الاكتشافات الجديدة تعيد كتابة تاريخ مصر القديمة، فهل تعيد السياحة رغم الوباء؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/26 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/27 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
مصر تكشف عن تفاصيل "المدينة الأثرية المفقودة"/ رويترز

تسببت سلسلة من الاكتشافات الأثرية الجديدة في مصر في حالة من الإبهار لعلماء الآثار حول العالم وستؤدي على الأرجح إلى إعادة كتابة تاريخ قدماء المصريين، ويأمل المصريون الآن في أن تؤدي تلك الاكتشافات إلى عودة السياحة إلى بلدهم الذي يعاني من الضغوط الاقتصادية.

ففي شهر يناير/كانون الثاني تم اكتشاف معبد جنائزي يعود إلى ملكة مصرية قديمة لم تكُن معروفة من قبل، وفي فبراير/شباط، عثر علماء الآثار على 16 غرفة دفن بشرية في موقع معبد قديم بضواحي محافظة الإسكندرية الشمالية، بالإضافة إلى اثنتين من المومياوات بألسنة ذهبية.

وفي فبراير/شباط أيضاً، اكتشف علماء الآثار في محافظة سوهاج الجنوبية ما يُعتقد أنَّه أقدم مصنع للجعة في العالم، إذ يعود عمره إلى 5 آلاف عام، ويفترض الباحثون أنَّ الجعة كانت تُستخدم في طقوس الدفن لملوك مصر القدامى.

وفي مارس/آذار الماضي، اكتشف الأثريون أنقاض مستوطنة مسيحية قديمة في الواحات البحرية الواقعة بالصحراء الغربية في مصر، ويلقي هذا الاكتشاف ضوءاً جديداً على الحياة الرهبانية في القرن الـ5 الميلادي.

حفل موكب نقل المومياوات الفرعونية
حفل موكب نقل المومياوات الفرعونية

وفي الأسبوع الماضي بمدينة الأقصر الجنوبية، أعلن علماء الآثار اكتشاف "مدينة مفقودة" مدفونة تحت الرمال عمرها 3000 عام وكانت تُسمّي "صعود آتون"، ويوصف هذا الاكتشاف بأنَّه أكبر وأهم  اكتشاف أثري بعد العثور على مقبرة الملك الصغير، توت عنخ آمون.

معبد جنائزي للملكة "نيت"

وقد تسببت سلسلة الاكتشافات الأثرية الجديدة في منطقة سقارة، من بينها معبد جنائزي وآبار دفن وقطع أثرية وعدد من التوابيت الخشبية، فيما يصفه البعض بأنه قد يغير مناهج علم المصريات بشكل جذري، وأشارت صحيفة The Washington Post الأمريكية في تقرير لها إلى أنَّ الاكتشاف الأهم جاء عندما عثر علماء الآثار على نقوش تبيّن أنَّ المعبد الجنائزي المكتشف ينتمي إلى ملكة مصرية قديمة لم تكن معروفة من قبل، وهي الملكة نيت، زوجة الملك تتي، أول ملوك الأسرة الـ6 في مملكة مصر القديمة، والتي حكمت قبل أكثر من 4300 عام.

وقالت نرمين أبواليزيد، واحدة من أعضاء الفريق الأثري، للصحيفة إنَّ "حضارتنا المصرية مليئة بالألغاز وقد اكتشفنا أحد هذه الألغاز". فقبل العثور على هذا النقش، كان يُعتقد أنَّ الملك تتي له زوجتان فقط، إيبوت وخويت. لكن معرفة أنَّه كان لديه زوجة ثالثة اسمها الملكة نيت واكتشاف المعبد الجنائزي الخاص بها يدفع إلى إعادة التفكير في تلك الأيام القديمة.

وفي هذا الصدد، قال عالم الآثار المصري الشهير ووزير الآثار الأسبق، زاهي حواس: "نحن نعيد كتابة التاريخ"، مضيفاً أنَّ هذه الاكتشافات تعيد تشكيل فهم العالم للفترة الفرعونية، وتابع حواس، 73 عاماً، وهو يقف وسط أنقاض المعبد الجنائزي: "نكتب الآن فصلاً جديداً في تاريخ المملكة القديمة بإضافة اسم ملكة جديدة لم تكن معروفة من قبل، وهي الملكة نيت".

لكن أهمية هذا الاكتشاف الأثري لا تقتصر على مجرد معرفة ملكة جديدة، إذ عثر فريق زاهي حواس على نقوش تشير إلى نيت بوصفها ابنة ملك فرعوني، الأمر الذي أثار تساؤلات حول احتمالية أن تكون نيت زوجة الملك تتي وابنته في نفس الوقت. وكان يُعتقد على نطاق واسع أنَّ الملوك الفراعنة قد تزوجوا من أخواتهم وبناتهم، لكن كان ذلك في أواخر حكم الأسرة السادسة التي ينتمي إليها الملك تتي. 

