عندما يلتقي رئيس أمريكا جو بايدن ورئيس روسيا فلاديمير بوتين – حال تم الاتفاق على مكان القمة المحتملة وأجندتها – سيكون العالم في انتظار نتيجة اللقاء الذي قد يمثل نقطة فاصلة ليس فقط في علاقات البلدين.
القمة المحتملة بين الرجلين سبقت الإشارة إليها الشهر الماضي خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي، والذي صرح بايدن بعده بأنه "حان وقت خفض التوتر مع روسيا"، وجاء الرد من موسكو "إيجابياً".
وفي الرابع من مايو/أيار الجاري قال بايدن إنه "يأمل ويتوقع" أن يعقد لقاء مع بوتين الشهر المقبل يونيو/حزيران، إذ سيقوم بايدن الشهر المقبل بالتوجه إلى أوروبا في زيارته الأولى كرئيس للولايات المتحدة لحضور قمة مجموعة الدول السبع في لندن في الفترة بين 11 و13 يونيو/حزيران، ثم يتوجه إلى بروكسل لحضور قمة الناتو يوم 14 يونيو/حزيران.
اللقاء الأول بعد وصف "القاتل"
وفي العادة تكون القمة بين روسيا والولايات المتحدة محل اهتمام العالم لكنها هذه المرة تحظى بأهمية خاصة ليس فقط بسبب التدهور الكبير في العلاقات بين موسكو وواشنطن ولكن أيضاً نتيجة للتلاسن الشخصي الخطير الذي حدث بين بايدن وبوتين خلال مارس/آذار الماضي وهو ما سيكون من الصعب تجاهله في أول لقاء يجمع بينهما.
فقبل حتى أن يتم تنصيب بايدن رسمياً، بدأ التوتر بين واشنطن وموسكو يأخذ شكلاً تصاعدياً سريعاً، حيث اعتقلت روسيا المعارض الأبرز لبوتين أليكسي نافالني وحاكمته وسجنته، فيما وصفه محللون وقتها بأنه رسالة مباشرة من بوتين إلى بايدن.
وتفجرت الأوضاع بشكل علني بين الرئيسين مباشرة في مارس/آذار عندما صدرت تصريحات عن بايدن وصف فيها بوتين بأنه "قاتل"، ورد بوتين بأن من يصف الآخرين بأنهم قتلة "فهو على الأرجح يصف نفسه"، وتبع ذلك استدعاء موسكو سفيرها في واشنطن.
لكن الشهر الماضي تبنى الرئيس الأمريكي لغة مختلفة بعد أن قال إنه "حان وقت خفض التوتر مع روسيا"، والآن تجري مناقشات بين البلدين للاتفاق على مكان القمة المحتملة بينهما وأجندة الملفات التي سيتم النقاش حولها.
أين سيجتمع بوتين وبايدن؟
وقبل التوقف عند الملفات المنتظر أن يناقشها الرئيس الأمريكي مع نظيره الروسي، يجب أولاً الاتفاق على مكان انعقاد القمة التي لن تنعقد في موسكو بطبيعة الحال، وقد نشرت مجلة Politico الأمريكية تقريراً مفصلاً عنوانه "الموقع الموقع الموقع: اختيار بقعة لعقد قمة بايدن-بوتين مهمة خادعة"، ويدل تكرار كلمة "الموقع" ثلاث مرات على مدى أهميته ودلالاته.
إذ بمجرد الاتفاق الشفوي بين بايدن وبوتين على أن يلتقيا وجهاً لوجه، بدأ التواصل بين المساعدين من الجانبين للاتفاق على مكان اللقاء وعرضت بالفعل بعض المدن كموقع محتمل لعقد القمة المنتظرة، منها هيلسنكي وفيينا وريكيافيك، لكن تحديد المكان هذه المرة تواجهه اعتبارات التاريخ وليس فقط الجغرافيا، بحسب تقرير المجلة.
