يثير العدد المتزايد للشخصيات ذات الخلفية العسكرية التي أعلنت ترشحها أو يرجح أنها تعتزم المنافسة في الانتخابات الرئاسية في إيران، خشية من "عسكرة" الحيّز السياسي في الجمهورية الإسلامية.
وعلى الرغم أن ترشح شخصيات طبع الميدان العسكري مسيرتها العامة، ليس أمراً جديداً في إيران، إلا أن العدد المتوقع تقدُّمه لانتخابات 18 يونيو/حزيران، يفوق ما تم تسجيله في دورات سابقة.
يقول الصحافي أحمد زيد آبادي لوكالة فرانس برس، إن مشاركة "مرشحين يتمتعون بخلفية عسكرية ليست جديدة".
وسبق لضباط معروفين أن نافسوا في الانتخابات، مثل الأميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، أو اللواء محسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف أو سلفه علي لاريجاني اللذين كانت لهما تجربة في الحرس أيضاً.
إلا أن أياً منهم لم يفُز بمنصب الرئيس.
ويوضح حبيب ترشكاوند، الصحافي في وكالة "فارس" القريبة من التيار المحافظ، أن "أياً من هؤلاء المرشحين" لم يدخل المنافسة في وقت كان لا يزال "عضواً في قوة عسكرية".
تبدأ الثلاثاء 11 مايو/أيار 2021 ولمدة خمسة أيام، مهلة تسجيل الترشيحات للانتخابات الرئاسية 2021، ويتوقع أن تشهد "أطول لائحة (من المرشحين) ممن لديهم مسار عسكري"، وفق وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".
وعلى خلاف دورات سابقة حيث كان العسكريون خارج السلك بالكامل قبل الترشح، يعتزم بعضهم هذه السنة خوض المنافسة، رغم استمرار ارتباطهم بشكل أو بآخر، بالهيكلية العسكرية.
ومن هؤلاء، العميد سعيد محمد الذي قاد حتى مطلع مارس/آذار "مقر خاتم الأنبياء"، وهو ذراع اقتصادية للحرس الثوري تعنى بشؤون البناء والإعمار.
ورغم إعلانه استقالته من منصبه، يبقى محمد رسمياً مستشاراً لقائد الحرس.
اسم آخر يندرج في خانة مشابهة: وزير النفط السابق العميد رستم قاسمي الذي يشغل منصب معاون للشؤون الاقتصادية لقائد قوة القدس المرتبطة بالحرس.
"تبعات سلبية"
ولا يقتصر المرشحون من العسكريين على هذين الاسمين.
فالعميد حسين دهقان، وزير الدفاع خلال الولاية الأولى للرئيس حسن روحاني (2013-2017)، ومستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أصبح في أواخر 2020، من أوائل الذين أعلنوا عزمهم على الترشح للانتخابات.
تلاه عزت الله ضرغامي، الضابط السابق في الحرس الثوري الذي تولى أيضاً الإشراف على هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية، وصولاً إلى اللواء محسن رضائي.
ورغم أن شمخاني وقاليباف ولاريجاني لم يعلنوا نيتهم بعد، يتم التداول بأسمائهم ضمن الترشيحات المحتملة.
وسيكون على الراغبين بالترشح تقديم ملفاتهم إلى وزارة الداخلية، في خطوة يليها تولي مجلس صيانة الدستور دراسة الأسماء والمصادقة على المؤهلين منهم.
وأثار إقبال الشخصيات العسكرية على الترشح، جدلاً سياسياً في إيران.
ورأت صحيفة "جمهوري إسلامي" المعتدلة أن انتخاب "عسكري على رأس الحكومة" قد تكون له "تبعات سلبية".
أما النائب الإصلاحي السابق علي مطهّري الذي يُستبعد أن ينال مصادقة مجلس صيانة الدستور على ترشحه، فأجرى مقارنة مع أنظمة عسكرية "سابقة في تركيا وباكستان"، معتبراً أن هذين البلدين "ناضلا، مع صعوبات كبيرة، من أجل التحرر من الهيمنة العسكرية".
لكن دهقان، وفي ما بدا بمثابة رد على هذه المخاوف، انتقد البعض لـ"اعتقادهم بأن العسكر (بحال فوز أحدهم بالرئاسة) سيفرضون الأحكام العرفية ويقيّدون الحريات"، مشدداً على أنه "في إيران، لا إمكانية لعسكرة الدولة".
"رغبة شخصية"
وكان مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني، حضّ العسكر على "عدم التدخل في السياسة".
وشهد عهد المرشد خامنئي، تنامي دور الحرس الثوري واتساعه ليشمل المجالين السياسي والاقتصادي، ما يدفع محللين للاعتقاد بأن هذه المؤسسة باتت تتمتع بهيكلية موازية لدولة ضمن الدولة.
لكن المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي، يشدد على أن ترشح شخصيات عسكرية و"تدخل" العسكر في السياسة، هما أمران منفصلان.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي إن "القانون لا يمنع مشاركة العسكريين في الانتخابات"، بل "التدخل" فيها، موضحاً أن التدخل قد يكون بشكل إعلان "قوة عسكرية تسمية مرشح أو التصرف بشكل يغيّر نتيجة الانتخابات".
وزاد الحديث عن دور العسكريين في السياسة في الفترة الماضية، بعد تسريب تسجيل صوتي لوزير الخارجية محمد جواد ظريف في أواخر أبريل/نيسان، يتحدث فيه عن أولوية الميدان على الدبلوماسية في الجمهورية الإسلامية.
وأثار التسجيل جدلاً واسعاً وانتقادات لوزير الخارجية خصوصاً من المحافظين.
وأبدى ظريف أسفه لأن تصريحاته أثارت "قلق القائد الأعلى" خامنئي، وذلك بعدما اعتبر الأخير أن بعض ما ورد على لسان الوزير يشكّل "خطأ كبيراً".
وبعيد انتشار التسجيل، أعلن رضائي نيته الترشح، منتقداً ظريف ضمنياً.
في ظل الأخذ والرد، أكد قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، أن ترشح العسكريين قرار يعود لهم، وليس مدفوعاً من المؤسسة التي يرتبطون بها.
وقال في حديث للتلفزيون الرسمي في السادس من مايو/أيار، إن تقدم "أي من أفراد الحرس أو عسكري إلى انتخابات (يعبّر عن) رغبة شخصية".
ويرى الصحافي زيد آبادي أن منتقدي ترشح العسكريين "يخشون أن تؤدي رئاسة عسكرية إلى تمركز غير مسبوق للسلطة".
أما ترشكاوند، فيقلل في حديث لفرانس برس من شأن المخاوف، واضعاً إياها في إطار الانتقادات "ذات الغايات الانتخابية".
ويربط بين هذه الانتقادات، ومحاولة التأثير على التيار المحافظ الذي يبدو في موقع أفضلية بعد فوزه الكبير في الانتخابات التشريعية 2020، في ظل خيبة أمل الرأي العام من تحالف المعتدلين والإصلاحيين الداعم لروحاني.