خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، تصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس المشهد بفضل قراره بعقد انتخابات جديدة.
وبقي عباس في دائرة الضوء حتى بعد قراره المثير للجدل في أبريل/نيسان الماضي بتأجيل الانتخابات، بذريعة أنَّ إسرائيل رفضت الاستجابة لطلب الفلسطينيين بالسماح بالتصويت في القدس المحتلة.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية، فقد عباس اهتمام الفلسطينيين وكثيرين في المجتمع الدولي، الذين لم يعودوا يرونه لاعباً ذا صلة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بسبب الأحداث التي وقعت في القدس والمعركة الدائرة بين غزة وإسرائيل بحسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
لكن الاحتجاجات في شوارع القدس وداخل المسجد الأقصى صبت في صالح حركات المقاومة بسبب استجابتهم للشارع الفلسيطيني، فيما غاب عباس عن المشهد وخرج منه "بخفي حنين" ومنذ ذلك الحين، وجَّه المتظاهرون غضبهم ليس فقط تجاه إسرائيل، بل ضد عباس أيضاً.
وساهمت الأحداث في تحول الاحتجاجات إلى مسيرات مؤيدة لحماس، وقطاع غزة ردد خلالها العديد من الفلسطينيين شعارات مؤيدة للحركة وقادتها.
ويوم الخميس 13 مايو/أيار، قوبل عشرات الآلاف من المصلين الذين جاءوا إلى المسجد الأقصى للصلاة في اليوم الأول من عيد الفطر بأعلام كبيرة وملصقات لقادة حماس.
وفي وقت سابق، أدان المتظاهرون الفلسطينيون في شوارع القدس المحتلة والمسجد الأقصى محمود عباس ووصفوه بأنه "عميل أمريكي" و"شريك" لإسرائيل.
يضاف إلى ذلك أنَّ الحرب التي اندلعت هذا الأسبوع زادت من تقويض مكانة عباس بين الفلسطينيين، وبدأت الأنظار تلتفت إلى خصومه في حماس.
مرة أخرى، يصف العديد من الفلسطينيين عباس بأنه زعيم ضعيف وغير كفء، بينما يشيدون بقادة حماس بوصفهم أبطالاً لتنفيذ تهديدهم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل "دفاعاً عن الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى".
عباس الخاسر الأكبر
وفي الأيام القليلة الماضية، تحدث عباس مع عدد من قادة العالم، بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس.
وترأس عباس اجتماعاً للقيادة الفلسطينية في رام الله لبحث سبل إنهاء "العدوان" الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس المحتلة وقطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، أوعز إلى الممثلين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم بتكثيف جهودهم الدبلوماسية للضغط على إسرائيل لوقف ضرباتها العسكرية في قطاع غزة.
لكن هذا هو كل ما يمكن لعباس فعله في ظل الظروف الحالية؛ ولهذا السبب ليس من الواضح لماذا يضيع أي زعيم عالمي وقته في مناقشة طرق إنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس مع عباس.
ليس لعباس أي نفوذ على حماس أو أي من حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ولم تطأ قدمه قطاع غزة منذ عام 2007، وأدى قراره بتأجيل الانتخابات إلى توتر علاقاته مع حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
علاوة على ذلك، لا يشارك عباس والسلطة الفلسطينية مشاركة مباشرة في جهود مصر وقطر والأمم المتحدة لإنهاء الحرب. وفي المقابل، يُقال إنَّ قادة حماس في قطر ولبنان على اتصال بوسطاء عرب وغربيين بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة آخر مع إسرائيل.
وإدراكاً منه لشعبية حماس المتزايدة بين الفلسطينيين، لا يجرؤ عباس حتى على دعوة الحركة المسلحة لوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وفي الماضي، اعتاد عباس على السخرية من صواريخ حماس محلية الصنع، ووصفها بأنها "عقيمة" و"ضارة" بالفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة.
أما الآن، يوجه عباس انتقاداته لإسرائيل فقط على أمل إحراز نقاط تأييد في الشارع الفلسطيني. لكن هذه المحاولة لكسب قلوب الفلسطينيين وعقولهم لم تنجح حتى الآن.
التنسيق الأمني أبرز مشاكله
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية فإن الفلسطينيين غاضبون من عباس بسبب قراره إلغاء الانتخابات وفشله في مساعدة الفلسطينيين في القدس وقطاع غزة. كما أنهم مستاؤون منه بسبب التنسيق الأمني المستمر في الضفة الغربية بين قوات الأمن الفلسطينية وإسرائيل.
وقد يكون الصراع بين إسرائيل وحماس قد صرف الانتباه عن قرار عباس تأجيل الانتخابات، لكنه أظهر أيضاً أنه لم يعد لاعباً ذا صلة بالساحة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بما يحدث في غزة.
كل ما يستطيع عباس فعله الآن هو الأمل في ألا تنتشر الاحتجاجات إلى الضفة الغربية. وهذا قد يؤدي لتقويض حكمه وإزاحته من السلطة. ولهذا أصدر تعليماته لقوات الأمن الفلسطينية ببذل قصارى جهدها لمنع حدوث مظاهرات مؤيدة لحماس في الضفة الغربية.
ورغم تعرض حركات المقاومة لضربات عسكرية قاسية وقصف مستمر من إسرائيل، لكن لا يمكن التقليل من شأن الإنجازات السياسية التي حققتها بالفعل بين الفلسطينيين والعرب الآخرين، من خلال إغراق إسرائيل بمئات الصواريخ واستهداف أماكن حساسة داخل الأراضي المحتلة.
وعندما تنتهي الجولة الحالية من القتال، ستبرز حماس باعتبارها الرابح الأكبر و"المدافع" عن الفلسطينيين وكل العرب والمسلمين. بينما على الجانب الآخر، سيخرج عباس مرة أخرى بوصفه الخاسر الأكبر، بمظهر "الخائن" والزعيم "الفاشل".