مع بقاء أقل من ستة أشهر قبل أن يدلي الألمان بأصواتهم لانتخاب مستشار جديد، أصبح الفراغ السياسي الذي تركته أنجيلا ميركل وراءها بعد 16 عاماً من القيادة القائمة على الإجماع أكثر وضوحاً، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية.
"خصومة أسرية" بين المحافظين الألمان على خلافة ميركل
لقد سيطر "صراعٌ نادرٌ وحاقدٌ" على السلطة، على المحافظين في ألمانيا هذا الأسبوع، حيث يتنافس منافسان على خلافتها، وهو ما يهدد بمزيد من عرقلة مسيرة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تنتمي إليه ميركل، والذي يتراجع بالفعل في استطلاعات الرأي.
في الوضع الطبيعي، كان أرمين لاشيت، 60 عاماً، الذي انتُخب في يناير/كانون الثاني لقيادة الحزب، سيصبح بشكل شبه مؤكد هو وريث ميركل. بدلاً من ذلك وجد نفسه بشكل غير متوقع في مواجهة أكبر منافسيه، ماركوس زودر، الرئيس الأكثر شعبية لحزب أصغر موجود في بافاريا فقط، وهو الاتحاد الاجتماعي المسيحي، في نوع من الخصومة الأسرية بين المحافظين.
يدعو الخبراء وأعضاء الحزب على حد سواء إلى تسوية الخلاف في غضون الأيام المقبلة، لأن الأمر يخاطر بالإضرار بسمعة الحزبين المحافظين اللذين يشار إليهما معاً باسم الاتحاد. ولأن الحزبين يعملان بوصفهما كياناً واحداً على المسرح الوطني يجب عليهما اختيار مرشح واحد لمنصب المستشار.
فرص لاشيت تتراجع
لقد كان يُنظر إلى قيادة ميركل للحزب ذات مرة على أنها ميزة للاشيت، لكنها أصبحت مؤخراً عبئاً ثقيلاً. فمع طرح غير موفق للقاح واستجابة مربكة للجائحة، انخفض الدعم للمحافظين بنسبة 10% منذ بداية العام.
وبعد سلسلة من الهفوات الشخصية، انخفضت شعبية لاشيت. ففي ولايته، نوردراين فيستفالن، قال أكثر من نصف السكان إنهم غير راضين عن أدائه، وأظهر استطلاع هذا الأسبوع أن 4% فقط من الألمان على مستوى البلاد يرونه "زعيماً قوياً".
في الوقت نفسه، استخدم زودر، 54 عاماً، وهو أيضاً حاكم بافاريا، العديد من مرات الظهور إلى جانب ميركل بعد الاجتماعات المتعلقة بالجائحة لتلميع صورته، بوصفه رجلاً مسؤولاً، وقادراً على معالجة القضايا الصعبة وإنجاز الأمور. وقال 57% من الألمان إن زودر أظهر صفات "القائد القوي".
كان زودر مدركاً لشعبيته، وبدأ في الضغط علناً من أجل الترشح في وقت سابق من هذا الأسبوع، مستشهداً بأدائه القوي والمستقر في استطلاعات الرأي في مواجهة لاشيت، رغم تحذيرات كبار المحافظين من أن الرأي العام قد يكون متقلباً.
وبعد أن ناقش المشرعون المحافظون البارزون القضية يوم الأحد 11 أبريل/نيسان، قال زودر إنه على استعداد للترشح، إذا كان الديمقراطيون المسيحيون سيدعمونه. وأضاف أنه إذا لم يحدث ذلك فسوف يتعاون "دون أي ضغائن".
"لعبة تكسير عظام"
ولكن يوم الإثنين 12 أبريل/نيسان، بعد أن دعم مجالس كل حزب زعيمهم، غيّر زودر موقفه فجأة. وواصل الضغط من أجل حقه في الترشح لمنصب المستشار خلال اجتماع مغلق للنواب المحافظين يوم الثلاثاء. وبعد أربع ساعات من المناقشات أعرب ما يقرب من ثلثي الحاضرين عن دعمهم للزعيم البافاري، بما في ذلك أعضاء حزب لاشيت.
في بلد ينظر إلى فن التوصل إلى تسوية على أنه مهارة قيّمة للقائد، يمكن أن تكلف لعبة تكسير العظام المعلنة هذه ثمناً باهظاً، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه شعبية حزب الخضر الناشط في مجال البيئة بسرعة، لا يمكن للمحافظين تحمل تكلفة مثل هذا العرض العلني من التضارب.
وقال كلا المتنافسين إنه يود البتّ في الأمر بحلول نهاية الأسبوع، والضغط من داخل كلا الطرفين يتزايد من أجل حل سريع.
وتتنافس أربعة أحزاب سياسية أخرى للفوز بأكبر عدد من الأصوات، في 26 سبتمبر/أيلول، والاستيلاء على السلطة من خلال تشكيل حكومة واختيار المستشار.
وقد اختار الاشتراكيون الديمقراطيون من اليسار المعتدل، الذي كان الحزب الأصغر في الائتلاف الحكومي لميركل منذ عام 2017، تعيين وزير المالية ونائب المستشار، أولاف شولتز، ليكون خياراً لهم لمنصب المستشار. ومن المقرر أن يعلن حزب الخضر، الذي يعد ثاني أقوى حزب متقدم على الاشتراكيين الديمقراطيين وقريباً خلف المحافظين، عن مرشحه يوم الإثنين، 19 أبريل/نيسان.
هل يتنازل لاشيت لأجل زودر؟
ليس الجميع على استعداد للتخلي عن لاشيت حتى الآن. فهو سياسي نجح مؤخراً في الفوز بمنصب حاكم ولاية نوردراين فيستفالن، بعد هزيمة حاكمها السابق المحبوب، والفوز أيضاً بالسباق الذي امتد لأشهر لقيادة الحزب الديمقراطي المسيحي، في يناير/كانون الثاني، وفي الحالتين حقق النصر بعد أن كان متأخراً.
كذلك يحظى لاشيت بدعم بعض من كبار أعضاء حزبه وأكثرهم نفوذاً، بما في ذلك وزير المالية السابق فولفغانغ شوبل، الذي كان موجوداً منذ المرة الأولى التي انقسم فيها المحافظون حول مرشح لمنصب المستشار في عام 1979.
من ناحية أخرى، إذا كان هناك ضغط كافٍ من داخل الحزب على لاشيت، فيمكنه التنازل لزودر من أجل الحزب والحاجة إلى المضي قدماً. وذلك سيمنح الزعيم البافاري نصراً من شأنه أن يعزز سمعته باعتباره شخصاً بارعاً حاد الذكاء، سيغير سياساته لتُناسب المزاج العام.