يت قديمة مطلية تحتوي على مومياوات/رويترز
توابيت قديمة مطلية تحتوي على مومياوات/رويترز

تساءل حواس: "هل نيت ابنة ملك من الأسرة الخامسة أم أنَّها ابنة الملك تتي؟"، مشيراً إلى أنَّه "إذا كانت ابنة تتي، ستكون هذه المرة الأولى في التاريخ المصري التي يتزوج فيها ملك من ابنته".

تشير النقوش الموجودة أيضاً داخل المقبرة إلى أنَّ تتي ربما كان يُعبد في المملكة المصرية الحديثة. عثر الفريق الأثري أيضاً في إحدى آبار الدفن على 54 تابوتاً خشبياً ما زالت تحتوي على مومياوات وأسماء المتوفين مكتوبة على الخشب، الأمر الذي يشير- وفقاً لزاهي حواس- إلى أنَّ العديد من أتباعه أرادوا أن يُدفنوا حول هرمه. 

وُضع الفقراء في توابيت خشبية بسيطة، لكن التوابيت الملونة والمزينة بزخارف شديدة الأناقة كانت تخص أتباع تتي الأثرياء، ومن بين القطع الأثرية المكتشفة أيضاً كانت أجزاء من بردية طولها 15 قدماً تضمنت نصوصاً من كتاب الموتى، وهو مجموعة تعويذات كتبها الكهنة لمساعدة الشخص المتوفى على المرور عبر العالم السفلي والحياة الآخرة.

ويحاول أعضاء فريق الآثار تجميع أجزاء البردية معاً، بالإضافة إلى العمل على ترميم القطع الأثرية ودراستها للوصول إلى فهم أعمق لكيفية إعداد المصريين أنفسهم لحياة ما بعد الموت، وثمة قطع فخارية مستوردة تكشف النقاب عن تفاصيل جديدة للحياة القديمة، من بينها ازدهار التجارة بين مصر وفلسطين وقبرص وكريت وسوريا.

قال حواس: "تُظهر الحفريات والقطع الأثرية مدى أهمية سقارة في المملكة المصرية الحديثة وتكشف لنا المزيد عن المعتقدات التي كان يؤمن بها كل من الأثرياء والفقراء"، ويتوقع حواس أنَّ الأمر سيستغرق 20 عاماً حتى نحل الألغاز ونكتشف الأسرار الموجودة تحت أرض منطقة سقارة، قائلاً "لم نكتشف سوى 30% فقط من آثار سقارة. إنَّها موقع إذا حفرت في أي مكان، ستجد شيئاً ما".

هل تعود السياحة لمصر؟

ويشير تقرير صحيفة The Washington Post إلى أنَّ مقابر منطقة سقارة في مصر تُمثّل مركزاً لتطلعات البلاد وأسرارها المدفونة تحت الأرض، لأنَّها كانت جزءاً من مقابر العاصمة المصرية القديمة ممفيس (منف) وباتت أطلالها مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتزيد تلك الاكتشافات الجديدة آمال الحكومة المصرية في جذب مزيد من السائحين وتدفق العملة الأجنبية وتأمين فرص عمل لملايين المواطنين في وقت تعاني فيه مصر والعالم من تبعات اقتصادية واجتماعية شديدة الوطأة جراء جائحة فيروس كورونا المستجد. 

وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً آخر عن دور تلك الاكتشافات الأثرية المهمة في تحفيز تعافي قطاع السياحة المصري الذي تضرر بشدة في الآونة الأخيرة جراء تفشي فيروس كورونا.

وأكّدت الصحيفة في تقريرها، الذي يحمل عنوان "علم المصريات يشهد لحظة عظيمة.. فهل سيعود السائحون إلى مصر"، أنَّ إعلان البعثة الأثرية المصرية برئاسة حواس اكتشاف المدينة المفقودة تحت الرمال "صعود آتون" يُمثّل لحظة عظيمة بالنسبة لعلم المصريات.

وقد جاء هذا الاكتشاف بعد أيام قليلة فقط من موكب نقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف جديد بمنطقة الفسطاط في مشهد رائع فخم بثته القنوات في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى فيلم وثائقي حديث على شبكة "نتفليكس" بعنوان "أسرار مقابر سقارة" يتحدث عن اكتشافات أثرية حديثة في سقارة، والذي أصبح ضمن قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة على المنصة.

علاوة على ذلك، في العام الماضي، أعيد افتتاح هرم زوسر المدرج الذي يعود تاريخه إلى 4700 عام بعد ترميم دام 14 عاماً بتكلفة 6.6 مليون دولار، ولا يزال العمل يسير على قدمٍ وساق في المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه في وقتٍ ما هذا العام.

