ما زال الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يزعم أنه ليست له علاقة باقتحام الكونغرس، ولكن دراسات علمية متعددة تثبت أن خطاباته ساهمت في التحريض على العنف في نطاقات متعددة، أبرزها ضد المسلمين واللاتينيين، إضافة إلى أحداث الكونغرس.
فلقد كشفت دراسات عديدة أن التحريض عندما يصدر من القادة فإنه يزيد العنف، بل يكسبه مشروعية زائفة، حسبما ورد في تقرير لمؤسسة Brookings الأمريكية.
"أنا شخص مثير للغضب دائماً"، كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بنفسه قبل أكثر من 4 سنوات، وبعد مرور 50 شهراً على هذا التصريح، كادت أمريكا تحترق، نتيجة حكم ترامب المليء بالكراهية والغضب، حسبما ورد في مقال للكاتب دانا ميلبانك بصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
ولقد تعهد ترامب، في خطابه الافتتاحي، بالإنهاء السريع لـ"العنف والفوضى في شوارع أمريكا".
ولكن بعد 4 سنوات، انتهى حكم ترامب بلقطات حية معروضة على شاشات التلفزيون تُظهر حالة بائسة ومرعبة.
اقتحام الكونغرس كشف تأثير ترامب المدمر
في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خطاباً مُحرِّضاً لمؤيِّديه، يعلن فيه أسفه على تزوير الانتخابات، ويحثُّهم على السير إلى مبنى الكابيتول، حيث يشهد الكونغرس بانتصار جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، ويطلب منهم "القتال بضراورة". ألقى منتقدو الرئيس، ومنهم وزير دفاعه بالإنابة كريس ميلر في ذلك الوقت، باللوم على هذه التصريحات في أعمال الشغب بالكابيتول. ثم مضى الكونغرس بعد ذلك في محاكمة ترامب للمرة الثانية، بسبب التحريض على العنف.
ومع ذلك، فإن خطاب ترامب ليس حدثاً فريداً أو حتى نادراً، خاصةً في وقتٍ نشهد فيه استقطاباً شديداً بالولايات المتحدة ودول أخرى. تستخدم المواقع الإلكترونية المحافظة والقادة السياسيون، لاسيما على مستوى الولايات والمستوى المحلي، الخطاب العنيف وشيطنة خصومهم السياسيين. وإضافة إلى ذلك، فإن المستويات المرتفعة من الاستقطاب تجعل من المُرجَّح أن ينتشر الخطاب العنيف إلى جانبي النقاش السياسي. وبالفعل، ينمو الخطاب العنيف في جانب اليسار أيضاً.
القادة المتطرفون يحاولان التبرؤ من نتائج خطاباتهم.. ولكن الواقع أن تأثيرها كبير
غالباً ما يكون من الصعب تتبُّع تأثير تصريح أحد القادة وصولاً إلى الأحداث اللاحقة. وحتى في حالة أعمال الشغب بالكابيتول، يصرُّ المدافعون عن ترامب على براءته. ومع ذلك، تشير مجموعةٌ من الأبحاث إلى أن الخطاب التحريضي للقادة السياسيين يمكن أن يجعل العنف السياسي أكثر ترجيحاً، ويقدِّم توجيهاً للعنف، ويعقِّد استجابة إنفاذ القانون، ويزيد من المخاوف في المجتمعات الضعيفة.
لا يوجد خطٌّ مباشر بين الخطاب العنيف والعنف السياسي إذا حرص المتحدِّثون على عدم تسمية أهدافٍ ووسائل مُحدَّدة. ومع ذلك، فإن خطر العنف كبير. ورغم أن أيَّ فردٍ -حتى الشخص الذي يستشهد بترامب أو زعيم آخر عند ارتكاب العنف- قد تكون لديه دوافع مُتعدِّدة لما يفعل، يمكن تتبُّع الشعور بالمشكلة من خلال الدراسات التي تُظهِر الارتباط بين زيادة الخطاب السياسي العدائي والعنف.
