لم يحسم الجيش التشادي حربه ضد متمردي "جبهة الوفاق والتناوب"، رغم انتصاره الكاسح في معركة ولاية كانم، كما لم يتمكن المتمردون من دخول العاصمة نجامينا حتى بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي.
إذ استأنف الجانبان جولة جديدة من القتال في كانم، عقب توقف الاشتباكات لأيام معدودة، بعد الإعلان عن مقتل الرئيس ديبي، في 20 أبريل/نيسان الماضي، ودفنه في 23 من الشهر ذاته.
وبينما قبل المتمردون وساطة لرئيسي النيجر محمد بازوم وموريتانيا محمد ولد الغزواني، رفض ذلك المجلس العسكري بقيادة محمد ديبي، الذي تسلم الحكم عقب وفاة والده.
أين وصلت الأمور؟
ففي 29 أبريل/نيسان، أعلن المتمردون في بيان، سيطرتهم على بلدة "نوكو" شمال غرب مدينة ماو، مركز ولاية كانم (300 كلم شمال نجامينا)، وإسقاط مضاداتهم الجوية مروحية عسكرية.
ورفع هذا الانتصار من معنويات المتمردين قليلاً بعد هزيمتهم في معركة أخرى شمالي كانم، في 17 أبريل/نيسان، خسروا فيها 300 قتيل و150 أسيراً، أو ما يعادل 50% من قدراتهم، بحسب صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، ليبلغ إجمالي الأسرى 246.
غير أن المعركة لم تتوقف عند هذا الحد، حيث أعلن الجيش الحكومي في 30 أبريل/نيسان، صده هجوماً على نوكو، التي تبعد نحو 20 كلم عن مكان مقتل الرئيس إدريس ديبي.
وزعم المجلس العسكري أن قواته قتلت المئات من المتمردين، وأسرت 60 آخرين، فيما قُتل 6 جنود وأصيب 22 آخرون.
ولم يصدر أي بيان جديد عن المتمردين يؤكد أو ينفي صحة هذه الأرقام، لكن في آخر بيان لـ"جبهة الوفاق والتناوب"، انتقدت فيه استخدام الجيش الحكومي للطيران بكثافة بدل مواجهتهم على الأرض.
وهذه ثاني هزيمة كبيرة للمتمردين بقيادة محمد مهدي علي، زعيم الجبهة التي تقود تحالفاً من عدة حركات متمردة بينها قوى المقاومة الوطنية، كما انضم إليها 100 مقاتل من قبائل التبو الليبية مع 100 عربة مسلحة، بحسب وسائل إعلام فرنسية.
وينحدر المتمردون من قبائل "القرعان"، إحدى بطون قبائل "التبو" المنتشرة في جنوب ليبيا وأيضاً في الشمال الشرقي للنيجر، وهذه المناطق تمثل الحاضنة القبلية لمتمردي تشاد.
كما تشتبه باريس وواشنطن بدور يمكن أن تكون شركة "فاغنر" الروسية تلعبه في دعم المتمردين التشاديين.
ونقلت صحيفة "لوبينون" عن دبلوماسي فرنسي، لم تسمه، قوله: "إن البيان الأول للإليزيه (الرئاسة الفرنسية) حول الحفاظ على وحدة أراضي تشاد، يجب أن يُقرأ على أنه تحذير لمتمردي جبهة التناوب والوفاق ودعمهم الأجنبي".
ويضيف المصدر، أنه "في الرئاسة كما في الخارجية، نريد أن نحدّ من الطموح الروسي الذي يتجاوز الآن وسط إفريقيا".
ماذا تبقى من التمرد
بحسب المعلومات الشحيحة الواردة من ميادين المعارك في تشاد، فإن نحو ألف متمرد تشادي ممن هاجموا شمالي البلاد انطلاقاً من ليبيا خسروا في معركة كانم الأولى نصف قوتهم.
لكن نحو 100 سيارة مسلحة للمتمردين تمكنت من الفرار إلى داخل أراضي النيجر، بحسب موقع "موندافريك"، ولم تقم القوات التشادية بملاحقتهم بعد مقتل زعيمهم ديبي.
بينما عاود المتمردون الهجوم في 29 أبريل/نيسان، في رتل ضم نحو 30 إلى 40 عربة مسلحة، على متنها 300 إلى 400 متمرد لكنها منيت بهزيمة ثانية، ولم ينجُ منها سوى 12 عربة مسلحة هاربة شمالاً، مع زعيمهم محمد مهدي علي.
