“يتركون الأمصال تفسد”.. سر عدم حماس اليابان لتطعيم مواطنيها ضد كورونا مثل بقية الدول المتقدمة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/05/02 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/03 الساعة 00:54 بتوقيت غرينتش
حملات التطعيم ضد فيروس كورونا في اليابان/رويترز

تبدو قصة التطعيم ضد كورونا في اليابان مثيرة للدهشة، إذ تعد البلاد واحدة من أكثر البلدان تأخراً في إعطاء اللقاحات، مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى، وفي الوقت ذاته، فإن البلاد نجحت في إبقاء مستوى المرض منخفضاً دون إغلاقات كبيرة.

فلقد حافظ البلد الكبير الثري -الذي يملك بعضاً من أكبر وأكثر مدن العالم كثافة سكانية- على الإصابات منخفضة عند مستوى كان سيُعَدُّ انتصاراً لو كان في واشنطن أو باريس أو لندن من دون أن يفرض إغلاقات قسرية أو حالات إغلاق مطوَّلة للمدارس.

وساعدت في ذلك العادات الراسخة في غسل اليدين وارتداء الكمامات، وتقاليد التحية بالانحناء بدلاً من المصافحة أو العناق، تماماً مثلما ساعد على ذلك القرار المبكر بإغلاق الحدود، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

وبالمقارنة مع بريطانيا، شهدت اليابان، التي تملك ضعف عدد السكان، ثُمن عدد الإصابات (570 ألفاً) ونسبة 1 إلى 13 من عدد الوفيات (10 آلاف). لكن على الرغم من التفوق على زملائها في مجموعة الدول السبع الثرية في معظم الإحصائيات، تتخلَّف اليابان بشكل مزرٍ في الإحصائية الأهم بين كل هذه المقاييس، وهي تطعيم سكانها. 

ففيما يدخل الناس في معظم العالم الغربي مرحلة جديدة من الجائحة، من خلال عمليات التطعيم واسعة النطاق التي تَعِد بعودة ثابتة إلى الحياة الطبيعية خلال الصيف، بالكاد بدأت اليابان حملة تطعيمها.

إذ حصل ربع الألمان، وخُمس الأمريكيين، ونصف البريطانيين على جرعة واحدة من التطعيم على الأقل. أمَّا في اليابان، فقد حصل أقل من شخص واحد من بين كل 50 على جرعة واحدة من التطعيم (أي 2% من السكان).

فبعد مرور أكثر من شهرين على بدء حملة التطعيم ضد كورونا في اليابان، جرى تطعيم ما يزيد عن مليوني شخص بقليل من بين سكان البلاد البالغ عددهم 126 مليوناً.

ولم يحصل الكثير من العاملين في المجال الطبي على الحماية بعد. ولن يجري تطعيم الأشخاص ممن هم فوق 65 عاماً بصورة كاملة حتى نهاية يوليو/تموز المقبل على أقل تقدير. ولا تعرف أي فئة من بقية السكان متى سيحين دورها.

تضر حالة عدم اليقين والقلق بشأن التطعيم ضد كورونا في اليابان بالآفاق الانتخابية لرئيس الوزراء الياباني، يوشيهيدي سوغا. وتلقي بمزيد من الشكوك على قدرة البلاد على استضافة أولمبياد طوكيو في يوليو/تموز المقبل بأمان.

لماذا يبدو التطعيم ضد كورونا في اليابان بطيئاً بهذا الشكل المزري؟

لا توجد إجابة واحدة. بل اجتمع مزيج من الحذر والتردد والجمود البيروقراطي والتهاون السياسي، والرهاب من اللقاحات المتجذر في ثقافة البلاد، أدى إلى تعثر التطعيم ضد كورونا في اليابان، حسب تقرير The Times.

فحتى في الفترة السابقة على فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وعلى الرغم من مستويات الثقة العالية بشكل عام في الأطباء، كان اليابانيون مترددين بشأن تلقي التطعيم.

وتعود جذور القلق بشأن التطعيم ضد كورونا في اليابان إلى التلقيح ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) الذي اشتبه البعض في أنه يؤدي إلى معدلات أعلى من التهاب السحايا العقيم في أوائل التسعينيات.

وعلى الرغم من عدم إثبات وجود رابط نهائي بين MMR والتهاب السحايا العقيم، تم إيقاف الجرعات، وحتى يومنا هذا لا توصي اليابان بلقطة مجمعة لـMMR.

فتمت في الماضي مقاضاة شركات أدوية بسبب الآثار الجانبية المزعومة للقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. وحين جرى توفير لقاح ضد الورم الحليمي البشري مجاناً للفتيات بين 12 و16 عاماً، انخفض معدل الإقبال العالي على اللقاح في بادئ الأمر إلى 1% بعد شكاوى بشأن الآثار الجانبية المفترضة.