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي / رويترز

لكن جاءت جائحة فيروس كورونا لتوجه ضربة قاسية لصناعة السياحة في مصر وتحوّل ما كان متوقعاً أن يكون موسماً مزدهراً إلى فترة قاتمة، فوفقاً لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، تسبّبت القيود المفروضة على السفر وإغلاق الحدود وتقليص القدرة الاستيعابية للفنادق في تراجع عدد السائحين الأجانب القادمين إلى مصر بنسبة 69% في الأشهر الـ8 الأولى من عام 2020 في حين تراجعت عائدات السياحة بنسبة 67% خلال نفس الفترة.

وعانى قطاع السياحة في مصر جراء سلسلة من النكبات خلال السنوات الأخيرة، بدايةً من عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب ثورة 2011 والعمليات الإرهابية التي كانت تُنفّذ بين الحين والآخر، من ضمنها هجمات على السائحين وتفجيرات قنابل دمرت متاحف بارزة وحادث تحطم طائرة ركاب راح ضحيته مئات من السائحين الروس في عام 2015. ومع ذلك، كانت السياحة تتعافى على نحوٍ مطرد، حيث ارتفع العدد من 5.3 مليون سائح في عام 2016 إلى أكثر من 13 مليوناً في عام 2019. 

لكن جاءت جائحة فيروس كورونا لتبدّد المكاسب وتترك الفنادق والمنتجعات والمواقع الأثرية الشهيرة فارغة بدون زوار، وتتسبّب في تقليص دخل- أو تشريد- آلاف المرشدين السياحيين وجميع العاملين في هذا القطاع الحيوي.

وقال عمرو كريم، المدير العام لشركة "Travco Travel"، إحدى أكبر شركات السياحة في مصر، في مقابلة عبر الهاتف مع صحيفة New York Times: "لقد أثَّر الوباء تأثيراً سلبياً شديداً على السياحة المصرية، التي شهدت أحد أفضل أعوامها في عام 2019. لا أحد يعرف ماذا سيحدث، الوضع غريب".

ومؤخراً حذر مسؤولو الصحة في مصر من موجة ثالثة من تفشي الفيروس مع تزايد عدد حالات الإصابة، واتّخذت السلطات المصرية سلسلة من التدابير لمواجهة هذا الوضع الوبائي، من بينها إلغاء التجمعات وإقرار غرامة على مَن لا يلتزم بإجراءات الوقاية مثل ارتداء أقنعة الوجه.

علاوة على ذلك، يتعيّن على القادمين إلى مصر الحصول على شهادة تثبت نتيجة فحص سلبية لاختبار الكشف عن فيروس كورونا قبل 72 ساعة من الوصول، وباتت الفنادق ملزمة بالعمل بنصف طاقتها مع الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية التي أقرتها الدولة المصرية.

في الوقت نفسه، تدخلت الحكومة للتخفيف من شدة الضرر الذي يتعرض له العاملون في مجال السياحة، من خلال السماح لبعض الشركات المعتمدة على السياحة مثل الفنادق والمنتجعات بتأخير سداد فواتير المرافق وإعادة جدولة مدفوعات تسديد الديون، بالإضافة إلى تقديم مساعدة مالية للعاملين في السياحة، كما سعت الحكومة إلى جذب الزوار بخفض تكلفة التأشيرات السياحية ورسوم الدخول إلى المواقع الأثرية، ووضعت أيضاً برامج ترويجية تهدف إلى زيادة السياحة الداخلية لتعويض تراجع أعداد السائحين الأجانب.

تعليقاً على ذلك، قال أحمد سمير، الرئيس التنفيذي لشركة "Egypt Tours Portal"، إنَّ الدعم الحكومي النقدي للعاملين في السياحة كان ضئيلاً، مشيراً إلى أنَّه أستطاع بالكاد إبقاء موظفي قسم التسويق وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن بنصف الراتب. قال سمير: "حاولت تحقيق التوازن تعاطفاً مع الموظفين. لقد أغلق معظم أصدقائي شركاتهم تماماً".

وفي مقهى الفيشاوي، أحد أشهر المقاهي التاريخية في القاهرة، تحدث مراسل صحيفة New York Times مع محمد ريحان، مرشد سياحي بإحدى الشركات المحلية: "اعتدت إحضار الزوار إلى هذا المقهى الذي كان ممتلئاً دائماً، لكن انظر إليه الآن. لقد تسبَّب الوباء في أزمة كبيرة".

وأضاف ريحان أنَّ كثيراً من زملائه وأصدقائه اضطروا للبقاء في المنزل لأشهر بدون دخل أو تركوا مجال السياحة تماماً، ومع ذلك، يأمل كثيرون في أنَّ الاكتشافات الأثرية الجديدة والافتتاح المقرر لعدد من المواقع والمتاحف سيسهم في عودة السائحين تدريجياً إلى مصر بحلول نهاية العام. قال عمرو كريم، المدير العام لشركة Travco Travel: "سيبدأ الناس في السفر. أنا متفائل".

تحميل المزيد