خرجت الأمور عن سيطرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الداخل وفشلت محاولته نشر الجيش لاحتواء الموقف، ويبدو أنه لجأ للمستوطنين المسلحين، فمن هم؟
لليوم الرابع على التوالي واصلت إسرائيل هجماتها العنيفة ضد قطاع غزة المحاصر سعياً لإجبار الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية، دون أن يبدو في الأفق أي بوادر على نجاح تل أبيب في إجبار حماس على التراجع.
وكانت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية قد تفاقمت بسبب مواصلة الشرطة الإسرائيلية ومستوطنين متطرفون اعتداءاتهم على الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، وبصفة خاصة في منطقة "باب العامود" والمسجد الأقصى ومحيطه، وحي "الشيخ جراح"، حيث تريد إسرائيل إخلاء 12 منزلاً من عائلات فلسطينية وتسليمها لمستوطنين.
ويوجه منتقدو نتنياهو في الداخل والخارج اتهامات له بأنه تسبب عدما في إشعال الموقف أملاً في أن يساعده التصعيد في التشبث بمنصبه حتى يتفادى دخول السجن في حالة إدانته في القضايا التي يحاكم فيها حاليا، خصوصاً بعد فشله في تشكيل الحكومة وتكليف الرئيس الإسرائيلي يائير لابيد ونفتالي بينيت بتشكيلها وهو ما يجري حالياً.
نتنياهو يسعى للاستعانة بالجيش
لكن الواضح أن حسابات نتنياهو السياسية قد خانته هذه المرة بعد أن أدت الاعتداءات بحق المسجد الأقصى تحديداً إلى تأجيج مشاعر الفلسطينيين جميعاً، سواء داخل الأراضي المحتلة منذ 1967 أو داخل المدن الإسرائيلية، بعد أن خرج الآلاف في فلسطينيي الداخل في مظاهرات "نصرة للقدس والمسجد الأقصى".
وشهدت مدن مثل اللد اعتداءات من جانب المستوطنين والشرطة الإسرائيلية على المحتجين، ثم هجوم من إسرائيليين على مسجد في اللد، ما أدى لاشتعال الموقف وتحولت شوارع المدينة إلى ما وصفه الرئيس الإسرائيلي "بشوارعنا تشهد حرباً أهلية"، وسعى نتنياهو إلى محاولة احتواء الموقف الداخلي من خلال نشر الجيش داخل المدن لمساعدة الشرطة في السيطرة على الموقف المشتعل.
وأمس الأربعاء 12 مايو/أيار، بحث نتنياهو وقائد الشرطة يعكوف شبتاي إمكانية الدفع بلواء من الجيش إلى مدينة اللد (وسط)، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إن نتنياهو تحدث هاتفياً مع "شبتاي" المتواجد حالياً في اللد وبحث معه الأوضاع في المدينة.
وقالت نفس الصحيفة إن وزير الدفاع بيني غانتس رفض طلب نتنياهو إدخال الجيش إلى المدن، مضيفة أن اجتماع مجلس الوزراء المصغر المعني بالأمن السياسي (الكابينت)، الذي عُقد مساء الأربعاء، قد تناول التصعيد في قطاع غزة، وكذلك في القدس ومدن الداخل.
في الاجتماع، أعلن نتنياهو أنه يعمل على تعزيز التشريع الذي سيسمح باستخدام جنود الجيش الإسرائيلي لمساعدة الشرطة في الحالات القصوى، مشيراً في ذلك إلى ما شهدته مدينة اللد في اليومين الأخيرين، لكن غانتس قال إنه يعارض بشدة "جلب الجنود إلى شوارع إسرائيل".
وليس مسموحاً للجيش الإسرائيلي بالدخول إلى المدن وهو ما يضطر السياسيين إلى سن تشريعات جديدة تسمح له بالقيام بذلك.
نتنياهو يزور اللد ويعلن موقفه منها
وكانت مدينة اللد تحديداً قد شهدت انفجاراً خطيراً للأوضاع وأعلنت الحكومة الإسرائيلية مساء الثلاثاء 11 مايو/أيار فرض حظر تجول ليلي في المدينة اللد بعد أن تحولت شوارعها إلى ثكنة عسكرية، إثر مواجهات شديدة اندلعت على مدار يومين.
كما فرضت السلطات الإسرائيلية "حالة طوارئ خاصة" في اللد ونشرت قوات "حرس الحدود" التابعة للجيش الإسرائيلي، وذلك لأول مرة منذ انتهاء الحكم العسكري على المدن الفلسطينية المحتلة عام 1956. وأعلنت الشرطة إقامة مقر قيادة لـ"حرس الحدود" في المدينة تشمل "تشغيل نظام استخبارات تكنولوجياً واسع النطاق"، والاستعانة بوحدات تكتيكية تابعة لـ"حرس الحدود".
