نشرت صحيفة The Financial Times البريطانية تقريراً حول الأزمة الملكية التي اندلعت في الأردن منذ 3 أبريل/نيسان 2021 والتي لا تزال آثارها تمتد على الشارع الأردني حتى اللحظة، بالرغم من ظهور الأمير حمزة بن الحسين في مشهد برفقة العاهل عبدالله الثاني، لأول مرة منذ بدء الأزمة، لدى زيارتهما وعدد من الأمراء للأضرحة الملكية، بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الدولة، يوم الأحد.
"نذُر شؤم تلوح في الأردن"
وتقول الصحيفة البريطانية إن "نذُر شؤم" تلوح في الأفق بعد "المكائد" التي شهدها القصر الملكي في الأردن الأسبوع الماضي، ووضع الملك عبدالله، أخاه غير الشقيق الذي لا يهدأ الأمير حمزة، رهن الإقامة الجبرية. وكذلك تدخّل السعودية.
ونجح الأردن في احتواء ما قال إنها "مؤامرة تهدد أمن واستقرار البلاد"، ووصفها الملك بـ"الفتنة". وإذا كان السعوديون متورطين بالفعل في هذه القضية -والحكومة الأردنية مقتنعة بذلك- فإنَّ كلا الجانبين يبدوان مصممين على حل المشكلة، كما تقول الصحيفة. لكن مستقبل الأردن، الحليف العربي الأقدم والأكثر ثباتاً للغرب، غير واضح.
ويقع الأردن، الذي غالباً ما يُوصَف بأنه ملاذ للاستقرار في منطقة اضطراب مزمن، محاصراً بين بلاد الشام والخليج، محاذياً سوريا من الشمال والسعودية من الجنوب، وتحيط به أيضاً البؤرتان الساخنتان إسرائيل/فلسطين والعراق. ومثلما أظهر الملك الراحل حسين، فإنَّ "حكام المملكة لا يحتاجون فقط إلى الحظ السعيد والحكم الحاذق، بل أيضاً إلى التعامل مع الرياح الإقليمية التي تهب على فترات عبر الأردن"، كما تقول الصحيفة.
"الأمير حمزة يتمتع بكاريزما وحضور شعبي ليس موجوداً لدى الملك عبدالله"
وكان الملك عبدالله اختياراً مفاجئاً لخلافة حسين في عام 1999، والسبب الأساسي وراء هذا الاختيار هو أنه كان "القائد الدموي" لقوات النخبة الخاصة التي تمثل تقاطع خدمات الجيش وأجهزة المخابرات والتي تدعم النظام الملكي الهاشمي. وعُيِّن الأمير الشاب حمزة، الابن الأكبر للملك حسين وزوجته الرابعة الملكة نور، ولياً للعهد، لكن الملك أزاحه من منصبه ووضعه ابنه الصغير الأمير حسين، ليصبح هو ولي العهد في عام 2004. وهكذا بدأت ملحمة الطموح المُحبَط والتنافس بين الأشقاء.
وتقول "فاينانشيال تايمز" إن الأمير حمزة، الذي يشبه والده في مظهره وحديثه ولباسه، يتمتع بشعبية كبيرة. وعلى الرغم من عدم امتلاكه أية سلطات، فقد عزز من حضوره لدى القبائل الأردنية. في الضفة الشرقية، والتي تعتبر حجر الأساس للنظام الحاكم. لكن العديد من أبنائها ينظمون احتجاجات باستمرار، والجيش نفسه الذي يعاني من ضغوط مالية الآن، هو في الحقيقة "رجال قبائل يرتدون الزي العسكري".
على الجانب الآخر، يفتقر الملك عبدالله إلى "الشعبوية الملكية" أو "الكاريزما الأبوية" التي كان يتمتع به والده. والأهم من ذلك، فإن الأردن، البلد الذي يعتمد في كثير من الأحيان على المنح، لم يعد قادراً على تحمُّل تكلفة العقد الاجتماعي الذي يضمن في ظله الأردنيون في الشرق وظائف حكومية في الجيش والخدمة المدنية بينما يدير الفلسطينيون قطاعاً خاصاً ضعيفاً. وانتقد الأمير حمزة في مقطع فيديو انتشر في الأسبوع الماضي "الفساد وعدم الكفاءة، خلال آخر 20 سنة" في المملكة. وتتردد أصداء هذه الكلمات، لا سيما في الجنوب المهمش.
الدور الإقليمي في الأزمة الملكية الأردنية
علاوة على ذلك، عانى الدور المحوري للملك عبدالله والأردن في الدبلوماسية الإقليمية من التراجع بسبب الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفائه المقربين في إسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فقد أدى ترويج ترامب لقائمة أمنيات اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمةً للدولة اليهودية وموافقة إسرائيل على ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، إلى زعزعة استقرار الأردن من خلال إثارة شبح موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين.
وفي ظل تقوية العلاقات الإسرائيلية مع الخليج، يشعر الأردنيون أنَّ آل سعود يريدون تولي الوصاية على المقدسات في القدس بدلاً من الهاشميين – الذين استولى منهم جد ولي العهد محمد بن سلمان على مدينتي مكة والمدينة المقدستين في عام 1925 – ثمناً للوفاق مع إسرائيل، كما تقول الصحيفة البريطانية.
وكان الملك عبدالله الثاني أول زعيم عربي يتصل به الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أرجأ التحدث مع نتنياهو لشهور ويرفض التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان. وتقول المجلة البريطانية في النهاية إنه يجب على بايدن وحلفاء الولايات المتحدة توضيح أنَّ "العبث باستقرار الأردن هو خط أحمر". لكن الملك لديه الآن "منصة من المظالم" التي عرضها الأمير حمزة، مردداً شكاوى القبائل التي تعكس في الوقت نفسه ما يعانيه الأردن من ضائقة؛ لذا سيكون من الحكمة مخاطبتها، بحسب الصحيفة.
آخر تطورات الأزمة في القصر الملكي الأردني
يُذكر أنه وفي آخر تطورات الأزمة، أعلن التلفزيون الرسمي الأردني، الإثنين 12 أبريل/نيسان 2021، إحالة ملف الاعتقالات المرتبطة بملف الأمير حمزة إلى المدعي العام، لاستكمال إجراءات المحاكمة، في حين أنه لن تكون هناك محاكمة لولي العهد السابق، وأن مسألة الأمير حمزة ستحل ضمن إطار الأسرة الهاشمية.
كان الأردن قد أعلن في 4 أبريل/نيسان 2021، عن "تحقيقات أولية"، قالت السلطات إنها أظهرت تورط الأمير حمزة مع "جهات خارجية"، في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفاه الأمير. وقُبيل ذلك بيوم واحد، اعتقلت الأجهزة الأمنية المختلفة رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، وآخرين، في إطار تلك التحقيقات.
كان الملك عبدالله قد علّق على قضية الأمير حمزة بعد عدة أيام من اندلاعها، وقال: "مسؤوليتي الأولى هي خدمة الأردن وحماية أهله ودستوره وقوانينه. ولا شيء ولا أحد يتقدم على أمن الأردن واستقراره، وكان لا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأدية هذه الأمانة".