كان الإعلان عن نجاح الصاروخ التركي بوزدوغان في إصابة طائرة مسيرة، بمثابة بطاقة دخول لأنقرة إلى نادي الدول القليلة في العالم التي تصنع الصواريخ جو-جو.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أعلن أمس الأربعاء، أن بلاده نجحت في أن تكون واحدة من الدول القليلة التي تمتلك تكنولوجيا صواريخ "جو – جو".
ونشر حساب الرئيس التركي فيديو لعملية إطلاق صاروخ "جو جو" محلي الصنع من طائرة إف-16.
وأشار إلى أن الصاروخ "بوزدوغان" الذي طوره المهندسون والفنيون الأتراك نجح في إصابة الهدف من أول إطلاق، مضيفاً بالقول: "ما شاء الله على الشباب".
وسبق أن تم إطلاق هذا الصاروخ بنجاح من الأرض، حيث اعترض جسم الهدف الجوي، وهي طائرة بدون طيار عالية السرعة Simsek، المصنعة من قبل شركة صناعات الفضاء التركية (TAI).
وطورت هذه الصواريخ في معهد البحوث والتطوير في مجال الصناعات الدفاعية "سيغ"، التابع لهيئة البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا "توبيتاك".
صاروخان ضمن مشروع كبير
ويأتي هذا الصاروخ ضمن مشروع GÖKTUĞ الذي بدأ في عام 2013، لتجديد واستبدال الصواريخ المستخدمة حالياً من قبل القوات الجوية التركية بأنظمة مصنعة محلياً.
ويهدف المشروع إلى تطوير نوعين مختلفين من الصواريخ جو جو
الأول هو الصاروخ بوزدوغان (Merlin) هو عبارة عن صاروخ موجه قصير المدى بالأشعة تحت الحمراء، والثاني هو الصاروخ غوك دوغان المتوسط والبعيد المدى.
كان أول اختبار مبدئي لكلا الصاروخين قدم تم بنجاح في عام 2018.
مواصفات الصاروخ التركي بوزدوغان
وهو الصاروخ الذي أعلن عن نجاح اختبار إطلاقه من الإف 16، ويبلغ وزن صاروخ بوزدوغان 140 كلغ، وسرعته 4 ماخ (4 أضعاف سرعة الصوت).
عمل معهد "SAGE" على تطوير صاروخ بوزدوغان ليصبح قادراً على إجراء مناورة في سرعة تفوق بكثير سرعة الصوت.
وفقاً لصحيفة ديلي صباح (صحيفة يومية تركية مقربة للحكومة)، فلقد تم استكمال إطلاق Bozdoğan التجريبي الموجه لمنصة الإطلاق، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وسيحل صاروخ بوزدوغان قصير المدى محل صواريخ "AIM-9X Sidewinder" الأمريكية، التي تستخدمها القوات الجوية التركية حالياً.
وينتمي بوزدوغان إلى فئة الصواريخ العاملة ضمن النطاق البصري بمدى يقل عن 30 كم، حسب موقع Eurasian Times.
وتهدف هذه الصواريخ إلى الاستفادة من خفة حركتها بدلاً من مداها. لديها التصوير بالأشعة تحت الحمراء ونظام باحث حراري ونظام "أطلق وأنس"، كما يمكن إطلاقه من كل زاوية.
مواصفات صاروخ غوك دوغان (Gökdoğan)
هو صاروخ بباحث راداري طويل المدى ونشط، كما لديه تدابير إلكترونية مضادة لتقنيات التشويش.
ويتضمن الصاروخ رأس باحث رادار نشط بعيد المدى.
والصاروخ (Gökdoğan) لديه قوة دفع عالية مع تقنية الوقود الصلب منخفضة الدخان ونظام تسليح وإطلاق محرك صاروخي آمن وموثوق به إلكترونياً بالكامل.
ويعد Gökdoğan هو أول صاروخ مع باحث راداري تم تطويره في تركيا.
وإضافة إلى إمكانية إطلاقه من الطائرات إف 16، يستهدف المشروع استخدامه كصاروخ دفاع جوي يطلق من قواعد أرضية وبحرية (سطح- جو).
ويستخدم غوك دوغان تكنولوجيا الصواريخ التركية ذات الوقود الصلب ثنائية المحرك، والتي تعمل أيضاً على تشغيل الخط الجديد من صواريخ أرض-جو في البلاد.
يهدف الصاروخ غوك دوغان الذي يتجاوز مدى الرؤية، إلى استبدال صاروخ "AIM-120 AMRAAM" الأمريكي، الذي يعد أطول صاروخ من حيث المدى يعمل في الترسانة الأمريكية حالياً.
متى تنضم صواريخ بوزدوغان للخدمة؟
ينظر إلى صواريخ "غوك دوغان" و"بوزدوغان" على أنها حاسمة في تحقيق التفوق الجوي، علماً أن الصاروخ الأخير مرئي (غير شبحي)، بينما صواريخ "غوك دوغان" غير مرئية (شبحية).
تهدف تركيا إلى تزويد قواتها المسلحة بصواريخ "بوزدوغان"، أول صواريخ "جوـ جو" محلية الصنع في 2022.
يعمل معهد البحوث والتطوير في مجال الصناعات الدفاعية "سيغ"، التابع لهيئة البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا الذي طور الصاروخين على مشروع "غوك توغ" الرامي إلى تطوير صواريخ التدريب الإلكترونية.
