وصلت أولى القوات الأمريكية التي دخلت أفغانستان في 26 سبتمبر/أيلول 2001 حيث كانت أهدافها العلنية تفكيك تنظيم القاعدة وحرمانه من قاعدة آمنة للعمليات في أفغانستان عبر الإطاحة بطالبان من السلطة. وفي ذروة الحرب بعد عقد من الزمن، كان لدى أمريكا أكثر من 100 ألف جندي جندي يقاتلون طالبان.
لكن بعد عقد آخر، ستختفي هذه القوات جميعاً وستنتهي أطول حرب في التاريخ الأمريكي – بالنسبة للأمريكيين على الأقل؛ حيث قرر الرئيس جو بايدن سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر 2021، الذكرى العشرين للهجمات على برجي التجارة العالميين، التي دفعت أمريكا لغزو أفغانستان في المقام الأول، حيث أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات وخسرت آلاف الجنود في هذه الحرب.
كان لطالبان ما أرادت في النهاية
وورث بايدن اتفاق سلام مع طالبان من سلفه دونالد ترامب. في فبراير/شباط 2020 ، وقعت إدارة ترامب اتفاقية مع طالبان التزمت فيها أمريكا بتقليص القوات والانسحاب في نهاية المطاف من البلاد بالكامل بحلول الأول من مايو/أيار من هذا العام، مقابل التزامات طالبان بالانفصال عن القاعدة ومناقشة تسوية سياسية مع الحكومة الأفغانية في كابول.
ويقول تقرير لمجلة "الإيكونومست" البريطانية، ليس هناك ما يشير إلى أن طالبان قد سلمت في كلتا الحالتين، إذ أشار تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في كانون الثاني/يناير الماضي، إلى أن أعضاء القاعدة ما زالوا "مرتبطين بطالبان"، وفي 12 أبريل/نيسان، قالت الجماعة إنها لن تحضر اجتماعاً مرتقباً تدعمه الولايات المتحدة في تركيا، كان سيناقش، من بين أمور أخرى، تشكيل حكومة أفغانية مؤقتة تضم طالبان.
وأفرج أشرف غني، رئيس أفغانستان، عن 5000 سجين من طالبان العام الماضي، كما تشير ليزا كورتيس، التي أشرفت على السياسة الأمريكية بشأن أفغانستان في إدارة ترامب، وهي الآن خبيرة في "مركز الأمن الأمريكي الجديد". وتقول المجلة إن الرئيس الأفغاني لم يحصل عملياً على أي شيء في المقابل، باستثناء زيادة عنف طالبان والمطالبة بإطلاق سراح المزيد من سجناء طالبان.
وتنقل شبكة BBC عن مسؤولين أمريكيين ومن حلف الناتو، قولهم إن حركة طالبان فشلت حتى الآن في الوفاء بالتزاماتها بشأن الحدّ من العنف. وعلى الرغم من كل هذا، يقول بايدن بالفعل إنه "لا يستطيع تصور" بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان بعد نهاية هذا العام.
وقد حذره مستشاروه العسكريون من أن طالبان، التي حققت مكاسب مهمة في ساحة المعركة في الأشهر الأخيرة، من المحتمل أن تستولي على الحكم في البلاد إذا غادرت أمريكا. وبحسب ما ورد، قال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للرئيس إن "حقوق المرأة في أفغانستان ستعود إلى العصر الحجري"، حسب تعبيره.
ورد آخرون بأن أفغانستان لم تعد مصلحة حيوية لأمريكا خصيصاً بعد إضعاف القاعدة، إذ إن التهديدات في الشرق الأوسط، وتحديات أخرى – حتى من الصين في المحيط الهادئ- تستحق اهتماماً أكبر وموارد أمريكية أكثر.
هل تصمد الدولة الأفغانية أمام طالبان بعد الانسحاب؟
رسمياً الآن، يوجد حوالي 2500 جندي أمريكي في أفغانستان، على الرغم من أن العدد الحقيقي يُعتقد أنه أعلى قليلاً، ويتم استكمال هذه القوة بعدة آلاف من المتعاقدين الخاصين. سيبدأون "الانسحاب المنظم" قبل الأول من مايو/أيار ويكملونه بحلول 11 سبتمبر. قد يكون أمل بايدن أنه من خلال الإعلان عن تاريخ انتهاء واضح، يمكنه ثني طالبان عن مهاجمة القوات الأمريكية خلال الصيف. ومع ذلك، فإن اليقين بشأن رحيل أمريكا يزيل أي حافز لدى طالبان لتقديم تنازلات لمؤيدي الدولة الأفغانية الحالية.
