تتصاعد الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة في وقت تشير فيه تقارير إلى رفض إسرائيل وقف إطلاق النار في الوقت الحالي رغم المناشدات الدولية، فيما تتمسك حماس بشروطها.
وعلى الرغم من الاتصالات المكثفة التي يجريها المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند وجهاز الاستخبارات المصرية، بين حركة "حماس" وتل أبيب، من أجل التوصّل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار المتبادل، الذي يُعدّ الأسوأ في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ عام 2017، فإنه لم يحدث تطور في اتجاه وقف إطلاق النار.
كما ذكرت مصادر دبلوماسية لوكالة فرانس برس وجود محاولة مصر وقطر اللتين سبق لهما أن توسطتا في النزاعات السابقة بين إسرائيل وحماس، لتهدئة التوترات، حسبما ورد في تقرير لموقع فرانس 24.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب أن "مصر تحركت بشكل مكثف" وأجرت اتصالات مع إسرائيل ودول عربية ذات علاقة من أجل التهدئة لكنها "لم تجد الصدى اللازم".
أمريكا تدخل خط الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية
وتأتي هذه التحركات في وقت حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جميع الأطراف على "خفض التصعيد وتقليل التوتر واتخاذ خطوات عملية للتهدئة".
وكشف موقع "axios" الإخباري، الأربعاء 12مايو/أيار 2021، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم إرسال مبعوث مع تصاعد المواجهات بين إسرائيل والفلسطينيين.
الموقع قال إنه من المتوقع أن يتوجه نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية هادي عمرو إلى تل أبيب الأربعاء.
من جانبه، تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وقال البيت الأبيض إن سوليفان ناقش "خطوات لإعادة الهدوء خلال الأيام المقبلة" مع المسؤولين المصريين، كما تحدث سوليفان مع نظيره الإسرائيلي مئير بن شبات.
أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فتواصل مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن بلينكن لم يمارس أي ضغوطات على تل أبيب لوقف الغارات على غزة، لكنهم أكدوا أن الولايات المتحدة لا تريد تصعيداً للأمور.
شروط حماس
يقول القيادي في حركة "حماس"، حماد الرقب، إنهم وضعوا ثلاثة شروط لوقف إطلاق النار: يتمثّل الأول في انسحاب الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين من باحات المسجد الأقصى، والثاني وقف كل الانتهاكات بحق أهالي حيّ الشيخ جراح في مدينة القدس، والثالث يتعلّق بإطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين الذين سجنتهم إسرائيل خلال "هبّة القدس" الأخيرة.
ويضيف الرقب أنه "في حال استمرت تل أبيب بممارسة الانتهاكات في القدس ولم تستجِب للشروط، فإن للمقاومة الحرية المطلقة في استخدام كل الوسائل القتالية للدفاع عن جميع الفلسطينيين".
وبحسب المعلومات الواردة، فإن مسؤولي الأمم المتحدة وجهاز الاستخبارات المصرية استلموا المطالب ذاتها من قيادة "حماس" في غزة والخارج، وعرضوها على إسرائيل، التي رفضتها، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع إندبندنت عربية".
وكشفت مصادر خاصة لقناتي "العربية" و"الحدث" الإخباريتين أن القاهرة أرسلت برقية عاجلة طالبت إسرائيل بوقف الغارات على قطاع غزة من دون شروط، وبضرورة الموافقة غير المشروطة على هدنة، كما أنها سترسل وفدين أمنيين خلال الساعات المقبلة من أجل التهدئة.
كما طالبت القاهرة في برقية بتجميد ما يحدث في حي الشيخ جراح لإنجاح أي هدنة خلال الأيام المقبلة ووقف الانتهاكات الخاصة بالمقدسات الدينية. كما طالبت بوقف الاستفزازات من قبل المستوطنين ووقف اقتحام المسجد الأقصى وضرورة وقف الاعتقالات التي تتم من دون أي مطالب.
رد إسرائيل
لم تنفِ إسرائيل وجود جهود مصرية وأممية من أجل وقف إطلاق نار في غزة ولكنها نفت تلقيها عرضاً محدداً من حركة "حماس" لوقف النار.