هناك مخاوف تاريخية من اللقاحات في اليابان/رويترز
هناك مخاوف تاريخية من اللقاحات في اليابان/رويترز

يرى الإجماع العلمي أنَّ هذه الشكاوى لم تكن متعلقة باللقاح، بل يظل الشك في اللقاحات بشكل عام قائماً، بين أفراد الجمهور وفي صفوف المسؤولين البيروقراطيين القلقين من التسرع في اتخاذ قرارات يمكن أن تجعلهم عُرضة لإجراءات قانونية مستقبلية.

وقال تيتسو ناكاياما، الأستاذ في معهد كيتاساتو لعلوم الحياة، إن هناك عاملاً آخر ساهم في التخويف من التطعيم ضد كورونا في اليابان وتفاقم التردد في تلقي اللقاح، وهو حكم محكمة عام 1992 لم يجعل الحكومة مسؤولة فقط عن أي ردود فعل سلبية متعلقة باللقاحات، بل نص أيضاً على اعتبار الآثار الجانبية المشتبه بها أحداثاً سلبية. 

بعد ذلك بعامين، راجعت الحكومة قانون التطعيم، وألغت التطعيمات الإلزامية.

وقال ميكيهيتو تاناكا، الأستاذ في جامعة واسيدا المتخصص في الاتصال العلمي، إن هذه الأحداث ساعدت في إرسال رسالة للمواطن الياباني مفادها أنه يجب أخذ التطعيمات على مسؤوليته الشخصية، كما قللت من الوعي بالتطعيم باعتباره منفعة عامة أكبر.

وقال إن اليابان لديها خطة تأمين صحي قوية ونظام طبي يمكن الوصول إليه. "مقارنة بأماكن مثل الولايات المتحدة، فإن هذا يجعل الحافز للمراهنة على صحة المرء بلقاح جديد يقي من آثار كورونا منخفضاً للغاية".

وقالت هاروكا ساكاموتو، باحثة الصحة العامة في جامعة طوكيو، إن اليابان حذرة للغاية بشأن اللقاحات لأنه كانت هناك مشكلات تاريخية بشأن الآثار الجانبية المحتملة، وشاركت الحكومة في العديد من الدعاوى القضائية المتعلقة بهذه القضية، مما يزيد من حذرها الشديد.

ومن المفارقات أن النجاح النسبي في التعامل مع الوباء جعل إطلاق حملات التطعيم ضد كورونا في اليابان بشكل عاجل ليس له أولوية، خاصة أن البلاد تجنبت إعلان حالة طوارئ ثانية، حتى مع ارتفاع الحالات إلى مستويات قياسية.

وأظهر استطلاع أجرته هيئة الإذاعة اليابانية العامة قبل عدة أشهر أن 36% قالوا إنهم لا يريدون أخذ لقاح Covid-19.

لم تصنع لقاحاً خاصاً بها، ولم يتم تجربة الأمصال على اليابانيين

وعلى عكس بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين، ما تزال اليابان لا تملك لقاحاً خاصاً بها. 

تجري 4 شركات يابانية تجارب سريرية، لكنَّها أصبحت مهمة صعبة في هذه المرحلة من الجائحة. يريد اليابانيون، على نحو يمكن تفهُّمه، الحصول على لقاح مُجرَّب وخاضع للاختبارات. وكما هو الحال مع معظم البلدان، لا بد أن تعتمد اليابان على اللقاحات المستوردة التي تخضع لعمليات موافقة تشتهر بالبطء وعدم المرونة.

كان هذا الوضع في الماضي مفيداً لمنح شركات الأدوية المحلية الوقت اللازم لتطوير منتجات منافسة خاصة بها. لكن في ظل جائحة عالمية، مثَّل الأمر عائقاً في وجه ذلك النوع من الموافقات السريعة التي جرى الدفع بها في البلدان الغربية العام الماضي.

فعلى سبيل المثال، لم تتضمَّن تجارب لقاح شركة فايزر أي مواطنين يابانيين. وبموجب قواعد الحكومة، كان يتعين إجراء تجارب منفصلة لاستبعاد إمكانية حدوث آثار جانبية معينة لأولئك الذين ينحدرون من العرق الياباني. 

ولم تتضمن هذه التجارب أكثر من بضع مئات من الأشخاص، وهو رقم رمزي يُستبعَد أن يكون ذا أهمية من الناحية الإحصائية، لكنَّ الجهات التنظيمية وافقت على اللقاح في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد شهرين من أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

وبعد أن وصلت اللقاحات لم يتم الموافقة عليها كلها

أبرمت الحكومة صفقات مع شركات فايزر وأسترازينيكا وموديرنا لتأمين كميات كبيرة من اللقاحات لكامل السكان. وصلت أولى الإمدادات من لقاح موديرنا هذا الأسبوع. لكن لم تجرِ الموافقة إلا على لقاح فايزر، وحتى في هذه الحالة أدَّى عدم المرونة وعدم الكفاءة إلى إبطاء عملية تقديم اللقاح للسكان.