استخدامها في الطائرات المسيرة
الصاروخان سيتم إطلاقهما من طائرات F-16، بالإضافة إلى طائرة تدريب، والمقاتلة الخفيفة Hurjet التركية الصنع والمقاتلة من الجيل الخامس الشبحية، التي تطمح أنقرة إلى إنتاجها ( TF-X).
وتقول تركيا إن استخدام صواريخ "غوك دوغان" و"بوزدوغان" في مقاتلات "إف 16″، سيكون مخصصاً ضد المقاتلات والطائرات كبيرة الحجم والمروحيات والمسيرات والصواريخ الموجهة.
كما أنه من المقرر أن تكون صواريخ "غوك دوغان" و"بوزدوغان" من بين ذخيرة الطائرات المسيرة من نوع "أقنجي" و"آق صونغور" التركيتين، فضلاً عن كونها واحدة من الأسلحة المهمة للمقاتلة الوطنية التركية الشبحية.
ما أهمية هذه الخطوة؟
يعد تطوير الصاروخين Bozdogan وGökdoğan نقطة مهمة في تاريخ الصناعات العسكرية التركية.
فرغم أنه من الشائع أن تلقى أخبار تطوير الطائرات الاهتمام الأكبر من قبل الإعلام، فإن الواقع أن تطوير الصواريخ الجو الجو مسألة غاية في الأهمية من الناحية العسكرية والسياسية.
أولاً مع تطور الرادارات والصواريخ، يعتقد أن أهمية قدرات الطائرة في المناورة والسرعة تتراجع، لأن الأهم في المعركة الجوية أصبح من يكتشف خصمه (الرادار) أولاً ومن يطلق عليه النار بشكل فعال ثانياً (الصواريخ).
على سبيل المثال يشعر الأمريكيون بالقلق من الصاروخ الصيني طويل المدى PL-15، ويعتقد بعض المحللين أن الطائرة الصينية J 20 قد تتفوق على الإف 35 الشهيرة بفضل هذا الصاروخ، بل رأى البعض أن الطائرة الباكستانية الصغيرة جي إف 17 قد تتفوق على الرافال بفضل هذا الصاروخ.
الأمر الثاني أن الصواريخ جو جو تعد مسألة سياسية حساسة، فبينما تصدر الدول الكبرى عادة طائراتها الشهيرة بمليارات الدولارات، فإنها قد تقيد هذه الطائرات، عبر منع إرفاق صفقات الطائرات بالصواريخ المناسبة (فعلت الولايات المتحدة ذلك مع مصر لفترة).
وهي مشكلة قد تواجه تركيا مع توتر علاقاتها بالغرب، فمع العقوبات الأمريكية الأخيرة التي فرضت على رئاسة صناعة الدفاع التركية، فإن الولايات المتحدة قد تمتنع عن تزويد أنقرة بصواريخ جو جو لأسطولها الضخم من طائرات إف 16.
ومع إعلان تركيا نيتها إخضاع الإف 16 لتطوير محلي، واقتراب دخول هذه الصواريخ للخدمة فإن هذا يعني فعلياً التغلب على أي محاولة أمريكية لشل أسطول أنقرة من طائرات الإف 16، الذي يعد الثالث في العالم بعد إسرائيل وأمريكا (كما سبق أن فعلت واشنطن مع باكستان وإندونيسيا).
كما أن أهمية الصواريخ تأتي من أن الدول الكبرى يمكن أن تمنع تصديرها في الوقت الحرج (وقت الحرب).
ومن الناحية التقنية، فإن تطوير صواريخ جو جو التي تعد تقليدياً من أكثر الصواريخ تعقيداً وسرعة، يفتح الباب لتطوير صواريخ أرض جو، وصواريخ مضادة للسفن عالية السرعة، وحتى صواريخ كروز فائقة السرعة.
هل يأتي يوم تسقط فيه الطائرات المسيرة المقاتلات؟
وما يزيد من أهمية هذا التطوير بالنسبة لأنقرة تحديداً، هو التقدم الكبير الذي حققته تركيا في مجال الطائرات بدون طيار، وسعيها لدمج صواريخها على هذه الطائرات، الأمر الذي سيمثل نقلة نوعية في القدرات الجوية، (خاصة أن الطائرات المسيرة رغم بطئها فإن فقدانها لن يؤدي إلى خسائر بشرية).
ومع توافر إنتاج محلي من الصواريخ الجو الجو المحلية على الطائرات المسيرة الأرخص كثيراً من الطائرات التقليدية، تصبح تركيا رائدة في هذا المجال من حيث قدرتها على توفير منصات رخيصة مضادة للطائرات، يمكن توفيرها بأعداد أكبر من الطائرات التقليدية.
والواقع أن بعض الجيوش تدرس جدياً توظيف الطائرات بدون طيار بمساعدة الطيارين البشريين على قتال الطائرات الأخرى، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وبدأت تركيا في مشروع لإنتاج طائرة مسيرة أسرع من الصوت، من بين مهامها أن تكون معاونة لطائرة القتال الوطنية التركية (MMU)، التي تسعى أنقرة لإنتاجها بحيث تكون الطائرة المسيرة التركية الأسرع من الصوت قادرة على الطيران جنباً إلى جنب مع طائرة القتال التركية (MMU)، وتنفيذ عمليات مشتركة معها، بل سيتمكن الطيار في (MMU) من التحكم وإدارة الطائرات المسيرة الأسرع من الصوت من حوله.
بالطبع مازالت جهود دمج الصواريخ جو في الطائرات المسيرة في بدايتها، ولكن نجاحات أنقرة في مجال الطائرات بدون طيار والصواريخ، مع خروجها من برنامج الطائرة إف 35 الأمريكية سيكون حافزاً إضافياً في هذا المجال.