وقالت إسرائيل إنها مستعدة لوقف إطلاق نار ولكن فقط بعد أن تجعل حركة "حماس" تدفع ثمن إطلاقها مئات الصواريخ بما في ذلك على القدس.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن مسؤول سياسي إسرائيلي كبير: "إسرائيل لن تتفاوض على وقف لإطلاق النار قبل أن تدفع حماس ثمن هجماتها".
وقال المسؤول، الذي لم يكشف عن اسمه: "أطلقت حماس رشقات من الصواريخ، وبعد ذلك يريدون بالطبع وقف إطلاق النار، هذا مثالي بالنسبة لهم بحيث يتعين عليهم دفع ثمن إطلاق النار على القدس ثم 500 صاروخ".
واستدرك المسؤول الإسرائيلي: "سيكون هناك وقف لإطلاق النار عندما نكون مستعدين لذلك".
وكان مسؤولون إسرائيليون قالوا إن إسرائيل تنوي الاستمرار بالهجمات الجوية على أهداف لحماس والجهاد الإسلامي في غزة، ولكن دون الانجرار إلى عملية برية.
أفادت تقارير بأن إسرائيل طلبت من مصر أن تعمل لوقف إطلاق الصواريخ من القطاع. وأكدت تل أبيب تمسكها بنزع ملكية عدد من المنازل.
لماذا ترفض إسرائيل وقف إطلاق النار؟
من الواضح أن موافقة إسرائيل على شروط حماس في الوقت الحالي بعد انفضاض مظاهرة المستوطنين التي حاولت اقتحام الأٌقصى إثر قصف القسام للقدس، إضافة إلى الهجمات الصاروخية على تل أبيب، سيجعل الأمر يبدو في شكل انتصار مدوٍّ لحماس.
كما تعلم إسرائيل في الأغلب أن حماس مُصرّة على ربط معادلة وقف إطلاق النار بالأقصى والوضع في القدس، وهو ما سيعد هزيمة كبيرة أخرى بالنسبة لإسرائيل.
وبالتالي فقبول إسرائيل لشروط حماس في هذا التوقيت يعني هزيمتين.
لكن الواضح أن القادة الإسرائيليين يعلمون أنه في النهاية سيكون هناك وقف إطلاق نار لأنه استبعدوا عملية برية، وبالتالي خيار استئصال حماس الذي فشل مراراً من قبل ما زال مستبعداً، وفي الوقت ذاته، فإنه استمرار إطلاق الصواريخ من غزة يشلّ الحياة في إسرائيل، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر طويلاً.
وحتى لو حسّنت إسرائيل أداء القبة الحديدية في إسقاط الصواريخ، فإن هذا لن يمنع حالة الاستنفار في إسرائيل وهروب الناس للملاجئ.
كما أنه لو صاروخ واحد أفلت من القبة وأوقع خسائر بشرية كبيرة ستكون مشكلة لنتنياهو.
يعلم نتنياهو كل ذلك، وأنه سيتجه لتهدئة، ولكن المسألة بالنسبة له تكمن في الشروط والتوقيت، لتحسين صورته.
فيما يتعلق بشروط حماس، فيبدو أن الحركة هذه المرة متمسكة بالربط بين الوضع في القدس وغزة مهما كانت الخسائر، بالنسبة للحركة والقطاع فإن هذا هو الانتصار الحقيقي، قد لا يوافق نتنياهو بشكل كامل على هذا الأمر، ولكن قد يستجيب جزئياً، تاركاً المجال لمراوغة لاحقة.
ولكن قد يقبل نتنياهو بتخفيف ممارسات الاحتلال في القدس بطريقة تسمح بتمرير التهدئة، ولكن حتى لو تحقق ذلك، فإن نتنياهو يحتاج إلى أن يخرج أمام الإسرائيليين بأي نصر، ولن يبقى له سوى إطالة أمد الحرب قليلاً موسعاً دائرة الدمار في غزة، ليشفي غليل الغاضبين في اليمين الإسرائيلي وليبدو كرجل قوي أمام الناخبين، (رغم أن الجميع يعلم أن هذه الغارات لا تغير في التوازن العسكري شيئاً).
ولكن إطالة أمد الحرب قد يحمل في طياته في المقابل تنفيذ حركات المقاومة أي عمليات نوعية قد تحرج نتنياهو مجدداً.