وقالت جوليا فريدلاندر، مسؤولة سابقة في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، لبوليتيكو: "اجتماع كهذا يحتاج لكثير من التجهيزات ويشبه إلى حد كبير تصميم الرقصات. فلو كان هدف إدارة بايدن هو ضمان أن تفهم روسيا موقف أمريكا الرافض تماماً لسلوك موسكو، فإن منظمي القمة سيفكرون كيف يذكر التاريخ كل تفصيلة من ذلك اللقاء بما فيها موقع انعقاده".
الدولة التي ستستضيف القمة ستكون محط اهتمام عالمي، على الأقل لمدة 24 ساعة، وقد عرضت بالفعل ثلاث حكومات أوروبية استضافة اللقاء المرتقب وهي سويسرا والنمسا وفنلندا، وجميعها استضافت قمماً مشابهة من قبل، حيث إنها تعتبر "محايدة" لكونها ليست أعضاء في حلف الناتو.
شبح لقاء ترامب وبوتين
كانت هلسنكي قد استضافت القمة الأخيرة التي جمعت رئيسي البلدين، بوتين ونظيره وقتها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتسبب المؤتمر الصحفي الذي عقداه في انتقادات عنيفة لترامب من جانب الإعلام الأمريكي وصلت إلى حد وصف الرئيس السابق بأنه "تابع لبوتين"، وهذه النقطة تمثل شبحاً يخيم على القمة المحتملة بين بايدن وبوتين، بحسب تقرير Politico حول الموقع وتقارير وسائل إعلام أمريكية أخرى.
واستعاد تقرير لصحيفة The Washington Post تلك القمة الأخيرة، فعندما وقف ترامب إلى جانب بوتين في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد قمة هلسنكي بينهما في عام 2018، رفض ترامب اتهام بوتين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 وتحميله مسؤولية عن ذلك، ما أثار انتقادات شديدة في الداخل الأمريكي.
وأكد ديمتري ترينين، مدير مركز "كارنيغي" في موسكو، في حديثه للصحيفة أن هذه المسألة (قمة ترامب وبوتين) من المرجح أن يكون لها تأثير حاضر في ركنٍ ما من ذهن بايدن قبيل اجتماعه مع بوتين.
وأضاف ترينين: "إنها مثل ملاحظة (قاتل)، فهو سيتعين عليه أن يُبيَّن في ذلك المؤتمر الصحفي أنه ليس دونالد ترامب. ومن ثم، فهو لن يتوافق مع بوتين فيما يزيد على الحد الأدنى الذي يمكن تفسيره للشعب الأمريكي على أنه انتصار للدبلوماسية الأمريكية مع روسيا".
وبالمثل، سيكون شاغل بوتين الأول إظهارَ بلاده في هيئة العصيَّة على الخضوع، وجاءت إشارة إلى ذلك في خطابه عن حالة الأمة الروسية الذي ألقاه أمام البرلمان في أبريل/نيسان الماضي، إذ أصدر بوتين خلاله تحذيراً بدا أنه موجه لواشنطن والغرب: أي شخص يهدد روسيا "سوف يندم على ذلك أكثر من ندمه على أي شيء ارتكبه من قبل".
أما عن موعد القمة، فقد ذكرت صحيفة Kommersant الروسية، نقلاً عن مصادر لم تكشف عنها، أن البيت الأبيض اقترح يوم 15 أو 16 يونيو/حزيران لعقد لقاء مع بوتين في دولة أخرى، وأن النمسا وفنلندا قد عرضتا استضافة هذه القمة.
قال يوري أوشاكوف، مساعد بوتين، لوسائل إعلام رسمية روسية، إن القمة قد تُعقد في يونيو/حزيران، لكن قراراً حاسماً بشأنها لم يُتخذ بعد. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن الكرملين تلقى اقتراح بايدن بعقد قمة بين الرئيسين "تلقياً إيجابياً".
ماذا يمكن توقعه من تلك القمة بين روسيا وأمريكا؟
لكن بعيداً عن مكان وتوقيت القمة المحتملة، وعلى الرغم من أن العلاقة بين موسكو وواشنطن الآن متدهورة إلى حد كبير، تظل هناك بعض المجالات التي لا تزال تنطوي على فرص لتعاون محتمل وهي الحد من انتشار الأسلحة النووية، والاتفاق النووي الإيراني، وكوريا الشمالية، والاستقرار في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة وقوات التحالف. بالإضافة إلى مشاركة بوتين في قمة المناخ التي عقدها بايدن عبر الفيديو الشهر الماضي.
