لا تحاول السعودية في ظل رؤية 2030 تنويع اقتصاد البلاد، وتقديم نفسها بشكل حداثي منفتح فقط، بل إنها تريد إنهاء سمعتها كواحدة من إحدى أكبر الملوثين للبيئة في العالم، وتمثل المشروعات السياحية في شمال غرب البلاد كمشروع جزيرة سندالة محاولة لتطبيق هذا النهج.
وباتت رؤية 2030 هي السردية الاقتصادية والاجتماعية التي تتميَّز بها المملكة السعودية المعاصرة، حيث المهمة التي تنقسم إلى 96 هدفاً استراتيجياً تحاكي في منهجها الوثائق التي تصدرها الشركات متعدِّدة الجنسيات التي تسعى إلى التغيير المؤسَّسي.
هنا في ثاني أكبر منتجٍ للنفط في العالم، وموطن الحرمين الشريفين، يسعى النهج الجديد إلى خلق صناعة سياحة قوية ومنفتحة وصديقة للبيئة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ونشأت الخطة من عمل الاستشاريين الإداريين، حيث تعاقَدَ وليّ العهد مع شركة ماكينزي، التي كانت تدرك حجم المشكلات التي تواجهها، والتي أصدرت في عام 2015 تقريراً بعنوان "المملكة السعودية – ما وراء النفط".
حذَّرَ التقرير من أن حقائق سوق الطاقة العالمية المتغيِّرة، والنمو السكَّاني الذي سيؤدِّي إلى دخول الملايين من الشباب السعوديين إلى سوق العمل في السنوات المقبلة، تجعل من الضروري معالجة الصدمة لفطم البلاد عن اعتمادها على عائدات النفط وأن تُنشئ قطاعاً خاصاً مزدهراً.
أطلق وليّ العهد، البالغ آنذاك 30 عاماً، رؤية 2030 في العام التالي ليخلق تلك الصدمة. وكما وَعَدَ شعبه، فقد قال: "سنعمل بلا كللٍ من اليوم لبناء غد أفضل لكم ولأبنائكم ولأبناء أبنائكم".
والآن، بعد خمس سنوات، إلى أيِّ مدى تفي المملكة السعودية بهذا الوعد؟
رؤية 2030 تستهدف جذب 100 مليون سائح
تتطلع الرؤية إلى زيادة السياحة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، وجذب 100 مليون زائر إلى المملكة بحلول عام 2030 وخلق مليون وظيفة جديدة. من المتوقع أن تزداد السياحة من 3 إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية بحلول عام 2030، حسبما ورد في تقرير لموقع zawya التابع لرويترز.
مراسل صحيفة The Independent عرض تقريراً عن رحلته إلى جزيرة سندالة في البحر الأحمر، التي تضم واحداً من أوائل المشروعات السياحية التي طرحت ضمن رؤية 2030 وبدأت تخرج للنور.
وأُطلِقَ مشروع جزيرة سندالة في عام 2017 كأحد مشاريع رؤية 2030 الأولى، وكانت هذه الجزيرة التي كانت في السابق شبه مهجورة في قلب الخطط لجعل الساحل الغربي للمملكة السعودية مركزاً للسياحة وجذب الزوَّار من جميع أنحاء العالم، علاوةً على خلق عشرات الآلاف من فرص العمل.
وتقع جزيرة سندالة ضمن منطقة "نيوم".
ومشروع نيوم يمثل الجزء الأكثر طموحاً في رؤية السعودية 2030 التي قالت الرياض إنها ستخصص لها 500 مليار دولار لبناء مدينة أو منطقة تشبه تلك التي نشاهدها في أفلام الخيال العلمي.
ومن المخطط أن تبنى نيوم على حافة الصحراء السعودية بجانب البحر الأحمر، وسينتقل سكانها البالغ عددهم مليون شخص باستخدام سيارات الأجرة الطائرة وسيعتمدون على الروبوتات الذكية لمساعدتهم في جميع أعمالهم المنزلية.. أما منتج الطاقة الذي ستعتمد عليه "نيوم" وتبيعه للعالم فهو ليس النفط، إنما: الهيدروجين الأخضر.
جزيرة سندالة رمز لطموح كبير
من نواحٍ عدة، يمكن اعتبار جزيرة سندالة رمزاً لطموح رؤية 2030، حيث الاستثمار في أحد أكبر القطاعات غير المُنتِجة للنفط في العالم (السياحة)، وهو أسلوبٌ يتحدَّى النهج السعودي المحافظ لأنه يتضمن تشجيع الوافدين الدوليين على التصرُّف ضمن حدود كما لو كانوا في الغرب.
أما الالتزام بالاستدامة، الذي يمنح الأمل لواحدٍ من أكبر المُلوِّثين للبيئة في العالم، فهو يعيد صياغة علاقة المملكة بالكوكب، فالعديد من الزوَّار المُتوقَّعين سيكونون من منطقة الخليج وليس من مسافاتٍ طويلة، وهو ما يعني عدم استهلاك كميات كبيرة من وقود الطائرات.
وتُعَدُّ جزيرة سندالة أيضاً استثماراً ضخماً يصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
لا شك أن الأرخبيل يمثِّل بقعةً جميلةً في البحر، ويذكِّرنا بالجزر التي لم تطأها قدم في خليج تايلاند، حيث البحر ذو اللون الفيروزي كما في أفلام السفر الوثائقية. الشعاب المرجانية، وهي رابع أكبر شعاب في العالم، قريبةٌ جداً إلى درجة أن الغوص فيها يمكن أن ينافس الغوص في أستراليا، حسب تقرير صحيفة The Independent.