ويقطع الجيش التشادي الطريق على المتمردين نحو جبال تيبستي في الشمال، في طريقهم نحو معاقلهم في الجنوب الليبي، يمكنهم التزود بالمؤن والوقود لسياراتهم وعلاج جرحاهم، ما قد يدفعهم للالتفاف عبر النيجر قبل الدخول إلى الجنوب الليبي، في بلدات القطرون ومرزق وأم الأرانب.
فطائرات الاستطلاع الفرنسية المسيرة تلاحق تحركات المتمردين في كل مكان، ما يسهل على سلاح الجو التشادي تدمير أرتالهم في صحراء مفتوحة يصعب فيها الاختباء من الغارات الجوية.
ويأمل المتمردون أن ينضم إليهم مسلحون من قبائل التبو في ليبيا والنيجر المجاورتين، لإعادة تنظيم صفوفهم والقيام بهجوم جديد، لكن التبو منقسمون بشأن دعم أبناء عمومتهم، كما أن القوات الموالية لحكومة الوحدة وأيضاً تلك التابعة لميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ترابض بمناطق حدودية مع تشاد لمنع دخول المتمردين إلى بلادهم مجدداً، بحسب وسائل إعلام فرنسية.
النيجر من وسيط إلى طرف في الحرب
تجد النيجر نفسها متورطة ولو كرهاً في الحرب الدائرة في تشاد، رغم أن مجموعة الساحل اختارت الرئيس بازوم إلى جانب الرئيس الموريتاني وسطاء في أزمة تشاد بعد مقتل الرئيس ديبي.
فالمجلس العسكري التشادي يضغط على نيامي لدعمهم في القضاء على المتمردين الذي فروا إلى ولاية أغاديز شمال شرق النيجر، معتبراً أن الوقت "ليس للوساطة ولا للمفاوضات مع الخارجين عن القانون".
وبلغة دبلوماسية تحمل في طياتها نوعاً من العتب والتحذير، دعا المجلس العسكري دول الساحل، ولاسيما النيجر، إلى تنفيذ "مختلف الاتفاقات التي تربط بين البلدين الشقيقين لتسهيل القبض على مجرمي الحرب هؤلاء وتقديمهم للعدالة".
إذ أرسلت تشاد 1200 من جنودها إلى منطقة الحدود الثلاثة لدعم النيجر وأيضاً مالي وبوركينافاسو في مواجهة تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى.
وتلوح نجامينا بإمكانية سحب جزء من قواتها من النيجر إذا لم تستجب الأخيرة لطلبها بتسليم المتمردين الفارين إلى أراضيها والذين يتزودون بالوقود والمؤن في المناطق الحدودية بين بلدتي نغورتي ونغويغمي شرق النيجر، التي تقطنها قبائل التبو.
وأمام هذا الضغط، اختارت نيامي الانحياز إلى المجلس العسكري التشادي بعد أن وعد بازوم بتسليم المتمردين الذين يدخلون أراضي بلاده، الأمر الذي انتقدته "جبهة التناوب والوفاق"، وعبرت عن أسفها لهذا الانعطاف في موقف سلطات النيجر بعدما شاركت في الوساطة.
ويمكن القول إن هجوم المتمردين في تشاد وصل إلى نهايته، بعد أن فقدَ معظم قواته، في معركتين رئيسيتين بكانم، لافتقاده غطاء جوياً متطوراً، باستثناء منظومات متوسطة المدى مكنته من إسقاط 4 مروحيات، في تطور نوعي لحركات التمرد العديدة في تشاد.
وافتقاد المتمردين لدعم دولي قوي، خاصة من دول الجوار (ليبيا والنيجر) أضعف موقفهم الدبلوماسي والعسكري، رغم ما تلقوه من دعم عسكري ولوجيستي، من جزء من قبائل التبو في ليبيا وبدرجة أقل في النيجر، وشكوك بشأن دعم لوجيستي قدمته "فاغنر" لهم لخلط الأوراق في مناطق النفوذ الفرنسية وسط القارة السمراء.
وإذا كان المجلس العسكري الانتقالي بقيادة ديبي الابن يوشك على حسم معركته مع المتمردين، فإن المظاهرات المنددة بما يسمى "الانقلاب المؤسساتي" تتسع، خاصة بمدن الجنوب.