وربما تُعقد مناقشات حول إحياء معاهدة "الأجواء المفتوحة"، وهي اتفاقية تسمح برحلات مراقبة فوق المنشآت العسكرية وفق شروط معينة. وقد انسحبت منها الدولتان، إلا أنه يبدو أنهما على استعداد للسعي مرة أخرى من أجل تفعيل الاتفاقية، بحسب تقرير Washington Post.
لكن تظل بعض القضايا ليست مطروحة من الأساس للنقاش بالنسبة إلى بوتين وأبرزها قضية نافالني وأوكرانيا، وكلاهما يمثل أهمية قصوى بالنسبة لبايدن، حسب التصريحات المعلنة في الملفين.
فقد عزَّزت روسيا مؤخراً انتشارها العسكري بالقرب من أوكرانيا، في رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن موسكو متمسكة بدعمها للانفصاليين في شرق أوكرانيا. ومع ذلك، فإن روسيا تدَّعي في الوقت نفسه أنها ليس لها تورط مباشر في الصراع القائم، حتى إن بوتين غالباً ما يدعو الأمر بـ"الأزمة الداخلية في أوكرانيا".
كما أنه من غير المرجح أن يتزحزح بوتين عن موقفه فيما يتعلق بموضوع زعيم المعارضة المعتقل نافالني، ففي ظل تدهور صحة نافاني تدهوراً كبيراً خلال إضرابه عن الطعام الشهر الماضي، حذَّر البيت الأبيض من "عواقب" على الكرملين إذا مات نافالني في السجن.
وقالت هيذر كونلي، مديرة البرنامج الأوروبي في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS)، للواشنطن بوست إن هدف الكرملين للقمة سيكون "تذكيرَ واشنطن بأن علاقاتها مع بكين ستتنامى قوةً يوماً بعد يوم إذا انقطعت السبل حيال إيجاد [ترتيب] جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة".
وهناك أيضاً ملف بيلا روسيا، إذ أبدى بوتين عزمه الواضح على دعم رئيسها ألكسندر لوكاشينكو بعد احتجاجات واسعة النطاق شهدتها البلاد العام الماضي بعد انتخابات وصفتها المعارضة بأنها زُوِّرَت لضمان بقاء لوكاشينكو في السلطة.
وقالت وكالة الأمن الروسية الشهر الماضي إنها ألقت القبض على اثنين من بيلاروسيا زُعم أنهما كانا منخرطين في مؤامرة للإطاحة بحكومة بيلاروسيا واغتيال لوكاشينكو. وقال لوكاشينكو للتلفزيون البيلاروسي إن هناك تورطاً أجنبياً في المؤامرة المزعومة، وأشار إلى أنه "على الأرجح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية".
كما قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن بوتين أثار موضوع الانقلاب المزعوم خلال المكالمة التي أجراها مع بايدن في أبريل/نيسان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة وروسيا على طرفي نقيض من الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد في أعقاب الثورة على نظام الأسد في سوريا: موسكو تدعم نظام بشار الأسد، فيما تدعم واشنطن مقاتلين أكراداً محليين وغيرهم. وكانت عدة مناوشات قد وقعت بين الحين والآخر بين قوات أمريكية وروسية خلال دوريات لهما في مناطق التماس في شمال شرق سوريا.
كثرة الملفات وتعقيدها ترسم صورة غاية في الصعوبة بشأن ذلك اللقاء المحتمل بين بوتين وبايدن وتجعل التوتر عنوانه الأبرز بلا شك، وستكون بكين بالتأكيد حاضرة في الخلفية في انتظار ما قد تسفر عنه تلك القمة التي قد تعني مزيداً من التقارب بين الصين وروسيا أو العكس، على حسب نجاح بايدن أو فشله في ترويض الدب الروسي.