جزءٌ من المشكلة يتمثَّل في أن تصريحات القادة لا تتلاشى بعد الإدلاء بها. غالباً ما يُضخَّم تأثير الخطاب التحريضي الصادر من القادة السياسيين ضد خصومهم السياسيين وجماعات الأقليات والأهداف الأخرى، حسب تقرير مؤسسة Brookings الأمريكية.
ويشهد القادة الذين يتابعهم عددٌ كبيرٌ من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي إعادة نشر لتغريداتهم ومشاركتها مع ملايين من الناس. وبعد ذلك، تغطي وسائل الإعلام التقليدية خطاب القادة، وتبثها إلى مشاهديها ومستمعيها. وتُستخدَم خطابات القادة الوطنيين كإشاراتٍ للشخصيات المحلية، لاسيما إذا كان للقادة الوطنيين أتباعٌ مخلصون. ويُضخَّم خطاب القادة المحليين بدوره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنافذ الإعلامية التقليدية. ويضطلع الأشخاص العاديون بدورٍ مهمٍ أيضاً في نشر الرسالة ومشاركتها مع تعليقاتهم الخاصة مع أصدقائهم وعائلاتهم.
إنهم يجعلون التطرف أمراً طبيعياً
يغيِّر الخطاب المتطرِّف الذي ينتشر على نطاقٍ واسع طابعه ويصبح قضيةً وموضع خطاب مقبولاً، في حين ربما كانت مناقشته في الماضي من المحرَّمات. وجدت إحدى الدراسات أن خطاب النخبة المتحيِّزة يكون قوياً بشكلٍ خاص إذا أيَّدته النخب الأخرى، مِمَّا يشجِّع الجماهير على إعلان تحيُّزاتهم والتصرُّف وفقاً لذلك. وكما لاحَظَ أحد الخبراء، في إشارةٍ إلى خطاب ترامب المعادي للمسلمين والمتحدِّرين من أصلٍ إسباني، فلقد "ساعَدَ خطاب الرئيس في تغيير معايير الخطاب في بلدنا بحيث أصبح من المقبول بين مزيد من الناس تشويه سمعة مجموعاتٍ أخرى من البشر ومهاجمتها".
وجدت دراسةٌ أكاديمية أن الخطاب لم يغيِّر المواقف، بل شجَّع الأفراد على التعبير والتصرُّف بناءً على آراءٍ موجودة مُسبَّقاً كانوا قد أخفوها من قبل. نما الخطاب المعادي للمسلمين الذي أثارته تصريحات ترامب، وقتما كان مُرشَّحاً في الانتخابات الرئاسية عام 2016، على وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك. وهذا بدوره دفع المتابعين إلى زيادة تغريداتهم المعادية للمسلمين وجذب مزيداً من الاهتمام من القنوات الإخبارية.
وفي الأيام اللاحقة، زادت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 32%، مع زيادةٍ كبيرة ضد المجتمع الإسباني في الولايات المتحدة -لكن أقل قليلاً مِمَّا كان ضد المسلمين- ذلك المجتمع الذي كان أيضاً هدفاً لخطاب ترامب. قد تؤدِّي تغريداتٌ مُحدَّدة إلى زيادة جرائم الكراهية، حيث يرتفع المستوى وينخفض اعتماداً على انتشار نشاط وسائل التواصل الاجتماعي.
قد يثير خطاب الكراهية أيضاً مشاعر خطيرة. وجدت دراسةٌ عن العنف في السويد أن خطاب الكراهية يحفِّز المشاعر السلبية تجاه المجتمع المُستهدَف بين المستمعين، ووجدت دراسةٌ أخرى على الجماهير الأوروبية أن التعرُّض للخطاب العنيف من السياسيين يزيد من دعم العنف السياسي بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع. ويجعل هذا الخطاب أيضاً العنف السياسي ضد المجتمع المستهدف يبدو أكثر شرعية. في ألمانيا، وجدت دراسةٌ أخرى أن زيادة المشاعر المعادية للاجئين على منصة فيسبوك أدَّت إلى زيادة العنف ضد اللاجئين، وحين انحسر ذلك في فيسبوك أو عندما هيمنت أحداثٌ مختلفة على الأخبار، انخفض العنف.
