عاد التوتر مجدداً بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، إثر اندلاع مواجهات مسلحة بين الطرفين، بالتزامن مع اعتقالات لشخصيات من الجانبين، ما قد ينذر بحرب مفتوحة.
ويأتي هذا التوتر رغم التوافق والهدوء الذي ساد بعد تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، نهاية العام الماضي، بناءً على اتفاق الرياض.
وفي 5 أبريل/نيسان الجاري، قُتل شقيق قائد القوات الخاصة في أبين، التابع للحكومة اليمنية، العقيد محمد العوبان، كما أصيب 3 جنود إثر مواجهات مع قوات الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي في محافظة أبين (جنوب).
الاشتباكات اندلعت حين أطلقت قوات الحزام الأمني وابلاً من الرصاص على قوة عسكرية حكومية، كانت في طريقها إلى مدينة أحور بأبين، وفق مصادر عسكرية.
وجاءت هذه المواجهات العسكرية بين الطرفين بعد توقفها منذ أكثر من أربعة أشهر، تنفيذاً لإعلان الرياض المتضمن توصُّل الحكومة و"الانتقالي" إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وُقِّع اتفاق الرياض، برعاية سعودية ودعم أممي، بهدف حل الخلافات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ومن أبرز بنود الاتفاق تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، يشارك فيها المجلس الانتقالي (تم تشكيلها في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، إضافة إلى حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين الطرفين، مثل محافظة أبين.
وحتى اليوم، لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، خصوصاً دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.
ولا يزال المجلس الانتقالي مسيطراً أمنياً وعسكرياً على العاصمة المؤقتة عدن، منذ أغسطس/آب 2019، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوبية أخرى.
وأدى تأخر تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض إلى تقييد حركة الحكومة في مقرها المؤقت مدينة عدن، وفق مراقبين.
هجمات ووعيد
استمرت المواجهات المتقطّعة بين الجانبين في أبين، حيث أصيب جنديان بجراح خطيرة إثر مهاجمة مسلحين يتبعون المجلس الانتقالي نقطةَ تفتيشٍ للقوات الحكومية في مديرية أحور، في 16 أبريل/نيسان الجاري.
وأدّى هذا الهجوم، الذي وصفته إدارة أمن أبين في بيان بـ"الإرهابي"، إلى استنكار من جانب القوات الحكومية في المحافظة.
وتوعّدت إدارة أمن أبين حينَها بملاحقة مَن تورَّط في الهجوم، وتعقُّب المسلحين الذين تلقوا المال والسلاح لتنفيذ مخططات خارجية (في إشارة إلى الإمارات).
فيما اتَّهم الناطق العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي محمد النقيب، قبل أيام، القوات الحكومية بالتصعيد والحشد المسلح إلى أبين، وفق تغريدة عبر حسابه على تويتر.
اعتقالات متبادلة
إضافة إلى المواجهات بين الطرفين وجَّهت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي اتهامات متبادلة بشأن اعتقال شخصيات من الجانبين.
والثلاثاء الماضي، قالت شرطة محافظة أبين إن "مجموعة مسلحة في عدن، يقودها فضل باعش (قيادي أمني في المجلس الانتقالي يحمل رتبة عميد)، اعتقلت الضابط في قوات الأمن الخاصة الخضر معرجي، أثناء عودته إلى منزله برفقة زوجته وأطفاله".
وأضافت الشرطة، في بيان، أن "باعش نفّذ اختطافات من دون أي مسوغ قانوني، وبصورة تنم عن الميليشاوية والعبث، بلا أي رادع".
كما أعلنت القوات الحكومية أن قوات الحزام الأمني داهمت في محافظة لحج (جنوب)، منزل العقيد نزيه العزيبي، قائد عمليات لواء النقل العام، في 7 مارس/آذار الماضي، وقامت باعتقاله وإخفائه قسراً.
في المقابل، اتَّهم "المجلس الانتقالي"، في 17 أبريل/نيسان الجاري، القوات الحكومية بتنفيذ عمليات اعتقال لعدد من عناصره والموالين له، آخرها احتجاز الشاب عبدالمنعم شيخ، شقيق عبدالرحمن شيخ، عضو هيئة رئاسة المجلس.
اختلال السلطات
يرى الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب أن "ما يجري من صراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي هو نتيجة طبيعية للاختلال الحاصل داخل السلطتين التنفيذية والقضائية، ووجود أجهزة موازية تتبع المجلس تقوم مقام الأجهزة الرسمية التابعة للحكومة".
ويقول للأناضول: "هذا الاختلال أوجد تعارضاً في وظائف الأجهزة ومهماتها والتزاماتها، لأنها تعمل وفق ولاءات وأهداف متعارضة".
ويوضح أنه "كلما تعرّضت القوات الحكومية في مأرب (وسط) لمزيد من الضغط العسكري الحوثي، يستغل المجلس الانتقالي انشغال الحكومة بالمحافظة الحيوية، في محاولة بسط نفوذه تدريجياً على المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة في محافظة أبين".
