أمضت شركة الخطوط الجوية القطرية المحدودة سنوات وهي في ظل شركة طيران الإمارات، إلا أنها تمكنت من استغلال الجائحة لتتفوق على منافستها الإماراتية، لتصبح أكبر شركة طيران للمسافات الطويلة في العالم، حتى الآن، بحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
كيف نجحت الخطوط الجوية القطرية في ذلك؟
تُسيّر الخطوط الجوية القطرية، التي تتخذ من الدوحة مقراً لها، طائرات غالباً ما تكون شبه فارغة في مسارات حول العالم لزيادة حصتها في السوق. وتستغل الاستغناء عن الموظفين في طيران الإمارات لتوظيفهم لديها. وفي الوقت الذي قلصت فيه شركات الطيران الأخرى خدماتها في الأسواق التي تسبب كورونا في إغلاقها، تسعى شركة الخطوط الجوية القطرية المدعومة من الدولة للحصول على حقوق هبوط جديدة لتخرج من الجائحة وهي أقوى حالاً.
ودأبت الخطوط الجوية القطرية، خلال الأشهر الـ12 الماضية، على تسيير رحلاتها بسعة تفوق أي شركة طيران أخرى على الخطوط العابرة للحدود، وفقاً لشركة البيانات OAG. وخلال الأسبوع الجاري من المقرر أن تسير الشركة رحلات بأكثر من ضعف السعة الدولية للخطوط الجوية الفرنسية، وبأكثر من الثلثين لسعة شركة دلتا إيرلاينز، وبأكثر من 13% من سعة طيران الإمارات. لكن شركة American Airlines Group Inc لا تزال هي الأكبر في العالم في عدد الرحلات المحلية ورحلات المسافات الطويلة.
وإن كانت قطر ستظل أكبر شركة طيران للمسافات الطويلة في العالم من حيث السعة، فهذا يعتمد جزئياً على مدى سرعة عودة رحلات شركات الطيران الأخرى، وما إن كانت قد اكتسبت ما يكفي من الثقة من العملاء لبدء إعادة الرحلات مع استئناف العالم للرحلات الجوية.
وقال أكبر الباكر، الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية، في مقابلة: "نحن جاهزون للمنافسة، ولا نهرب أبداً من المنافسة، ونحب المنافسة"، في إشارة مستترة لطيران الإمارات.
منافسة من نوع مختلف تستعر بين قطر والإمارات
كانت شركة طيران الإمارات قد قالت الشهر الماضي إنها ستسير أول رحلة تلقّى جميع أفراد طاقمها وركابها اللقاح. وفي محاولة للتفوق على منافستها التي تتخذ من دبي مقراً لها، سيرت قطر رحلة مماثلة في 6 أبريل/نيسان، قبل أربعة أيام من رحلة طيران الإمارات المخطط لها.
ومن جانبه، قال رئيس طيران الإمارات تيم كلارك: "إذا كنا أذكياء فنحن نتعامل مع ذلك بطريقة ناضجة، وتوجد طرق ووسائل لإعادة سعة الرحلات إلى سابق عهدها، دون الحاجة إلى الاستعراض والتباهي بأننا الأكبر والأفضل".
على أن طيران الإمارات كانت أكثر حذراً من الخطوط الجوية القطرية خلال الجائحة، إذ أوقفت معظم أسطولها في مارس/آذار من العام الماضي، وأوقفت أكثر من 100 طائرة عملاقة من طراز إيرباص A380، وأعادت رحلاتها تدريجياً. وتُشغِّل الآن ما يقرب من 110 خطوط، مقارنة بأكثر من 150 خطاً قبل الجائحة.
أما قطر فقد أعادت، في الأشهر الأربعة الأولى من الجائحة، حوالي 3.2 مليون مسافر إلى بلادهم، في خطوة قال الباكر إنها نالت ثقة عملاء جدد. وفتحت أيضاً خطوطاً جديدة إلى أماكن مثل سان فرانسيسكو وبريسبان في أستراليا وأبيدجان في ساحل العاج وأكرا عاصمة غانا، وهي وجهات تخطط للاحتفاظ بها في شبكتها.
الخطوط الجوية القطرية تبتلع حصصاً جديدة في السوق
وقد آتت هذه الاستراتيجية أُكُلها بالفعل في بعض الخطوط، إذ أطلقت الخطوط الجوية القطرية رحلات إلى سياتل، مطلع هذا العام، وحصلت على 22.3% من حصة السوق في حركة المسافرين من آسيا، في مارس/آذار، مقابل 16.7% لطيران الإمارات، التي بدأت العمل هناك قبل تسع سنوات، وفقاً لإحصائيات مطار سياتل تاكوما الدولي.