وتجري التنمية بوتيرةٍ سريعة. وفي المكان الذي لم يكن إلا كثباناً رملية منذ وقتٍ قريب، صار هناك 11 فندقاً فاخراً للغاية صمَّمتهم شركاتٌ معمارية مثل نورمان فوستر. فُتِحَت الحانات والمطاعم، وتُقدَّم الأسماك طازجةً من البحر.
كما تركز الدعاية للجزيرة على رحلات الإبحار على متن السفن الفاخرة لمشاهدة السعودية من زاوية جديدة وممتعة ومثيرة، مع برنامج مميز يشمل العروض الترفيهية والتوقف في أجمل الشواطئ البكر للاستجمام والاستمتاع بالأنشطة والرياضات البحرية، وغيرها الكثير.
هل يزور أحد هذه الجزر؟
السؤال بالطبع هو ما إذا كان ذلك سيجذب الزوَّار المطلوبين.
لا يمكن المُبالَغة في حجم كلِّ جزءٍ من خطة رؤية 2030. يُعَدُّ تطوير جزيرة سندالة جزءاً فقط من استراتيجيةٍ أوسع، تسمَّى مشروع البحر الأحمر، وتخطِّط لتحويل أكثر من 90 جزيرة قبالة الساحل الغربي للمملكة السعودية إلى وجهاتٍ للسيَّاح الدوليين. تبلغ المساحة الإجمالية المغطاة حوالي 28 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعدل مساحة بلجيكا تقريباً.
انضمَّت شبكة BBC البريطانية إلى المنافذ الإعلامية الأخرى في التساؤل عمَّا إذا كانت جزيرة السندلة ستثبت أنها وجهةٌ لقضاء العطلات. وقال المذيع إن "القواعد الدينية والاجتماعية المتشدِّدة لم تثبت أنها جذَّابة للسيَّاح". وعلاوةً على ذلك، هناك الحرب المستمرة في اليمن، والتي أودت بحياة أكثر من 18 ألف مدني منذ عام 2015، وهناك قمع حرية التعبير.
وتكمن المخاطرة في أن السعوديين يبنون هذه الجزر ولا يأتي أحد.
ولكن هناك تقارير عن نجاح حملة الترويج للسياحة في صيف 2020 ولكن نجاح مرتبط بالسياحة الداخلية بالأساس.
فعلى الرغم من تأثير الوباء، شهدت الفترة بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2020 -مدة حملة الصيف السعودي زيادة بنسبة 31 في المئة في السياحة المحلية- مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، حسبما ورد في تقرير موقع zawya.
ويعبِّر رئيس مشروع جزيرة سندالة، جون باغانو، عن تفاؤله، رغم تأثير جائحة كوفيد-19 على أعداد السيَّاح. وبصفته العضو المنتدب السابق لمنطقة كناري وارف التجارية في لندن، وكذلك شركة Baha Mar للتنمية، التي طوَّرَت مُجمَّعاً للمنتجات على مساحة ألف فدان في جزيرة بروفيدنس، ضمن جزر الباهاما، فقد دشَّنَ مشاريع بهذا الحجم من قبل.
تنافس دبي في اجتذاب الخليجيين
ويتوقَّع أن يكون نحو نصف الزوَّار من دول الخليج، والذين من المُرجَّح أن ينجذبوا في ظلِّ غياب الغربيين من حولهم، الكثير منهم عائلاتٌ تشعر بنفس الشعور. استشهد باغانو بانتظام المناخ، كميزة تتفوق بها جزيرة سندالة حيث يكون أبرد في أشهر الصيف من دبي، ويضمن الشمس للأوروبيين، وكذلك رفاهية المنتجعات كمناطق جذبٍ رئيسية.
وقال لخبراء الأعمال العام الماضي: "المرحلة التالية هي الترحيب بأول ضيوفنا في نهاية عام 2022". وأضاف: "هذا ما يلوح في الأفق. نحن نعمل على افتتاح المنتجع، على الرغم من أن 16 فندقاً لم ينتهِ العمل فيهم بعد. من المُحتَمَل أن نفتتح خمسة فنادق بحلول نهاية 2022، وبعد ذلك سيُفتَتَح الحجز فيهم في عام 2023. نحن ملتزمون بالافتتاح والترحيب بضيوفنا الأوائل".
لكن ما يبرزه باغانو أيضاً هو مدى أهمية الاستدامة لما يقول إنهم يحاولون القيام به. إنه يحب التحدُّث عن علماء الأحياء البحرية الذين عملوا معهم للتأكُّد من أن الشعاب المرجانية المحيطة لن تُمَس، بل أنها ستزدهر أيضاً، وكيف سيتم تشغيل الجزيرة بالطاقة المتجدِّدة وسيُعاد تدوير المياه الخاصة بها، حسب The Independent.
المملكة السعودية ليس لديها سجلٌ بيئي جيِّد. إنها واحدةٌ من أكبر 10 مصادر لانبعاثات الكربون في العالم. وفي الوقت الحالي، 7% فقط من إنتاج الطاقة هو إنتاجٌ نظيف. وتحذِّر الأرقام الحكومية من أن تلوُّث الهواء يقلِّل من متوسِّط العمل المُتوقَّع في البلاد بمقدار سنة ونصف.
ولا تزال شوارع المملكة السعودية اليوم مليئةً بالسيارات التي تعمل بالبنزين الرخيص، ويبدو أن إعادة التدوير غالباً ما يكون مفهوماً غريباً. لهذا السبب، من المفاجئ هذا الحديث عن الاستدامة، ولم يكن مُدرَكاً من قبل أن القصد من رؤية 2030 لم يكن فقط التغيير الاجتماعي والاقتصادي، بل البيئي كذلك.