تستعد الجزائر لتنظيم انتخابات نيابية مبكرة بحلول 12 يونيو/حزيران المقبل، والهدف المعلن تجديد السلطة التشريعية (البرلمان)، بحسب ما أكد الرئيس عبدالمجيد تبون، فيما يرى مراقبون أن تغييرات ستطرأ على الخارطة السياسية في البلاد.
وأعلن تبون، حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، في 18 فبراير/شباط الماضي.
وتمنح المادة 151 من الدستور، الحق لرئيس البلاد، في حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة في أجل أقصاه 3 أشهر.
وكان من المفترض أن تنتهي ولاية المجلس الشعبي الوطني، في مايو/أيار 2022؛ حيث انتخب أعضاء المجلس عام 2017 لمدة 5 سنوات، وعادت الأغلبية فيه لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
تركيبة مختلفة
وإلى جانب الإرادة السياسية المعلنة للرئيس الجزائري في تجديد العمل النيابي، بعيداً عن شبهات المال الفاسد التي طالت المجلس السابق، ستفضي الانتخابات النيابية المبكرة إلى تغيير تركيبة المجلس المقبل.
ويفرض قانون الانتخابات الجديد، قواعد انتخابية تصب في خانة التجديد، حيث يمنع كل من سبق ومارس عهدتين برلمانيتين من الترشح للاستحقاقات المقبلة، ما يعني أن النواب الذين عمّروا طويلاً في المجلس الشعبي الوطني، سيحرمون من الترشح.
كما يشترط القانون المناصفة بين الرجال والنساء ومن لم يتجاوز سنه الـ40 سنة في قوائم الترشيحات، إلى جانب ثلث من الحاصلين على مستوى جامعي.
هذه البنود الجديدة، ستوظف في إطار نمط انتخابي يعتمد على القائمة المفتوحة بدل القائمة المغلقة.
والقائمة المفتوحة تسمح للناخب بترتيب المترشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق ترتيب الحزب دون إمكانية التصرف فيها.
كل هذه العوامل ستجعل مصير تركيبة المجلس الشعبي الوطني المقبل، بيد الناخبين وحدهم.
وفي هذا السياق يستبعد المحلل السياسي رضوان بوهيدل، فوز حزب معين بأغلبية مقاعد المجلس.
وقال بوهيدل في حديثه للأناضول: "من الواضح أن الأمور تتجه إلى مجلس مشكل من فسيفساء، وسينتهي الأمر إلى تكتلات بين الأحزاب أو القوائم المستقلة، لتحديد الأغلبية التي ستحسم تركيبة الحكومة لاحقاً".
تغيير الخارطة السياسية
وشهدت مرحلة تحضير الترشيحات إقبالاً واسعاً من قبل الأحزاب السياسية أو القوائم المستقلة (الحرة)، حيث اعتبر الرئيس تبون، في آخر حوار له مع ممثلي وسائل إعلام محلية "أن حجم الإقبال أكثر بكثير مما كان متوقعاً".
وحسب آخر أرقام السلطة المستقلة للانتخابات، أبدت 1755 قائمة تابعة لأحزاب سياسية معتمدة، و2898 قائمة لمستقلين، رغبتها في الترشح للانتخابات النيابية المقبلة بمجموع 4653 قائمة.
والخميس 22 أبريل/نيسان الجاري، مدد الرئيس الجزائري مهلة جمع التوكيلات بـ5 أيام أخرى إلى غاية يوم 27 أبريل/نيسان الجاري، وذلك بطلب من سلطة الانتخابات، حسب بيان للرئاسة.
وحسب قانون الانتخاب يجب أن تزكى قوائم الأحزاب بـ25 ألف توكيل لناخبين عبر 23 ولاية (من بين 58 ولاية) بمعدل أدنى 300 توكيل في كل ولاية.
وبالنسبة لقوائم المستقلين يجب أن تدعم كل قائمة بمئة توكيل على الأقل عن كل مقعد مطلوب شغله من ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية.