ففي البداية، كان هناك نقص في إمكانات التخزين البارد ثم نقص في المحاقن الملائمة. ولا تسمح القواعد المحلية إلا للعاملين المؤهلين في المجال الطبي، وليس المتطوعين المُدرَّبين، بإعطاء اللقاح. وتقرَّر الأسبوع الماضي الاستعانة بأطباء الأسنان لمساعدة الأطباء وأفراد التمريض المرهقين.

وتركوا اللقاحات تفسد

في حملات التطعيم ضد كورونا في اليابان كان الجهاز البيروقراطي مفتقداً للمرونة على نحوٍ مذهل.

فبينما لم يحضر الأفراد في مواعيد حصولهم على اللقاح، كانت مراكز التطعيم تترك جرعات لقاح فايزر القابلة للتلف دون استخدام، بدلاً من منحها لأشخاص ليسوا على قائمة المُتلقِّين، وتخلصت منها بدافع "الإنصاف".

يشعر الكثيرون في اليابان بالسخط من هذا التقيُّد السخيف بالقواعد. وناشدت يوم الأربعاء الماضي، 28 أبريل/نيسان، مجموعة من قادة الأعمال والأطباء وعالم أحياء حاصل على جائزة نوبل السلطات الإمساك بزمام الأمور في حملة التطعيم ضد كورونا في اليابان من أجل الاقتصاد إن لم يكن من أجل أي شيء آخر.

وقالت "رابطة الاقتصاد الجديد اليابانية": "لا يوجد مُستهدَف محدد لموعد اكتمال عملية تلقيح عموم السكان، وبالتالي لا توجد رؤية واضحة لكيفية تحقيق التوازن بين منع المزيد من الإصابات واستئناف الأنشطة الاقتصادية".

وناشدت الرابطة الحكومة تسريع وتبسيط إجراءات حجز مواعيد تلقي اللقاح، والسماح بالموافقات الطارئة لاستخدام اللقاحات، والسماح للمسعفين والصيدلانيين وطلبة الطب بمساعدة أطباء الأسنان في تقديم اللقاح.

وها هي الإصابات تتصاعد، والجميع يخشى ما سيحدث في الأولمبياد 

وربما أسهم نجاح اليابان في تجنُّب أسوأ ويلات الجائحة أيضاً في تقليل دافع التطعيم لديها. فالعام الماضي، الذي لم تُثقِله أعباء حالات الإغلاق الإلزامية، لم يكن أكثر من مجرد عام مزعج للكثيرين، وليس كارثةً حاصدة للأرواح، كما حدث في دول أخرى، لكنَّ تباطؤ طرح اللقاح ينذر بعواقب كبيرة.

إذ فرضت حكومة سوغا ثالث حالة طوارئ في طوكيو وغيرها من المدن الكبرى، هي الأكثر صرامة حتى الآن، في ظل تصاعد الإصابات إلى أعلى مستويات منذ أشهر. وبدأت معدلات الإصابات والوفيات الجديدة على أساس أسبوعي في اليابان تتجاوز نظيرتها في المملكة المتحدة.

وأظهر استطلاع رأي حديث أنَّ أكثر من 60% من الأشخاص غير راضين عن سياسة التطعيم ضد كورونا في اليابان، وأنَّ أكثر من 90% قلقون بشأن الموجة الحالية، التي تُعَد الرابعة في اليابان. وتكبَّد الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يتزعمه سوغا هزيمة موجعة في ثلاثة انتخابات تكميلية خلال عطلة الأسبوع الماضي.

غير أنَّ الاحتمال الأكثر رعباً هو تأثير كل ذلك على أولمبياد طوكيو، التي تأجلت منذ العام الماضي وأُعيد جدولتها ليجري افتتاحها بنهاية يوليو/تموز المقبل. وتصر الحكومة ومنظمو الألعاب على أنَّه بالإمكان تنظيم الأولمبياد بأمان، ويحول هؤلاء جهودهم نحو ابتكار أنظمة اختبار وعزل وتباعد اجتماعي جديدة.

ولا ترغب معظم الجماهير اليابانية في مضي دورة الألعاب قدماً، خوفاً من احتمال تحولها إلى فعالية كبيرة لنشر العدوى في وقتٍ ستكون فيه نسبة المُحصَّنين من السكان مجرد نسبة ضئيلة.

وقد يحل الوقت الذي تتمنى فيه الحكومة لو أنَّها بذلت لتطعيم شعبها نفس قدر الطاقة الذي تبذله لتنظيم أكبر حدث رياضي في العالم خلال أكثر الجوائح الحديثة كارثية.

تحميل المزيد