يخلق الخطاب التحريضي أيضاً مناخاً سياسياً أخطر بشكلٍ عام. وجد تحليل البيان الصادر عن مُطلِق النار في حادث إل باسو، في ولاية تكساس الأمريكية، والذي قتل 23 شخصاً، معظمهم من أصلٍ إسباني، أنه استخدم كلمات مثل "الغزو" و"الإحلال"، معتمداً على نظريات المؤامرة التي روَّج لها مضيفو وسائل الإعلام المُحافِظة.
ووجدت دراسةٌ أخرى أن خطاب الكراهية للسياسيين يزيد من الاستقطاب السياسي، وهذا بدوره يجعل الإرهاب المحلي أكثر احتمالاً.
تشكِّل دوَّامة التطرُّف المُتبادَل خطراً خاصاً. ويمكن للجماعات الهامشية من السكَّان المستهدفين استغلال خطاب الكراهية المُوجَّه ضدهم لتبرير عنفهم ولمزيد من حشد الدعم لهذا العنف.
قد تكون هناك مبالغة في مخاطر التطرُّف المُتبادَل، لكن حتى الاحتمال الضئيل لحدوثه يثير القلق، إذ يمكن أن يؤدِّي إلى تفاقم العنف من كلا الجانبين وتمكين مزيد من الشعبويين.
روج لمقولة الفيروس الصيني وجعل أتباعه يكرهون المسلمين
يزعم بعض الأشخاص المتَّهمين بجرائم تتعلَّق بالإرهاب، أن خطاب ترامب ووسائل الإعلام اليمينية أقنعاهم بخطر المسلمين والجماعات الأخرى ودفعاهم إلى التحرُّك، وفقاً لتقرير Brookings.
ووجد تقريرٌ إخباري صدر عام 2020، أن 54 حالة تنطوي على اعتداءاتٍ وتهديدات مرتبطة بأفراد تذرَّعوا بترامب وخطابه خلال أفعالهم. ومن بين هذه الحالات، تضمَّنَت 41 حالة عنفاً مؤيِّداً لترامب، و13 حالة تتعلَّق بتحدٍّ مُفتَرَضٍ لترامب. ورأى عددٌ من المشاركين في أعمال الشغب بمبنى الكابيتول أنفسهم جنوداً مُخلِصين لترامب وزعموا أنهم "ينتظرون التوجيه" فيما يتعلَّق بكيفية التصرُّف.
وعندما نشر ترامب عبارة "الفيروس الصيني" على منصة تويتر، مع بدء تفشي كوفيد-19 في عام 2020، انتشر استخدام المصطلح، وفقاً لدراسةٍ نُشِرَت في المجلة الأمريكية للصحة العامة. وكان للعديد من التغريدات مشاعر عنيفة معادية لآسيا.
وتشير التقارير الواردة في موقع StopAAPIhate.org إلى وقوع العديد من حوادث الكراهية بعد هذه التغريدة، إذ رَبَطَ العديد من الأمريكيين الآسيويين بالفيروس.
قد يكون الأفراد، والمجتمعات كذلك، عرضةً للخطر. في عام 2019، انتقد الرئيس ترامب النائبة إلهان عمر في تغريدةٍ له على منصة تويتر، مُدَّعياً أنها "خارجة عن السيطرة"، وأنها معادية للسامية ومناهضة للولايات المتحدة. ونشر على تويتر مقطع فيديو قصيراً يعرض صوراً لهجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية جنباً إلى جنب مع ملاحظاتٍ مُختارة للنائبة، التي زعمت قائلةً: "منذ تغريدة الرئيس مساء الجمعة، شهدتُ زيادةً في التهديد المباشر على حياتي، وكثيرون يشيرون مباشرةً إلى فيديو الرئيس".
وكتبت حاكمة ميشيغان، غريتشن ويتمر، التي استهدفها ترامب في العديد من التغريدات، أنه في كلِّ مرة تتعرَّض فيها للهجوم منه، "أرى أنا وعائلتي تصاعداً في الهجمات الشرسة التي تُوجَّه إلينا".