وفسر بوهيدل، كثرة القوائم المستقلة، بأنها "نتيجة طبيعية لتراجع تأثير الأحزاب في المشهد العام".
وأضاف أن "كثيراً من الأحزاب التقليدية، تحاول إجراء عمليات تجميلية على نفسها؛ أملاً في الظهور بوجه جديد، بعدما فقدت مصداقيتها أمام الشعب، خاصة لدى الحراك الشعبي الذي طالب باختفائها".
وأشار إلى وجوه بارزة في أحزاب مثل "جبهة التحرير الوطني" (الحاكم في عهد بوتفليقة) و"التجمع الوطني الديمقراطي" (ثاني أكبر حزب سابقاً)، استقالت وقررت تشكيل قوائم حرة، "لأنها تعلم أن البقاء داخل الأحزاب رهان غير مضمون".
انقلاب الموازين
وبشأن ما إذا كانت ملامح التغيير المقبلة ظرفية ترتبط بالمرحلة الحالية أم أن المشهد العام آيل إلى التغيير على المدى المتوسط، استبعد الصحفي المتخصص في الشأن السياسي، إلياس بوملطة، تغييراً جذرياً في المشهد السياسي.
وأوضح بوملطة للأناضول: "التغيير بمعنى ظهور أحزاب جديدة ممكن، أو بمعنى بروز وجوه سياسية جديدة هذا أيضاً متوقع، أما أن نتحدث عن خارطة سياسية جديدة تؤدي إلى بروز تيارات جديدة لم تكن موجودة في البلاد من قبل فهذا غير متوقع".
وتابع: "الأحزاب التقليدية قد تخسر مساحات كانت في الماضي خلال الانتخابات النيابية المقبلة، نعم، أما أن نتحدث عن تغيير سياسي جذري فهذا مستبعد في اعتقادي".
ضمانات واعتراضات
وقدم الرئيس تبون ضمانات على نزاهة الانتخابات، وتعهد بأن يكون "الحكم العادل بين جميع القوى السياسية مهما كان وزنها".
وذهب أبعد من ذلك عندما قال: "إن عهد الكوتة (توزيع الحصص) قد انتهى".
وساد اعتقاد قوي في الانتخابات النيابية الماضية، بأن السلطة الحاكمة تقوم بتوزيع مقاعد البرلمان على الأحزاب وفق الكوتة أو المحاصصة، دون الأخذ بأصوات الناخبين.
بدوره، أكد رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) صالح قوجيل، الأسبوع الماضي، أن الشعب وحده من يحدد نتيجة الانتخابات المقبلة، وقال: "حتى الآن لا أحد يعلم تركيبة المجلس القادم، لأن الشعب وحده هو من سيحدد الفائز".
وأعلنت أحزاب "جبهة القوى الاشتراكية"، و"العمال" (يسار)، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علماني)، مقاطعة الانتخابات النيابية، بدعوى أن الظروف غير مهيأة لإجرائها.
من جانبها رأت زبيدة عسول، وهي من أبرز ناشطي الحراك الشعبي، ورئيس حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" (غير معتمد)، أن "النظام يبحث من وراء هذه الانتخابات عن أغلبية نيابية جديدة تدعم الرئيس تبون".
هل يعود النظام القديم للمشهد مرة أخرى؟
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر توفيق بوقعدة أن القراءة الأولى تشير إلى أن الأحزاب التقليدية ستسيطر على البرلمان القادم.
ويستبعد بوقعدة في حديثه مع "عربي بوست" تحصيل أحزاب المعارضة، على غرار حركة مجتمع السلم، أعداداً كبيرة من المقاعد، في ظلّ منافسة شرسة من أحزاب الموالاة والقوائم الحرة.
ويُرجع المتحدّث توقعه إلى هيكلة الأحزاب التقليدية وانتشارها الكبير طولاً وعرضاً في البلاد، مشيراً إلى أن "تقديمهم قوائم على مستوى 58 ولاية عبر الوطن يؤكد ذلك".