ويضيف: "عندما نقول إن الحكومة منشغلة في معركة مأرب، فهذا يعني أن جهدها السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني موجه في اتجاه الهدف الرئيسي في المعركة هناك، ما يؤدي إلى حدوث خلل في موازين القوى، وبالتالي يستغل المجلس الانتقالي ذلك في تحقيق مكاسب عملية على الأرض".
ويتابع الذهب أن "هناك ثارات قديمة بين القوى الجنوبية نفسها ولدتها هذه الحرب، فضلاً عن الاحتقانات السياسية المتراكمة في الجنوب، خلال العقود الخمسة الماضية، بين تكتلات محافظتي شبوة وأبين من جهة، والضالع ولحج من جهة أخرى".
ويُردف: "دخل ملف الإرهاب في الوسط بالجنوب، وبدأ تنظيم القاعدة بتوجيه ضربات لكل الأطراف في المحافظات الجنوبية، وفُسر الأمر من جانب كل طرف بأن الطرف الآخر هو من وراء هذا التنظيم الإرهابي، ما أدى إلى هذا التوتر الحاصل".
وحول مستقبل الصراع في الجنوب اليمني، يفيد الباحث بأنه "جراء الأهداف المتعارضة للأطراف المتصارعة، خصوصاً التكتلات الجنوبية، فلن يكون هناك أي استقرار ما لم يحسم أي طرف المعركة لمصلحته، أو أن يكون هناك توافق وتنازلات واسعة لإحلال السلام والأخوة الصادقة".
شعور مشترك بالإجحاف
رغم تفاؤل كثير من اليمنيين بتشكيل الحكومة الجديدة، فإن حالة الثقة بين طرفي النزاع (الحكومة والانتقالي) لم يتم تثبيتها، ما يؤدي إلى استمرار الاضطراب في الجنوب، وفق مراقبين.
يقول الكاتب السياسي يعقوب العتواني: "من الواضح أن هناك شعوراً مشتركاً بالإجحاف بين طرفي اتفاق الرياض، فالمجلس الانتقالي يجد أن التراجع عن إعلان الإدارة الذاتية للمناطق الجنوبية كان تنازلاً أكبر من أن تعوضه المشاركة في الحكومة التي نتجت عن الاتفاق".
ويضيف: "فيما الحكومة تعتقد أن شراكتها مع الانتقالي يجب أن تمنح الوزراء على الأقل القدرة على المكوث في عدن وأداء مهامهم".
ويرى العتواني، في حديث للأناضول، أن "هذا الشعور بالإجحاف تمت ترجمته إلى اشتباكات متقطعة طوال المدة الماضية، وهو مرشح لأن يتطور إلى حرب مفتوحة في ظل العجز السعودي عن الضغط على الانتقالي بالتحديد".
ويضيف: "الانتقالي واضح بخصوص طموحاته في فرض سيطرته على الجنوب، وما يشجعه في ذلك هو ضعف السلطة الشرعية الراهن، والقوة التي تعيشها حالياً ميليشيا الحوثي في الشمال، والتخبط السعودي قبل كل شيء".
سجال بين الانتقالي والحوثيين
خلال الفترة الماضية، وجَّه مسؤولون حكوميون وناشطون اتهامات للمجلس الانتقالي الجنوبي بأنه يعمل من أجل سيطرة الحوثيين على كامل الشمال اليمني، وأنه يسعى عبر إعلامه إلى إضعاف القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين.
وينفي المجلس أنه يدعم الحوثيين، ويشير إلى وجود قوات تابعة له ما زالت تقاتل مسلحي الجماعة في عدة محافظات.
في هذا الجانب، يقول المحلل السياسي صدام الحريبي، للأناضول، إن "عودة التوتر بين الحكومة والمجلس الانتقالي بهذا التوقيت تأتي من أجل تخفيف الضغط على حليف المجلس غير المعلن "الحوثي" في مأرب وتعز وغيرهما".
ويشير إلى أن "الانتقالي الجنوبي لا يعلم ماذا يريد، وليس لديه هدف واضح.. كل ما في الأمر أن المجلس المطالب بالانفصال ينفذ التوجيهات الإماراتية فقط".
ويرى الحريبي أن "نهاية نفوذ الانتقالي ستكون قريبة، إما من خلال إيقاف الإمارات لنشاطاتهم، أو من خلال ضربهم من جانب الجيش. وبالتالي لن تكون هناك علاقة بينهم وبين الحكومة مستقبلاً".
والإثنين، نشر مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي، وثيقة موقعة من الرئيس عبد ربه منصور هادي، بتاريخ 19 مارس/آذار الماضي، تنص على إقالة اللواء فضل باعش، قائد قوات الأمن الخاص بمحافظات عدن ولحج والضالع وأبين، من دون توضيح الأسباب.
لكن "المجلس الانتقالي الجنوبي" أعلن، الثلاثاء، رفضه القرار، متعهداً بـ"منع تنفيذه".