كانت السلطات الإسرائيلية قد فرضت، الليلة الماضية، "حالة طوارئ خاصة" في مدينة اللد، تصل إلى حد الإغلاق الشامل ومنع التجول، فيما نشرت 500 عنصر من قوات "حرس الحدود" التابعة للجيش الإسرائيلي.
وتصاعدت حدة المواجهات في اللد في أعقاب استشهاد الشاب موسى حسونة، الإثنين، برصاص متطرفين يهود؛ واعتداء قوات الأمن الإسرائيلي على المشاركين في جنازته خلال التشييع، الثلاثاء، وسط تصاعد تحريض مسؤولين ووسائل إعلام إسرائيلية على المواطنين العرب.
كما وصل نتنياهو إلى اللد، ودعا إلى "إعادة فرض حكم الدولة" وذلك باستخدام "القبضة الحديدية"، وقال إن "ما شاهدناه في المدينة يعبر عن الفوضى المطلقة، علينا استعادة السيطرة على المدينة"، وأضاف: "إذا لزم الأمر سنفرض حظر تجول في اللد ومناطق أخرى".
إلا أن عدداً كبيراً من المستوطنين المدججين بالسلاح ظهروا فجأة في شوارع المدينة وبدأوا في وضع علامات على منازل العرب الفلسطينيين في أحيائها استعداداً لمهاجمتها، في تذكير بما كانت تفعله العصابات المسلحة مثل الهجانة في فلسطين أيام الانتداب البريطاني مطلع القرن الماضي وحتى إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وما بعدها.
ميليشيات نتنياهو تنشر الفزع في اللد
ورصد تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني الصورة على الأرض في اللد، حيث يجوب أغلب شوارعها العشرات من المستوطنين المتطرفين مدججين بالسلاح وهاجم عدد كبير منهم مسجداً في المدينة قبل ساعات من فرض حظر التجول يوم الثلاثاء.
ويأتي ظهور المستوطنين المسلحين في اللد ليثير مرة أخرى العلاقة بين نتنياهو والمنظمات اليمينية المتطرفة مثل "لاهافا"، التي كانت أداة التصعيد الرئيسية في أحداث القدس المحتلة من حي الشيخ جراح إلى باب العامود إلى المسجد الأقصى، وذلك رغم الانتقادات التي وجهت لنتنياهو الساعي بأي شكل إلى التشبث بالمنصب.
إلا أن عدداً كبيراً من المستوطنين المدججين بالسلاح ظهروا فجأة في شوارع المدينة وبدأوا في وضع علامات على منازل العرب الفلسطينيين في أحيائها استعداداً لمهاجمتها، في تذكير بما كانت تفعله العصابات المسلحة مثل الهجانة في فلسطين أيام الانتداب البريطاني مطلع القرن الماضي وحتى إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وما بعدها.
وتسبب ظهور المستوطنين المسلحين أو تلك الميليشيات كما يصفها بعض المراقبين في وضع اللد في بؤرة الأحداث من ناحية، وفي زيادة وتيرة الانتقادات الموجهة لنتنياهو في الداخل من ناحية أخرى، في ظل تصاعد المخاوف من خروج الأمور عن السيطرة ليس فقط في اللد ولكن في جميع المدن الأخرى، حيث يواجه عرب إسرائيل أو فلسطينيو 1948 -وهم مواطنون إسرائيليون- خطراً داهماً من المستوطنين المتطرفين الذين يرفعون شعار "الموت للعرب".
ونقلت مراسلة Middle East Eye من اللد مشاهد مفزعة للمتطرفين المسلحين الذين يرتدي بعضهم ملابس تحمل أسماء وحدات في الجيش الإسرائيلي، يطلقون النيران بكثافة ويلوحون بالأعلام الإسرائيلية ويتوجهون نحو المسجد العمري في المدينة حيث تجمع عدد من الشباب الفلسطينيين.
وقال الفلسطينيون للموقع البريطاني إنهم يتوقعون أن تقوم "تلك العصابات الإسرائيلية" بالتخطيط لمهاجمة المسج، بينما قال أحد المسلحين الإسرائيليين للموقع إنه جاء إلى اللد "للاستقرار في منازل الناس الذين هجروها بسبب خوفهم من العرب"، مضيفاً أنه جاء مع رفاقه "ليجوبوا شوارع المدينة ويظهروا أنها مدينة يهودية".
وكان اسم "لاهافا" قد تكرر على الساحة السياسية في إسرائيل مؤخراً، وهي منظمة يمينية متطرفة كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتهمها بالعنصرية ونشر الأفكار الإرهابية، وتم بالفعل تقديم ثلاثة من قادتها للمحكمة الجنائية الإسرائيلية في القدس عام 2019، وكانت هناك محاولات لتصنيفها جماعة إرهابية بالفعل داخل إسرائيل، لكن نتنياهو تحالف في الانتخابات الأخيرة مع المستوطنين اليمينيين، ومنهم تلك الجماعة، سعياً للفوز بأغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة، وهو ما لم يتحقق.