ويُرجّح بوقعدة أن تستفيد الأحزاب التقليدية من قانون الانتخابات الجديد أكثر من غيرها، لافتاً إلى صعوبة منافسة القوائم الحرة في المعترك الانتخابي.
حظوظ الإسلاميين
رغم تصدّر حركة مجتمع السلم (إسلامي) الأحزاب الأكثر جمعاً للتوقيعات، وخوضها غمار التشريعيات في جميع الولايات دون استثناء، فإن حظوظها في حصد مقاعد كبيرة في البرلمان القادم ليست بالوفيرة، حسب أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقعدة.
ويُواجه أكبر حزب إسلامي في البلاد مشكلتين أساسيتين، الأولى تتعلّق بالوعاء الانتخابي الإسلامي الذي ينافسه عليه حزب حركة البناء الذي حصّل مليون صوت في الرئاسيات الماضية، وجبهة العدالة والتنمية الذي يملك قاعدة انتخابية كبيرة في الشرق الجزائري، ويعتزم المنافسة على الأقل في 40 ولاية.
أما المشكلة الثانية فتتعلّق بمُنافسة القوائم الحرة التي تتشكل أغلبها من الشباب المعارض الذي رفض الانخراط في الأحزاب بعد الحراك الشعبي، كما لم يقتنع بمصوغات المقاطعة التي تسوقها الوجوه البارزة في الحراك.
ورغم دعوات التحالف بين الأحزاب الإسلامية التي يُطلقها القادة على استحياء في خطاباتهم الترويجية، فإن الواقع يؤكّد أن الخلافات والمنافسة بين الإسلاميين كبيرة، لا سيما أن نظرتهم إلى السلطة مختلفة، إذ يتواجد بعضهم في المعارضة والبعض الآخر مع السلطة.
رهان تبون
يراهن الرئيس عبدالمجيد تبون على القوائم الحرة وبعض الأحزاب المتحالفة معه ضمنياً، على غرار جبهة المستقبل (وطني)، وحركة البناء (إسلامي)، وجيل جديد (علماني) للحفاظ على منصب الوزير الأول.
وينصّ الدستور الجزائري على تشكيل حكومة برئاسة رئيس الحكومة، ويُطبق برنامج المعارضة في حال فوزها بالأغلبية البرلمانية، بينما يعيّن الرئيس وزيراً أول لتطبيق برنامج الرئيس في حال فاز تكتل متحالف معه بالأغلبية.
ويحاول تبون فسح المجال أمام القوائم الحرة، وخاصة الشبابية منها، باعتبارها الملجأ الوحيد له، خاصة أن فكرة التحالف مجدداً مع الأحزاب التقليدية تعدّ انتحاراً سياسياً بالنسبة له، وتصبّ في عكس خطابه المرتبط بالتغيير والجزائر الجديدة.
وفعلاً مهّد تبون الطريق أمام الشباب للوصول إلى البرلمان، عن طريق إجراءات لم ترضِ الأحزاب السياسية، إذ ضمن لهم تكفّل الدولة بحملتهم الانتخابية مادياً، كما مدّد لهم آجال جمع التوقيعات، فضلاً عن استحداث آلية التصويت الفردي على القوائم لأول مرة، أضِف إلى ذلك عزله البرلمانيين المخضرمين وحرمانهم من الترشح ومنافسة الشباب.
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، شارك آلاف الجزائريين في مظاهرات لإحياء الذكرى الثانية لحراك شعبي تمكن في 2 أبريل/نيسان 2019 من إجبار الرئيس آنذاك، عبدالعزيز بوتفليقة (1999- 2019)، على الاستقالة.
وأسبوعياً، يومي الجمعة والثلاثاء، تتواصل هذه الاحتجاجات رافعة شعارات متجددة تطالب بتغيير جذري لنظام الحكم، فيما تقول السلطات إن التغيير يكون متدرجاً وعبر صناديق الاقتراع.