ويواجه الرئيس الأفغاني أشرف غني مأزقاً كبيراً إذا التزمت الولايات المتحدة باتفاقها مع حركة طالبان وانسحبت من أفغانستان في الأول من مايو/أيار 2021، وتثار تساؤلات جدية حول مصير الرئيس الأفغاني وحكومته وهل يستطيعون البقاء دون وجود الجنود الأمريكيين.
وبمجرد مغادرة أمريكا – والأهم من ذلك طائراتها الحربية – ستكون طالبان قادرة على الضغط على مصلحتها. هذا لا يعني أن الدولة ستنهار في الحال، لكنها ستكافح لدرء "تقدم المتمردين".
وفي العام الماضي، أخبر جون سوبكو، المفتش الأمريكي العام لإعادة إعمار أفغانستان، الكونغرس، أن القوات المسلحة الأفغانية ظلت "كابوساً كارثياً ميؤوساً منه". وفي مقابلة الشهر الماضي مع موقع Task & Purpose، قال سوبكو إن الحكومة الأفغانية لديها "قدرة محدودة على نقل المواد الغذائية والذخيرة والإمدادات الطبية إلى الوحدات في الميدان". ويزيد على ذلك أن النسبة الكبيرة من أموال الحكومة، تأتي من الخارج، فيما تبدو عيوب مثل هشاشة نظام الحكم والفساد المستشري كأمراض مزمنة عصيةٍ على العلاج في وقت قريب، وهذا كله يصب في مصلحة طالبان.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 26 مارس/آذار 2021، إن وكالات المخابرات الأمريكية أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن أن حركة طالبان قد تجتاح معظم أفغانستان خلال عامين إلى ثلاثة أعوام، إذا انسحبت القوات الأمريكية قبل توصّل أطراف الحرب إلى اتفاق لتقاسم السلطة.
وستخلق خطوة بايدن صداعاً لحلفائه الأوروبيين. وينتشر ما يقرب من 7000 جندي من دول أخرى، بما في ذلك 1300 من ألمانيا وحوالي 900 من جورجيا، في أفغانستان، كجزء من تحالف بقيادة الناتو يقوم بتدريب القوات الأفغانية.
وفي فبراير/شباط الماضي، وعد ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، بأننا "لن نغادر قبل أن يحين الوقت المناسب". من الناحية العملية، لن تتمكن تلك القوات من البقاء في أفغانستان بدون بوليصة تأمين القوة الجوية الأمريكية وغيرها من أشكال الدعم. وسيؤدي رحيلهم إلى إضعاف قوات الأمن الأفغانية، وزيادة عزلة الحكومة في كابول.
كيف ستكافح أمريكا بقايا القاعدة وداعش في أفغانستان بعد انسحابها؟
تأمل أمريكا أنه حتى بدون وجود قوات على الأرض، يمكنها الاستمرار في إبقاء القاعدة وداعش (التي لها وجود متواضع في شرق البلاد) تحت السيطرة من خلال مكافحة الإرهاب لمسافات طويلة، مثل عمليات القوات الخاصة، وعمليات الطائرات بدون طيار.
لكن ما هو أقل وضوحاً هو المكان الذي ستتمركز فيه تلك القوات الأمريكية، وأحد الاحتمالات هو أن وكالة المخابرات المركزية ستبقي على وجود شبه عسكري على الأرض، وتعمل مع المخابرات الأفغانية. والشيء الآخر هو أن أمريكا ستسعى إلى نشر قوات في آسيا الوسطى أو باكستان، حيث كانت تتمركز في السابق هناك بطائرات بدون طيار.
ويقول أسفانديار مير من جامعة ستانفورد لمجلة الإيكونومست البريطانية: "لكن سياسات هذا النوع من القواعد لا تزال معقدة للغاية ، ولم تتوصل الإدارة الأمريكية إلى ترتيب عملي بشأنها، وحتى يحدث ذلك، ستستفيد القاعدة في أفغانستان".
يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم سيواصلون "برامج المساعدة المدنية والاقتصادية والإنسانية" لأفغانستان. لا شك أنهم سيضعون في اعتبارهم دروس الانسحاب السوفييتي من أفغانستان في عام 1989، عندما تشبثت الحكومة المدعومة من الاتحاد السوفييتي بالسلطة بعد رحيل القوات الأجنبية – لكنها انهارت بعد انسحاب التمويل في نهاية عام 1991.
ومع ذلك، سيخلق ذلك حتماً فراغاً في السلطة له تداعيات أوسع. ويقول أفيناش باليوال من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن: "من المرجح أن تشتد المنافسة الإقليمية". خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، دعمت باكستان سراً طالبان – كما تفعل اليوم – بينما دعمت الهند وإيران وروسيا الجماعات المسلحة المناهضة لطالبان في شمال البلاد بالمال والسلاح والاستخبارات. وإذا بدأت حكومة أفغانستان في الانهيار، قد نشهد سيناريوهات مشابهة.