعة بحي بطن الهوى، بهدف تهويد بلدة سلوان في إطار المخططات التي وضعتها جماعات استيطانية إسرائيلية بدعم من الأجهزة الحكومية الإسرائيلية المختلفة، وعلى المجتمع الدولي سرعة التحرك لمنع الاخلاء القسري للعائلات الفلسطينية واستبدالها بالمستوطنين الإسرائيليين".
أحياء مقدسية أخرى مهددة بالإخلاء
حي الشيخ جراح، والآن حي بطن الهوى في سلوان، وبحسب الهدمي الدور على على حي البستان أيضاً في سلوان، إذ أشار إلى أن الهدم يهدد أكثر من 100 منزل يقطنها 1550 فلسطينياً في حي البستان، مضيفاً: "نحذر من الخطر الذي يتهدد هذه المنازل بالهدم بعد أن رفضت بلدية الاحتلال المخططات الهندسية التي قدمها السكان كبديل عن الهدم".
"هدم هذه المنازل من شأنه أن يؤدي إلى تهجير سكان الحي قسرياً، وفي الوقت ذاته يمهد الطريق لتنفيذ مخطط استيطاني في المنطقة"، بحسب الهدمي، وهو ما يحذر منه الفلسطينيون في القدس وخارجها.
إذ أصبحت المعركة القضائية التي تعود إلى عقود حول مصير سكان حي الشيخ جراح، وحي بطن الهوى في سلوان، ثم حي البستان أيضاً، رمزاً للمحاولة الأوسع نطاقاً لإبعاد آلاف الفلسطينيين من مناطقهم الاستراتيجية في القدس الشرقية، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ونقل تقرير الصحيفة الأمريكية عن عبدالفتاح سكافي (71 عاماً)، وهو أحد الفلسطينيين الذين يواجهون محاولات الإخلاء، قوله: "لا يريدون عرباً هنا أو في أنحاء القدس الشرقية، يريدون طرد العرب، وبهذا سيتمكنون من تطويق البلدة القديمة".
وتسعى إسرائيل إلى تصوير تهجير الفلسطينيين من أحياء القدس الشرقية وإحلال مستوطنين يهود محلهم على أنها معركة قضائية حول ملكية الأراضي والمنازل، لكن خبراء قانونيين يرون أن ذلك الطرح الإسرائيلي لا علاقة له بالحقيقة، كون النزاع سياسي بالدرجة الأولى وقرارات محاكم الاحتلال تنفذ هذا المخطط السياسي.
ويؤكد هذه الحقيقة ذلك التناقض في القانون الإسرائيلي، إذ يسمح لليهود باستعادة ملكية الأرض التي أخلوها في 1984، لكنَّه يحرم الفلسطينيين من الحق في استعادة الممتلكات التي فرّوا منها في نفس الحرب.
ويعتبر الفلسطينيون والمؤيدون لهم أنَّ عمليات الإخلاء -جنباً إلى جنب مع القيود على تصاريح البناء، التي تجبر سكان القدس الفلسطينيين إما على مغادرة المدينة أو بناء منازل غير شرعية معرضة لأوامر الهدم- نوع من التطهير العرقي، حسبما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية.
سبب اندلاع حرب غزة ما زال قائماً
ومن المهم التوقف عند حقيقة هامة تتعلق بقرارات حكومة نتنياهو اليمينية، التي تسعى لاسترضاء المستوطنين المتطرفين الذين باتوا يمثلون القاعدة الانتخابية الوحيدة خلف نتنياهو الذي يحاكم بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة.
فقد أصدر نتنياهو قراراً الأحد، 23 مايو/أيار، برفع الحظر عن اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وهو الحظر الذي كان قد تم فرضه بعد اشتعال الحريق الأخير والحرب على قطاع غزة، وهو السبب الرئيسي الذي أدى إلى هبّة فصائل المقاومة للدفاع عن القدس -حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى- عاد مرة أخرى ليطلّ برأسه.
ورغم أن المحكمة الإسرائيلية في القدس قد أرجأت اليوم قرارها بشأن الاستئناف المقدم من العائلات الفلسطينية المهددة بالتهجير من منازلها في حي بطن الهوى بسلوان إلى وقت يحدد فيما بعد، قال أحد المهددين بالطرد من أمام المحكمة اليوم الأربعاء لقناة الجزيرة إن "تأجيل قرار المحكمة ما هو إلا محاولة لامتصاص غضب الفلسطينيين مؤقتاً"، مضيفاً أنه يتوقع إقدام قوات الاحتلال على محاولة تهجير الفلسطينيين بالقوة في أي وقت.
وهذا ما عبّر عنه الهدمي بقوله إن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، "لا تزال تضرب بالقانون الدولي والمواقف الدولية الداعية للتهدئة عرض الحائط، وذلك من خلال عدد من الاعتداءات بما فيها إغلاق حي الشيخ جراح بالمكعبات الأسمنتية للتضييق على السكان".
ففي الوقت الذي تسمح فيه شرطة الاحتلال للمستوطنين بحرية التحرك، تمنع الفلسطينيين من المرور، وعليه فهو ليس فقط احتلالاً إنما هو احتلال وفرض نظام فصل عنصري، فلقد حولت شرطة الاحتلال منطقة الشيخ جراح إلى ثكنة عسكرية، ما يضاعف من معاناة السكان الذين ما زالوا يخشون قرارات تهجيرهم من منازلهم".
وهو ما يتوقع أن تقوم به قوات الاحتلال أيضاً في بطن الهوى والبستان بقرية سلوان، ما يؤكد أن تهجير الفلسطينيين من أحياء القدس الشرقية يأتي في سياق استراتيجية إسرائيلية تستهدف تهويد المدينة المحتلة بالكامل وتطويق بيت المقدس (المسجد الأقصى) بحزام من المستوطنات اليهودية، ومن ثم قطع الطريق على محاولات إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، بحسب القوانين الدولية والقرارات الأممية. وهو ما يعني أن وقف إطلاق النار الحالي قد لا يدوم طويلاً هذه المرة.الخلاصة هنا هي أن التحركات السياسية الحالية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية والقوى الدولية والإقليمية، إذا لم تضغط على حكومة الاحتلال لوقف تهجير الفلسطينيين من الشيخ جراح وبطن الهوى والبستان بسلوان وغيرها من أحياء القدس الشرقية، فإن الأمور مهددة بالعودة إلى المربع الأول مرة أخرى.