بين الحين والآخر يزداد التوتر بين الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن وبين روسيا، وكان آخر فصول هذا التوتر هو العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على موسكو والتي يراها عدد من المحللين السياسيين أنها لا تعدو أكثر من "قرصة أذن" لروسيا ولن تؤثر بشكل كبير على نظام بوتين.
وعلى الرغم من الحديث الجريء من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، لا يوجد سببٌ وجيه للاعتقاد بأن حزمة العقوبات الروسية التي أعلنها الرئيس جو بايدن أمس الخميس، 15 أبريل/نيسان، ستفعل شيئاً لتغيير سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو حساباته بحسب ما يقول موقع Axios الأمريكي.
عقوبات بطعم المناورة
وفي حين أن بعض عناصر حزمة العقوبات -على وجه التحديد استهداف الديون السيادية لروسيا- تمثِّل إجراءات عقابية كبيرة ضد موسكو، فإنها تترك مجالاً كبيراً للمناورة للرئيس الروسي.
دافعت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي عن هذا الإجراء، إذ قالت للصحفيين: "لا يمكننا التنبؤ بما سيكون عليه التأثير، لكننا لا نزال نعتقد أنه عندما يكون هناك سلوكٌ غير مقبول، يجب أن نضع العواقب".
اعتاد وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، الذي كان يعرف بوتين وتعامَلَ معه لسنوات أثناء إدارته لشركة إكسون موبيل، أن يقول لزملائه إن العقوبات لم تفعل شيئاً لردع الزعيم الروسي. ومن الصعب مجادلة تيلرسون في ذلك.
فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون شكلاً من أشكال العقوبات ضد روسيا كلَّ عامٍ منذ 2014، عندما ظهر "رجال بوتين الخضر الصغار" لأول مرة في أوكرانيا.
منذ ذلك الحين، واصلت روسيا احتلال شبه جزيرة القرم وشرقي أوكرانيا، علاوة على دعمها نظام الأسد الوحشي في سوريا، واختراق الانتخابات الأمريكية والغربية الأخرى، وسحق الاحتجاجات في الداخل الروسي، ومحاولة اغتيال المعارضين على أراضي أجنبية، من بين أمورٍ أخرى.
ولكن، فتحت عقوبات أمس الخميس مجالاً جديداً في العالم السيبراني.
أسباب العقوبات
اتَّهَمَت الحكومة الأمريكية رسمياً الاستخبارات الخارجية الروسية باختراق شركة SolarWinds، وحدَّدَت المتعاونين معها بتفاصيل دقيقة، كما أشار خبير الأمن الألماني توماس ريد في تغريداتٍ شارحة على منصة تويتر.
لكن موقع Responsible Statecraft الأمريكي يقول إنه رغم وصف اختراق SolarWinds على نطاقٍ واسع بأنه "هجوم"، فإنه لم يكن كذلك. إذ لم تتعرَّض أيُّ مؤسَّسات أمريكية أو بنية تحتية للهجوم. لقد كانت عملية تجسُّس في الفضاء الإلكتروني، من النوع الذي أقرَّت الولايات المتحدة صراحةً بتنفيذها ضد روسيا ودولٍ أخرى. ويضيف الموقع الأمريكي أن جميع الدول الكبرى تقوم بمثل هذا النوع من التجسُّس، ولم يسبق أن كان ذلك سبباً لفرض عقوبات. لذلك، فإن إدارة بايدن تُدخِل عاملاً جديداً وخطيراً للغاية في العلاقات الدولية. علاوة على ذلك، نفَّذَت إسرائيل للتوِّ عمليةً صريحةً من التخريب السيبراني ضد إيران في محاولةٍ واضحة لتدمير المحادثات الأمريكية مع إيران -دون كلمة إدانة واحدة من واشنطن رداً على ذلك.
كيف ستؤثر العقوبات على روسيا؟
صرَّحَ مسؤولٌ كبير بالإدارة الأمريكية للصحفيين بأن فرض حظر على شراء البنوك الأمريكية للسندات الحكومية الروسية مباشرةً يمكن أن يخلق "تأثيراً مخيفاً أوسع" من شأنه إضعاف الروبل الروسي، وسيكون له آثار سلبية على التضخُّم والنمو الاقتصادي.
لكن قدرة المستثمرين على الاستمرار في شراء السندات الروسية في السوق الثانوية تقلِّل من التأثير الكلي للقيود -مِمَّا يعكس رغبة بايدن في بعث رسالة واضحة إلى الروس دون المبالغة في ذلك.
ما هو مفقودٌ في شأن العقوبات هو أن بايدن لم يعلن بشكلٍ خاص عن عقوباتٍ تستهدف نورد ستريم 2، وهو خط أنابيب روسي ألماني شبه كامل سيعبر من خلال أوكرانيا وينقل الغاز الروسي مباشرةً إلى الاتحاد الأوروبي.
ووَصَفَ بايدن أمس الخميس نورد ستريم 2 بأنه قضية مُعقَّدة لا تزال "مشكلةً قائمة"، وأنه يعارض خط الأنابيب. والحقيقة أنه لا أحد يتوقَّع منه أن يعاقب حليفاً -ألمانيا- وهو الأمر الذي قد يوقِف فعلياً خط الأنابيب عن الاكتمال.
وقال مصدر مُقرَّب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لموقع Axios الأمريكي: "لم يتلقَّ الأوكرانيون أيَّ تأكيداتٍ من واشنطن بأنه سيجري اتِّخاذ جميع الإجراءات الممكنة لوقف بناء خط الأنابيب".
ولا تستهدف قائمة الروس الخاضعين للعقوبات أيَّ فئةٍ من القلة الحاكمة. وقال زعيم المعارضة الروسية المسجون، أليكسي نافالني، إن استهداف الأوليغارشية من المُرجَّح أن يردع بوتين بسبب الثروة الهائلة التي يمتلكونها نيابةً عنه.
الصين هي المستفيد
لكن موقع Responsible Statecraft يقول إن هذه العقوبات ستدفع روسيا أكثر إلى أحضان الصين، فإذا ساعدت العقوبات إدارة بايدن في إيقاف خط أنابيب نورد ستريم 2 من روسيا إلى الصين، فسوف تخاطر الإدارة بتعميق الاعتماد الاقتصادي الروسي على الصين إلى درجة أنه لن يتمكَّن أيُّ بيت أبيض في المستقبل من فصل روسيا عن الصين، رغم مصلحة الولايات المتحدة الإستراتيجية الهائلة والواضحة للقيام بذلك.
وأخيراً، هناك تأثيرٌ مُحتَمَلٌ في أوكرانيا. على عكس الغالبية العظمى من التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية، فإن الحكومة الأوكرانية لها نصيب من اللوم عن التصعيد الأخير للتوتُّرات مع روسيا من خلال الضغط على شبه جزيرة القرم (وهي إستراتيجية لا طائل منها، فلا توجد طريقة ممكنة يمكنها أن تجعل روسيا تتخلَّى عن منطقةٍ أعلنتها جزءاً من أراضيها السيادية، وهي خطوة أكَّدها استفتاءٌ محلي). إذا قرَّرَ الرئيس الأواكراني زيلينسكي أن عداء واشنطن لروسيا هو عداءٌ مُطلَق إلى درجة أنه يستطيع الاعتماد عليها للحصول على الدعم في الحرب، فقد يرتكب خطأ الرئيس الجورجي ساكاشفيلي في أغسطس/آب 2008.