وفي أستراليا، التي قلصت حكومتها عدد الركاب المسموح لهم بدخول البلاد كل أسبوع، قلصت العديد من شركات الطيران خدماتها. وفي الوقت الذي سيّرت فيه شركة طيران الإمارات 118 رحلة إلى أستراليا، في فبراير/شباط، أي ثلث رحلاتها قبل عام، سيرت الخطوط الجوية القطرية ما يقرب من 145 رحلة إلى البلاد، وفقاً لإحصاءات حكومية. ورفعت حصتها في السوق من 3.6% من الركاب الدوليين الذين تم نقلهم من وإلى أستراليا، في فبراير/شباط من العام الماضي، إلى 16.2% هذا العام، بحسب البيانات.
يقول الباكر: "أياً كان ما سيحدث في العالم، ستوجد دوماً أسواق يرغب الناس في السفر إليها، ونحن نسعى للفوز بكل دولار على الطاولة"، وأضاف أن الطائرات القطرية ممتلئة بنسبة 40% في المتوسط حالياً، وبعض الرحلات تعمل بسعة حوالي 15%.
وبإمكان شركة الطيران القطرية المدعومة من الدولة تحمل تكاليف التوسع، لأن قطر الغنية بالغاز واحدة من أغنى دول العالم. والحكومة ترغب في استغلال شركتها لدعم السياحة قبل استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
الخطوط القطرية تخرج بعد الحصار أقوى مما كانت عليه
وقد دخلت الخطوط الجوية القطرية، التي تأسست عام 1994، بعد تسع سنوات من طيران الإمارات، منافسة طويلة مع الشركة الإماراتية على حركة المرور الدولية، واستعانت بمحطات خليجية لربط المسافرين بين آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وقد تعاونت الشركتان في بعض الأحيان. فعام 2013، تفاوضت كلتاهما بشكل مشترك مع شركة Boeing Co على طلبات لطائرة 777X وتصميماتها.
إلا أن أي إحساس بالمشاركة تبدَّد عام 2017، حين شنّت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر حملة مقاطعة لقطر لخلافات ومزاعم سياسية. وكانت قطر قد نفت تلك المزاعم بدعم "جماعات متطرفة". وتسبب هذا الخلاف في إعاقة الوصول الجوي إلى قطر، التي تقع في شبه جزيرة، وهو ما اضطر شركة الطيران الوطنية إلى اتخاذ مسارات غير مباشرة، أدت إلى زيادة تكاليف الوقود وإطالة مدة الرحلات.
وفي يناير/كانون الثاني، أعادت الدول الشرق أوسطية العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، ما مكن الخطوط الجوية القطرية من العودة إلى أجوائها من جديد. وقد ساعد ذلك في تقليص مدة السفر إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وزيادة أعداد عملائها المحتملين في المنطقة.
يقول جون ستريكلاند، الذي يدير شركة استشارات الطيران JLS Consulting، عن الشركتين المتنافستين: "كل منهما لديها نقاط قوتها وتحدياتها المختلفة. فالخطوط الجوية القطرية تتمتع الآن بميزة انتهاء العقوبات. وهي في وضع أفضل على المدى القصير، بامتلاكها بعض الطائرات الصغيرة في أسطولها".
وأضاف ستريكلاند أن معدلات التطعيم المرتفعة في الإمارات -حيث تلقى ما يقرب من نصف السكان جرعتي اللقاح- تفيد طيران الإمارات عن طريق جذب المزيد من السياح إلى دبي.
"القطرية" تستقطب الموظفين الذين استغنت عنهم "طيران الإمارات"
لكن التقليص الأخير لأعداد الموظفين في طيران الإمارات يعني الاستغناء عن الطيارين وطواقم الطائرات وغيرهم من الموظفين أو خفض أجورهم. واستغلت الخطوط الجوية القطرية ذلك وعينت لديها بعض الموظفين الذين استغنت عنهم طيران الإمارات أو قلصت أجورهم، وفقاً لأشخاص مطلعين على هذه التعيينات.
وتييري أنتينوري ممن سيساهمون في دفع عجلة التوسع في الخطوط الجوية القطرية، وهو مسؤول تنفيذي كبير انضم للشركة عام 2019، بعد رحيله عن طيران الإمارات، حيث اعتُبر يوماً بديلاً محتملاً لكلارك، رئيس شركة طيران الإمارات.
وتسعى كلتا الشركتين إلى التوسع في أمريكا الشمالية، السوق الذي قد يحدد الشركة التي ستخرج من الجائحة وهي أقوى حالاً.
ويقول كلارك إنه يتوقع أن تعيد طيران الإمارات رحلاتها في نهاية المطاف إلى جميع المطارات الأمريكية، البالغ عددها 12 مطاراً إلى شبكتها. وفي غضون ذلك يقول الباكر إن قطر ستبدأ قريباً تسيير رحلات إلى أتلانتا، ليرتفع عدد الوجهات النشطة في الولايات المتحدة إلى 12 وجهة.